ليس عليك إخبار البشر بذنوبك، ولا يدلّ ذلك على صدقك ولا على عفويتك ولا على بساطتك ولا على قوتك ولا على وضوحك.. بل هو في كثير من الأحيان هتك لستر ستره الله عليك، ومجاهرة بالمعاصي وتهوين لها في عيون الناس

الحمدلله لأن ديننا لا يحتوي ثقافة الاعتراف بالذنوب..
ديننا ليس كنسياً ولا رهبانياً..
الذنب الذي تقترفه شأن خاص بينك وبين الله، وإن كان متعلقاً بأحد الخلق (كسرقة أو غيبة) فهو بينك وبينه وبين الله..
لكن ليس عليك إخبار البشر بذنوبك، ولا يدلّ ذلك على صدقك ولا على عفويتك ولا على بساطتك ولا على قوتك ولا على وضوحك.. بل هو في كثير من الأحيان هتك لستر ستره الله عليك، ومجاهرة بالمعاصي وتهوين لها في عيون الناس وتطبيع لهم معها بعدما كانت مخفية لا تذكر..
ما الذي يستفيده الناس من معرفه أن الشيخ الفلاني ابتلي بالتدخين ثم تاب وتاب الله عليه؟ لماذا تقولين للخاطب أنك كنتِ قبل عدة سنوات في علاقة آثمة ؟ ولماذا تخبر صاحبك أن صلاة الفجر فاتتك اليوم؟
حتى شيخك ومعلمك وحتى أمك وأبوك..
لا يحتاجون ولا يفيدهم ولا يفيدك معرفتهم بذنوبك المستورة وخطاياك..
وإنما جرّ هذا “الاعتراف” المنتشر بالسيئات وجعلها من “الصدق” و”الوضوح” و”عدم الاهتمام بالناس” التهوين من المعاصي ذاتها، إذ لم تعد أموراً مستنكرة مستقبحة، بل صار الجميع يعلم أن الجميع يقوم بها! وكأن أي ذنبٍ أو عصيانٍ يقلّ قبحاً بانتشاره والحديث عنه..
المسلم بطبيعته يذنب، كلنا يذنب، من كان يظن في أحدٍ عكس ذلك فتلك مشكلته التي لا نحتاج لحلها عبر إظهار ذنوبنا له..
لكن الوضع الطبيعي أيضاً بعد الذنب (وإن صغر) هو أن المسلم يشعر بألم في نفسه، بأنه ارتكب خطأً يستحي به أمام ربه أولاً ولذلك يخفيه ويقرر أن يقلع عنه ومن ثم يستعين بالله ليفعل فعلاً، قد يعود للذنب (وهذا أيضاً من مقتضى بشريته) لكنه بعد كل عودة يخجل ويستغفر ويتوب.. وهذه صفة الأوابين..
أما مع خرافات الوضوح والعفوية وهدم الاكتراث بالناس فقد بات المرء يذنب ثم يخرج على الناس ليقول “أنا لا أحب النفاق، والبارحة فاتتني صلاة الفجر“، فيقول صديقه: “وأنا أيضاً!”، ويشارك الآخر: “وأنا فاتتني قبل أسبوع!”
فينقلب خجل الجميع من الذنب وعزمهم على التوبة عنه إلى شعور بالأنس ببعضهم واسترخاء بأنهم على الأقل جميعاً متشابهون.
وبذلك يتحول الأواب إلى مستمر على ذنبه، ويصير الذنب النادر منتشراً إلى أن لا يسميه أحدٌ ذنباً أصلاً!
فالحرام حرامٌ ولو مارسه كلّ الناس، وتذكر أن كل الأمة معافىً إلا المجاهرون..
نعوذ بالله نعوذ بالله أن نكون منهم..
_________________________________________________
الكاتب: تسنيم راجح
Source link