تتميز مرحلة الشباب بكونها مرحلة التطور والتشكل في مختلف جوانب الشخصية الإنسانية، وهي تعتبر مرحلة الإعداد والبناء للمستقبل؛ ولذا يواجه الشباب والفتيات في سبيل ذلك العديد من المشاكل والمعوقات…”
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فأوصيكم ـ أيها المؤمنون ـ ونفسي بتقوى الله؛ فهي العصمة من البلايا، والمنعة من الرزايا، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2، 3].
يا عباد الله، تتميز مرحلة الشباب بكونها مرحلة التطور والتشكل في مختلف جوانب الشخصية الإنسانية، وهي تعتبر مرحلة الإعداد والبناء للمستقبل؛ ولذا يواجه الشباب والفتيات في سبيل ذلك العديد من المشاكل والمعوقات، الأمر الذي يؤكد على حاجتهم الماسة للعب والترفيه الفعال؛ لتحقيق ذواتهم، ومجابهة ما يقف أمامهم من صعاب، فكان لزامًا على الوالدين والمسؤولين تربية الشباب والتعرف على مطالبهم واحتياجاتهم، والعمل على إشباعها من خلال اللعب والترفيه.
أيها المسلمون، إن المواظبة على الحزم والجد في كل الأحوال أمرٌ شاقٌّ على نفس الشاب والفتاة؛ لأن النفس مجبولة على المراوحة والاستجمام، وهنا نجد مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الحاجة مع أصحابه، جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود “كان عبدالله يذكرنا كل يوم خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، إنا نحب حديثك ونشتهيه، ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال: ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملكم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة في الأيام، كراهية السآمة علينا”، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يستفاد من الحديث “استحباب ترك مداومة الجد في العمل الصالح خشية الملال”.
كما أذن- صلى الله عليه وسلم- للحبشة أن يلعبوا في مسجده الشريف بحرابهم وسهامهم على عادتهم، وأذن لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالنظر إليهم؛ مراعاة منه لحاجتها إلى الترفيه، تقول رضي الله عنها: “والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسترني بردائه؛ لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، حريصة على اللهو”؛ (رواه مسلم).
يا عباد الله، يقول أحد الآباء: ابني مدمن للألعاب الإلكترونية، يجلس أمام الشاشة الساعات الطوال، كثير السهر، عصبي جدًّا، لا يوجد لديه أصدقاء، يكره زيارات الأهل والجيران أو الخروج للتنزُّه، أصبح مهملًا لواجباته الدينية والدراسية، في الآونة الأخيرة تعرف على فتاة، تطورت علاقته معها حتى تعَلَّق قلبه بها، ماذا أفعل؟
أيها المسلمون، الترفيه هو ذلك الوقت الذي يكتسبه الإنسان لنفسه بعيدًا عن التعليم الرسمي، أو العمل، أو المسؤوليات المنزلية، أو أداء وظائف أخرى في الحياة، وله الحرية في أن يفعل فيه ما يشاء من تفاعل مع العائلة، أو الأسرة، أو قضاء الوقت بشكل منفرد، أو لتطوير الجسد في الرياضة بأنواعها، أو لتطوير المهارات العقلية والفكرية وتطوير الذات.
ويعد اللعب والترفيه- يا عباد الله- من الحاجات الأساسية للشاب والفتاة؛ فهو يخفف حدة الضغوط والمشكلات التي يواجهونها في الحياة، كما يسهم بشكل ملحوظ على تفريغ الانفعالات المكبوتة لديهم، وحدة القلق والتوتر النفسي، ويمنح الشعور بالسعادة والرضا والبهجة، واللعب يعمل على استعادة الطاقة المفقودة من أداء الواجبات العملية والرسمية، ويدعم صحة الشاب والفتاة، ويشبع احتياجاتهم الجسمية، ويكسبهم المهارات الحركية والقوام المعتدل والمظهر الحسن.
أما إذا كان اللعب والترفيه بشكل جماعي، فهو يساعد على التعاون والانسجام والقدرة على التكيف مع الآخرين، كما يسهم الترفيه الجماعي على تقوية العلاقات واحترام الغير، والمودة، والصداقة، والأخوَّة، والثقة بالآخرين، والولاء للمجتمع والوطن، وإنكار الذات، وحب العمل، وأداء الواجب، والتطوع للخدمات الاجتماعية، كما أن الأنشطة الجماعية قد تكون عاملًا محفزًا لتنمية مهنة المستقبل، من خلال تنمية مهاراتهم وقدراتهم التي قد تبدأ بهواية يمارسها الفرد في حياته اليومية، ثم ينميها ويطورها؛ حتى تنتهي بمهنة يحترفها في مستقبل حياته.
نفعني الله وإياكم بهدي نبيه وبسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].
يا عباد الله، إن على الآباء والمسؤولين عن تربية الشباب والفتيات الأخذ بعين الاعتبار عند اختيار الأنشطة الترفيهية لهم بالتالي:
أولًا: ألا يكون اللعب والترفيه في أنشطة تلحق الضرر بالشباب والفتيات أو بالآخرين سواء كان الضرر ماديًّا، أو معنويًّا، أو حسيًّا.
ثانيًا: اختيار الوقت المناسب بحيث لا يؤثر في واجباتهم الدينية أو الدراسية أو المنزلية أو الأسرية.
ثالثًا: الابتعاد عن الإسراف في اللعب والترفيه خصوصًا فيما يتعلق بالوقت والمال والصحة.
رابعًا: أن يكون اللعب والترفيه له أهداف وأثر إيجابي في الشاب والفتاة وفي المجتمع والوطن.
خامسًا: التنوُّع في الأنشطة يعطي مجالًا لاكتشاف المواهب، ويساعد على تنمية قدرات الشباب الصحية والعقلية والجسدية والفكرية.
سادسًا: عدم التركيز على الترفيه الإلكتروني؛ لما يسببه من آثار صحية وسلوكية وعقدية وتربوية على الشباب والفتيات.
سابعًا: الابتعاد عن الاختلاط بين الجنسين أثناء اللعب والترفيه؛ لما يفضي إليه من ترك الحياء والحشمة والتجرُّؤ على الجنس الآخر، ومن علاقات محرمة.
ثامنها: ألَّا يكون اللعب والترفيه في معصية الله، مع الحرص الشديد على اختيار الصحبة الصالحة للشابة والفتاة عند ممارسة الأنشطة.
هذا وصلوا وسلموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
_________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link