خيانة الخلوة – طريق الإسلام

فمن رام أن يُبعث بقلبٍ سليم، فليستصحب مراقبة “الذي يراك حين تقوم”، وليجعل بينه وبين الذنب سترًا من الحياء، لا من الناس، بل من رب الناس.

في مضمار التربية الإيمانية، ثمّة ابتلاء لا يراه الناس، ولا يُدوَّن في دفتر الجرائم المرئية، ولكنه أخطر مسارات الانهيار الباطني: ذنوب الخلوات، تلك اللحظات التي يختلي فيها المرء بمعصيته بعيدًا عن أعين الخلق، لكنها لا تغيب عن عين “الرقيب”.

إن تكرار الذنب في الخفاء يُنتج ما يُسميه أهل السلوك: سُكر الغفلة؛ حيث تفقد الروح توازنها، ويضعف استنكار القلب، وتبدأ هندسة المبررات في تشييد منطقٍ يُجمّل القبيح ويُؤطّر الزلل كـ”نزوة عابرة”، وهذا الانزلاق الخفي لا يطفئ نور الطاعة فقط، بل يفرّغها من مضمونها، فتصير الصلاة عادةً، والذكر تكرارًا آليًا، والقرآن صوتًا لا يتجاوز الحنجرة.

والمعضلة أن ذنوب الخلوة لا تُعاقَب على الفور، بل يُؤجَّل العقاب في سلسلةٍ من “النزع الهادئ”، حيث تُسلَب لذة المناجاة، ويذبل الحياء من الله، ويتيبّس الخوف، حتى إذا أدمن العبد معصيته في الخفاء، خُتم على قلبه بختم لا يُرى، وابتُلي بـالحرمان الصامت.

في ظاهر الأمر، العبد على حاله، يصلي كما كان، يصوم كما اعتاد، يبتسم كما يُحبّ الناس، لكن في باطنه: تهشّمت مهابة الذنب، وذبلت حرارة الخشية، وذابت صلة السرّ بالله، فما كان سقوطه في لحظة، بل كان نخرًا بطيئًا بدأ يوم استرخص نظر الله، وغلّب لذته على مراقبة “الذي يعلم السر وأخفى”.

ولأجل هذا، كانت وصية النبي ﷺ الصادقة المزلزِلة: “لأعلمنّ أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثورًا… إنهم إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها”.

فمن رام أن يُبعث بقلبٍ سليم، فليستصحب مراقبة “الذي يراك حين تقوم”، وليجعل بينه وبين الذنب سترًا من الحياء، لا من الناس، بل من رب الناس.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

فضل يوم النحر – طريق الإسلام

الأضـحـيـة عـبـادة مـن أعـظـم شـعـائر الإسـلام، وهي من أفـضـل الـقـربات عـنـد الله تعالى؛ لأن التقرب إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *