شركات المرتزقة تنقلب على رعاتها – عامر عبد المنعم

منذ حوالي ساعة

أصبحت ظاهرة المرتزقة مكونًا أساسيًا للانتشار العسكري لجيوش الدول التي لها أطماع توسعية، وهي ظاهرة قديمة ولكنها ازدادت في العقود الأخيرة،

 

لم يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديًا يهدد موقعه الرئاسي أكثر مما عاشه مع انقلاب فاغنر، فقد تابع العالم احتلال المرتزقة مدينة روستوف التي فيها قيادة العملية العسكرية في أوكرانيا، والاقتراب من العاصمة موسكو قبل أن يعلن يفغيني بريغوجين قائد شركة المرتزقة الروس التوقف والانسحاب.

رغم التساؤلات المتضاربة التي صاحبت العملية منذ البداية حول الدوافع والأهداف، فإن خطاب بوتين بعد استسلام فاغنر أجاب عن بعض النقاط الغامضة، فالتمرد كان حقيقيًا وليس تمثيلية، ويؤكد قرار تسريح المشاركين فيه وضم الباقين لقيادة الجيش بعقود جديدة وخروج بريغوجين من روسيا فشل الانقلاب.

ومع تبرير قائد فاغنر لانسحابه، وقوله إنه لم يكن ينوي الانقلاب على بوتين، وإنما “مسيرة من أجل العدالة” ضد انحراف القيادة العسكرية، فإن المعلومات المعلنة منه ومن الرئيس الروسي لا توضح سبب التوقف المفاجئ والقبول بالشروط المذلة بعد تصريحات أعطت انطباعًا بأنه مدعوم من قيادات عسكرية نافذة.

فاغنر واجهة روسيا:

عندما أنشأ الروس فاغنر كان الهدف هو الانتشار العسكري في دول العالم بشكل سري، وللتهرب من الإجراءات الروتينية والقوانين التي تقيّد حركة الجيش النظامي، وتم تسليح الجنود المرتزقة بأسلحة متطورة وطائرات مقاتلة، ووضعت الأقمار الصناعية وأجهزة المخابرات في خدمتهم.

لم يكن يفغيني بريغوجين رجل أعمال يدير “بيزنس” خاص به، وإنما موظف يقوم بالخدمة العسكرية لصالح الاستراتيجية الروسية، فكانت قواته هي الطليعة التي تسبق القوات الروسية لتمهيد الأرض والتوسع العسكري بعيدًا عن أعين الإعلام، فاحتلوا سوريا واستخدموا الطائرات في تدمير المدن وقتلوا المدنيين وهجروهم.

لقد انتشروا بشكل مؤثر في إفريقيا، فساندوا حفتر في شرق ليبيا، وشاركوا في حصار طرابلس العاصمة التي كادت أن تسقط لولا تدخل الأتراك، ثم استغلوا الغضب ضد فرنسا وتمرد مالي وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى، فقدموا أنفسهم مدربين وخبراء، وتوسطوا في صفقات لشراء السلاح الروسي، فزادوا من النفوذ الدولي لروسيا من دون تكلفة مالية وسياسية كبيرة.

لم يكن أحد في روسيا يتوقع هذه النهاية لفاغنر، فلم تظهر من قائدها أي إشارات سلبية، فهو صديق لبوتين، وهو خادم مطيع للعسكرية الروسية، كما أنه يعرف حدود قوته أمام الجيش الروسي، علاوة على أن نشاط الشركة في آسيا وإفريقيا بعيدًا عن الأراضي الروسية يجعله في معزل عن الاحتكاك المباشر بالقيادة العسكرية.

جاء التحول بعد معركة باخموت التي عجز الجيش الروسي عن احتلالها، فتم استدعاء فاغنر، وتم مدها بسجناء تم العفو عنهم مقابل القتال، أي الحرية مقابل المشاركة في الحرب لمدة 6 شهور، وراح في هذه المعركة أكثر من 20 ألف جندي روسي، وكانت معركة رمزية رفض الجيش الأوكراني الانسحاب منها حتى تم تدمير المدينة تمامًا.

كان واضحًا أن قائد فاغنر خرج من المعركة في حالة نفسية سيئة، متوترًا وغاضبًا وناقمًا على القيادة الروسية، فالسلاح الروسي لم يكن كافيًا لحسم المعركة التي استمرت 7 شهور، وجاء الانتصار المعلن بعد مسح المدينة وإزالة كل مبانيها بتضحية بشرية ضخمة، حتى أن بريغوجين كان يصور لقطات الفيديو وهو يسب وزير الدفاع ورئيس الأركان ويشتمهما، وحوله جثث القتلى الروس.

لماذا يستخدمون المرتزقة؟

كشفت الضربة التي وجهتها قوات فاغنر خطورة شركات المرتزقة التي ترعاها بعض الدول لتحقيق أطماعها التوسعية، والقيام بالعمليات القذرة في مناطق النزاع الخارجية، فهي تشبه الوحوش التي يتم تسمينها وترويضها دون الأخذ في الاعتبار أنها قد تنقلب وتفترس أصحابها.

المرتزقة مجموعات من المجرمين يمارسون القتل مقابل المال، ولاؤهم لمن يدفع أكثر، وليس لهم قضية أخلاقية يدافعون عنها، ولأنهم يوجدون في الصراعات ومناطق النزاع في الصفوف الأمامية ويتعرضون للقتل في أي لحظة فإنهم يعانون من القلق والأمراض النفسية التي تجعل سلوكياتهم عدوانية وبالغة الشراسة.

أصبحت ظاهرة المرتزقة مكونًا أساسيًا للانتشار العسكري لجيوش الدول التي لها أطماع توسعية، وهي ظاهرة قديمة ولكنها ازدادت في العقود الأخيرة، وبرزت بشكل واضح في حروب بوش مع بداية القرن الحالي في غزو أفغانستان والعراق، حيث اعتمدت وزارة الدفاع الأمريكية على المرتزقة.

يعوّض المرتزقة نقص القوات النظامية بسرعة إذ لا يحتاج إرسالهم إلى قرارات من الحكومة أو تصديق من البرلمان، كما أن الفظائع التي يقومون بها لا تخضع للعدالة والمحاكمات التي يخضع لها الجنود النظاميون، فهم كالأشباح لا يلتزمون بالقوانين الدولية الإنسانية ولا بالقيم والأخلاق.

حماية المرتزقة!

حتى الأمم المتحدة التي كانت تدين المرتزقة وترى أنهم قتلة مجرمون بدأت مع التحولات الجديدة تعطي حصانة للشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وتتعاقد معهم لحماية البعثات الأممية مما فتح الباب لتوسع هذه الشركات، وتنوع الخدمات التي تقدمها مقابل المال.

لقد فشلت المحاولات كلها لوضع ضوابط ومعايير للسيطرة على المرتزقة والشركات الأمنية، لأن الدول الكبرى المهيمنة على النظام الدولي هي التي ترعى هذه الميليشيات، وتستخدمها في احتلال الدول والأعمال السرية، لاستمرار الصراعات في بعض الدول، ولمنع الشعوب من تنصيب حكام مستقلين يحافظون على بلادهم.

تعد البلاد العربية أكثر منطقة عانت وما زالت تعاني من المرتزقة الذين يخدمون القوى الخارجية، وهدفهم استمرار التبعية ومنع الاستقرار، فقد ارتكبت هذه الميليشيات المذابح ضد المدنيين الأبرياء في العراق وسوريا واليمن وليبيا وأخيرًا في السودان، ويقف خلف المرتزقة سواء كانوا شركات أو قبائل أو صحوات دول كبرى تحميهم وتعطيهم حصانة من المحاكمة وتمنع إدانتهم.

ما فعلته فاغنر في روسيا يبدد الصورة الوردية لخصخصة الجيوش، ويفضح تقنين القتل والتوسع العسكري بلا حدود، فهذه الكيانات من المرتزقة ستشكل تهديدًا للدول التي توظفها في لحظات غير متوقعة، خاصة في عالم اليوم حيث تتبدل الحسابات في زمن الحروب، والتدخلات الخارجية وعدم احترام إرادة الشعوب.

المصدر : الجزيرة مباشر


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *