منذ حوالي ساعة
فُرِضَ الصوم في السنة الثانية من الهجرة في شعبان، فصام النبي – صلى الله عليه وسلم – تسع رمضانات إجماعًا؛ كان فرض صيام رمضان على ثلاث مراحل:
فُرِضَ الصوم في السنة الثانية من الهجرة في شعبان، فصام النبي – صلى الله عليه وسلم – تسع رمضانات إجماعًا؛ كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر وابن القيم؛ (انظر زاد المعاد 2/ 30، شرح المشيقح 4/ 263).
كان فرض صيام رمضان على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: التخيير بين الصيام والإطعام مع تفضيل الصيام عليه.
المرحلة الثانية: إيجاب الصيام حتمًا على المقيم الصحيح القادر المكلَّف، لكن إذا حضر الإفطار وغرَبت الشمس، فله أن يأكل أو يشرب ما لم ينَم، فإن نام حرُم عليه الطعام والشراب والنساء إلى الليلة القابلة، فحصَل عليهم حرجٌ ومشقة شديدة، ويدل لهذه المرحلة حديث البراء رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار، فنام قبل أن يُفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي، وإن قيس بن صِرمة الأنصاري كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلقُ فأطلبُ لك، وكان يومه يعمل فغلَبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته، قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه، فذُكِرَ ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، ففرِحوا بها فرحًا شديدًا، ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187].
وقد قيِّد المنعُ من ذلك في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – بصلاة العتمة، فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (كان الناس على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا صلُّوا العَتَمَة حرُم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة، فاختانَ رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يُفطر، فأراد الله – عز وجل – أن يجعل ذلك يسرًا لمن بقي، ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187]، وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخَّص لهم ويسَّر)؛ (د 2313، وقال الألباني: “حسن صحيح”)، ويحتمل أن التقييد بصلاة العتمة جاء؛ لأن الغالب أنهم ينامون بعد صلاة العتمة.
قال الحافظ في شرح حديث البراء السابق: “ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق: (كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون، ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئًا من ذلك إلى مثلها)…
وقيِّد المنعُ من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة؛ أخرجه أبو داود، وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر، ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنةَ النوم غالبًا، والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث، وبيَّن السدي وغيره أن ذلك الحكم كان على وَفق ما كُتب على أهل الكتاب، كما أخرجه ابن جرير من طريق السدي ولفظه: (كتب على النصارى الصيام، وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم، وكتب على المسلمين أولًا مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار)، فذكر القصة، ومن طريق إبراهيم التيمي: (كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب: إذا نام أحدهم لم يطعم حتى القابلة)، ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص مرفوعًا: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)”؛ (فتح الباري 4/ 130).
المرحلة الثالثة: تعيُّن الصيام دون تخيير، مع إباحة الأكل والشرب والنساء في ليل الصيام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وعن سلمة بن الأكوع قال: “لَما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسَخَتها”؛ [خ 4507، م 1145].
وزاد بعضهم مرحلة قبل هذه المراحل الثلاث، وهي فرض صيام عاشوراء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فُرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر)؛ [خ 2001، م 1125]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترَك)، وكان عبد الله “لا يصومه إلا أن يوافق صومه”؛ (خ 1892، م 1126)؛ (انظر إشكالات حول أحاديث فرض عاشوراء وصيامه صلى الله عليه وسلم لذلك اليوم في زاد المعاد 2/ 66-77، زاد المعاد 2/ 31).
____________________________________________________
الكاتب: د. عبدالرحمن أبو موسى
Source link