أيها الإخوة الكرام: ونحن على أعتاب شهر شعبان، واليوم أول يوم منه ولا يفصلنا عن شهر رمضان سوى ليال وأيام..
✍ العناصر:
✍ أولًا: لماذا هذا العنوان؟
✍ ثانيًا: دعني أراك مسلمًا.
✍ ثالثًا: مع أول أيام شعبان، والهدي النبويّ فيه.
✍ المـــوضــــــــــوع
أيها الإخوة الكرام: ونحن على أعتاب شهر شعبان، واليوم أول يوم منه ولا يفصلنا عن شهر رمضان سوى ليال وأيام..
نود أولًا : أن ندعوا الله عز وجل أن يبلغنا رمضان، وأن يُسلمنا لرمضان، وأن يُسلم رمضان لنا، وأن يَتسلمه منا مُتقبلا.. اللهم آمين.
ثانيًا : نود أن نشير (إشارة) إلى أن أهم ما يميز شهر شعبان عن بقية شهور العام، أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم شعبان إلا قليلا..
قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم، إلا يومين من الأسبوع إن كانا في صيامه وإلا صامهما..
قال أسامة رضي الله عنه: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهور كما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ؟
فقال صلى الله عليه وسلم: أي يومين؟ قلت يوم الاثنين، ويوم الخميس، فقال صلى الله عليه وسلم: ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم..
قال أسامة بن زيد: وما رأيتك يا رسول الله تصوم من الشهور مثل ما تصوم من شعبان ؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم » ].
أيها الأخ الكريم:
نحن في طريقنا إلى موسم من أعظم مواسم العبادة، نحن على مقربة من أشرف الأوقات والأزمان، اليوم شعبان وغدا رمضان، فلا يكن أحد اقرب إلى الله منك، نافس على الخيرات، وزاحم على المكرمات، واهتم أكثر ما تهتم بإصلاح النية، واجعلنا نرى الإسلام في أفعالك ومعاملاتك..
فالإسلام دين كامل متكامل لا يتجزأ ( عبادات ومعاملات، أخلاق وسلوكيات)
ولا يمكن الاستغناء بجانب منه عن الجانب الآخر..
الإسلام عقيدة جوهرها العبودية لله الواحد الأحد، والإسلام عبادة جوهرها الإخلاص لله رب العالمين ، والإسلام معاملة جوهرها الصدق، والإسلام أخلاق جوهرها الرحمة، والإسلام تشريع جوهره العدل، والإسلام عمل جوهره الإتقان، والإسلام أدب وأخوة ، فمن ضيع من هذه المعاني شيء فقد ضيع ضلعا من ضلوع الإسلام..
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: “كان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم، ومن أدركناهم، يقولون: إن الإيمان قول، وعمل، ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر”.
الغرض من حديثنا اليوم : هو التحذير من التدين المغشوش..
حديثنا اليوم: المقصود منه التحذير من التدين الكاذب..
العبادة ليست في الصلوات والركعات والسجدات فقط، العبادة ليست في أوراد وأذكات وتلاوات فقط، العبادة ليست سواكا ولحية وثوبا قصيرا فقط، العبادة هي كل هذا مع سلوك يقول إنك مسلم..
العبادة لا تؤتي ثمارها إلا إذا انعكست على أخلاق صاحبها، العبادة لا تسمن ولا تغني إلا إذا أثرت في معاملات صاحبها..
عنوان حديثنا اليوم هو:
دعني أراك مسلمًا، نقول ذلك لأننا نسمع شيئا ونرى شيئا آخر، شبعنا من كلام الناس وعجبنا من أفعالهم..
دعني ارى فيك الإسلام، نقول ذلك لأننا نرى في تصرفات الكثير من الناس ما لا يمت للإسلام بصلة..
لذلك أتيتك اليوم أخي اقول لك : دعني أراك مسلمًا..
دعني أراك مسلمًا في جودك وكرمك ومثالك الذي تحتذى به وتقتدي به في الجود والكرم رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
عن سَهْلٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، «“أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ، (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ،بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ،(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ،مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟، قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي؟ ” قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ”» (رواه البخاري).
دعني أراك مسلمًا في رأفتك ورحمتك بالفقراء والضعفاء ومثالك الذي تحتذى به وتتأسي به في الرأفة والرحمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
من هدي النبي عليه الصلاة والسلام إذا صلى بالناس راعى أحوالهم وترفق بهم وصلى صلاة لا تشق على المريض ولا على الضعيف ولا على ذي الحاجة حتى قال صلى الله عليه وسلمَ: «“إنِّي لأقومُ إلى الصَّلاةِ وأنا أريدُ أن أطوِّلَ فيها، فأسمعُ بُكاءَ الصَّبيِّ فأتجوَّزُ كراهيةَ أن أشقَّ على أمِّه”»
دعني أراك مسلمًا في حلمك وسعة صدرك ومثالك الذي يحتذى في سعة الصدر رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
عن أَنَس (رضي الله عنه) «“أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً،” فَقَالَ يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ” فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا ” » (رواه مسلم )
دعني أراك مسلمًا في حكمتك، لا تفتعل المشاكل في بينك وبين زوجك، وإن كان شيء فأحكم عقلك، ومثالك الذي يحتذى في الحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
عَنِ النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَسَمِعَ عَائِشَةَ(رضي الله عنهما) وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ قَالَ النعمان : فَحَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَيْنَ ابي بكر وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا ” أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ”؟ قَالَ النعمان : ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا “» [ أخرجه أحمد] .
دعني أراك مسلمًا في زهدك وورعك، دعني أراك مسلما في كرم أخلاقك، في تواضعك، دعني أراك مسلما في حب الخير للناس، في كف الأذى عن الناس، في إحسانك إلى جارك، في رحمة الصغير، في توقير الكبير، دعني أراك مسلما في صلتك لأرحامك، في إتقان عملك، في حسن عشرتك، في حياءك في خشيتك في إخلاصك لله رب العالمين..
أيها الإخوة الكرام: ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدُّنيا ولا حسنة لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله، وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا، وأن يهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير .
الخطبة الثانية
أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « «إِنَّ اللَّه تعالى قال: منْ عادى لي وليًّاً فقدْ آذنتهُ بالْحرْب، وما تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ، وما يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ به، وبَصره الذي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التي يمْشِي بها، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه» »
يقولون في الحكمة:
ليس من الحكمة تأخير البيان عن وقت الحاجة.
نحن اليوم على موعد مع أول أيام شهر شعبان نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا رمضان..
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان إلى جانب الذكر والصلاة وسائر الطاعات هو كثرة صيام التطوع..
قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : «” مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ “»
وكثرة صيام التطوع في شعبان يرجع إلى أسباب..
أهم هذه الأسباب ما يلي:
أولا : أن شعبان شهر مغفول عنه لوقوعه بين شهر رجب وهو شهر حرام وبين شهر رمضان وهو شهر الصيام والقيام ، والعبادة في وقت الغفلة أعظم ثوابا وأكبر أجرا..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( « ذاك شهرٌ يَغفلُ عنهُ الناسُ بين رجب وبين رمضان» )
ثاني الأسباب:
شهر شعبان شهر ترفع فيه الاعمال إلى الله تعالى قال النبي عليه الصلاة والسلام ” وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “
ثالث الأسباب:
أنَّ شهرَ شعبانَ مقدمةٌ وتمرينٌ وتمهيدٌ للعبادة والذكر والصيام في رمضانَ.
رابع الأسباب: أنَّ الصيام في شهرَ شعبانَ يعتبر كسُنَّةٍ قبليةٍ لصيام رمضانَ ونافلة له وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل « وما يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ به، وبَصره الذي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التي يمْشِي بها، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه»
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا رمضان وأن يجعلنا من عباده المخلصين إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.
Source link