من أعظم الصلوات الخمس قدراً وشرفاً، وأجراً وفضلاً، صلاة الفجر، التي يبدأ المسلم بها يومه.
كُلنا نعلم قدر ومكانة فريضة الصلاة في حياة الإنسان المسلم؛ فهي عمود الدين وأساسه وشعاره، وأُسّه ودِثاره، وهي الصلة بين العبد الـمسكين وربه جل جلاله، والصلاة في دين الإسلام أُمّ العبادات، وأساس الطاعات، ونهر الحسنات، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة؛ فإن صلُحت نسأل الله من فضله صلُح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.
وهي من أعظم أسباب دخول الجنة بعد فضل الله ورحمته. وهي العبادة التي لا يقبل الله من عباده صرفاً ولا عدلاً إلا إذا أقاموها، وهي قرة عيون الـمؤمنين وراحة نفوس الـموحدين لـما صح عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «وجعلت قرة عيني في الصلاة». (رواه أحمد والنسائي)، ولـما صحَّ عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يقول: «أرحنا بها يا بلال». (أحمد وأبي داود).
ولا شك ولا ريب أن من أعظم الصلوات الخمس قدراً وشرفاً، وأجراً وفضلاً، صلاة الفجر، التي يبدأ المسلم بها يومه.
والتي أجمع أهل العلم السديد والعقل الرشيد أن الـمحافظة على أدائها مع جماعة المسلمين في بيوت الله في الأرض كفيل بإذن الله تعالى بتجديد الإيمان، وإحياء القلوب، وانشراح الصدور، ومضاعفة الأجور، وهي الصلاة الوحيدة التي ينفرد آذانها قبيل نهايته بعبارة الصلاة خير من النوم.
نعم، إنها صلاة الفجر التي انفردت عن غيرها من الصلوات بالعديد من الفضائل العظيمة، والـمنافع الكثيرة، والـمكاسب الجليلة، وفي هذه الخطبة سأستعرض معكم (بارك الله فيكم) عشر فضائل لأداء صلاة الفجر مع جماعة المسلمين في الـمساجد، ومنها:
• الفضيلة الأولى: أن صلاة الفجر في جماعة تعدل في فضلها قيام الليل؛ فقد صحَّ عند مسلمٍ عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله».
وروى مالك بسند صحيح أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) افتقد سليمان بن أبي حثْمة في صلاة الصبح؛ فمر على الشِّفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه. فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إليّ من أن أقوم ليلة. (موطأ مالك: 1/131، الترغيب والترهيب: 601).
• الفضيلة الثانية: أن صلاة الفجر في جماعة نورٌ لصاحبها يوم القيامة؛ فعن سهل بن سعد الساعدي (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «بشِر الـمشائين في الظُلمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» (ابن ماجه: 870، وابن خزيمة، الترغيب والترهيب: 603).
• الفضيلة الثالثة: أن صلاة الفجر مع جماعة المسلمين أمانٌ وحفظٌ من الله تعالى للعبد الذي يكون بعدها في ذمة الله تعالى وحفظه ورعايته؛ فعن سمرة بن جندب (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عيه وسلم) أنه قال: «من صلى الصُبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى» (ابن ماجه).
• الفضيلة الرابعة: أن المحافظة على صلاة الفجر في جماعة ضمان للجنة بإذن الله تعالى؛ فعن أبي موسى (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «من صلى البردين دخل الجنة» (البخاري: 574، مسلم: 635). والبردان كما قال أهل العلم: هما الصبح والعصر.
• الفضيلة الخامسة: أن صلاة الفجر مع الجماعة حجابٌ للعبد عن النار، فقد صحَّ عن أبي زهير عمارة بن رويبة (رضي الله عنه) أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» يعني الفجر والعصر (مسلم: 634).
• الفضيلة السادسة: أن صلاة الفجر مع الجماعة تعني حضور المُصلي للصلاة المشهودة التي تُسمى (قرآن الفجر) لقوله سبحانه: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].
والمعنى أن صلاة الفجر هي الصلاة التي يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار ويخبرون الله سبحانه بعدها عن حال عباده، ويؤكد ذلك حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قـال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون» (رواه البخاري).
• الفضيلة السابعة: أن الحرص على أداء صلاة الفجر مع الجماعة في المساجد براءةٌ بإذن الله تعالى من النفاق نعوذ بالله تعالى منه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): «أثقلُ الصلاة على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا» (رواه البخاري ومسلم).
وكان رسول الله إذا شكَّ في إيمان رجلٍ بحث عنه في صلاة الفجر، فإن لم يجده تأكد عنده الشك الذي في قلبه. فقد أخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي بن كعب قال: صلى النبي صلاة الصبح ثم قال: «أَشَهِدَ فلاناً الصلاة» ؟ قالوا: لا، قال: «ففلان»، فقالوا: لا، فقال: «إن هاتين الصلاتين –أي الصبح والعشاء– من أثقل الصلاة على الـمنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا». وروى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه قال: كنَّا إذا فقدنا الرجل في صلاة الفجر والعشاء أسأنا به الظن.
• الفضيلة الثامنة: أن من غاب عن صلاة الفجر عُرضةٌ لأن يُضرب عليه الكسل طول يومه، مع شعوره بضيقٍ في صدره، ويصبحُ خبيث النفس كسلان، وهو ما أخبر به الحديث الذي صحَّ عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلاَّ أصبح خبيث النفس كسلان» (رواه البخاري).
وقد قال بعض أهل العلم: إن الصلاة المذكورة هنا هي قيام الليل، ولا ريب أن صلاة الفجر تدخل في الحديث، ويؤيد هذا أنه قال: ((وإلاّ أصبح)).
• الفضيلة التاسعة: أن راتبة الفجر، وهي الركعتين القبليتين لصلاة الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها كما أخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعن عائشة (رضي الله عنها) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» (رواه مسلم). وَفي روايةٍ لِمُسْلِم: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً».
وجاء في بيان فضل هاتين الركعتين عن أبي أُمَامَةَ (رضي الله عنه) عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «مَن توضَّأ ثم أتى المسجدَ فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يُصلِّيَ الفجر، كُتِبت صلاتُه يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِب في وفد الرحمن» (رواه الطبراني).
فإذا كانت راتبة صلاة الفجر القبلية قد بلغت من الفضل ما جعلها مخصوصةً دون سائر الرواتب بالـمحافظة عليها حضرًا وسفرًا؛ فكيف بفضل الفريضة نفسها؟؟
• الفضيلة العاشرة: أن صلاة الفجر وصية النبي (صلى الله عليه وسلم)، والصحابة (رضوان الله عليهم) من بعده لأمة الإسلام؛ فعن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداء حين حضرته الوفاة قال: أحدّثكم حديثًا سمعته من رسول الله، سمعت رسول الله يقول: «من استطاع منكم أن يشهد الصلاتين: العشاء والصبح ولو حبوًا فليفعل» (رواه الطبراني في الكبير).
فيا عباد الله: أين نحن من هذه ا الفضائل العظيمة التي هيأها الله تعالى لعباده وجعلها ميداناً لتنافسهم ومسارعتهم للخيرات؟
• وأين نحن من المحافظة على صلاة الفجر مع جماعة المسلمين لنيل عظيم الأجر والثواب؟
• ولماذا نرى التقصير في شهود هذه الفريضة العظيمة في مساجدنا ولا حول ولا قوة إلاّ بالله؟
• وكيف يُعقل أن يُفرِّط من له عقلٌ رشيدٌ في هذه الأجور الكبيرة، وهذا الثواب الرباني العظيم الذي يدُل على كريم فضل الله وسعة رحمته ولُطفه بعباده؟
• ومتى نستشعر أهمية هذه الصلاة، ونُدركُ قيمتها، ونعلم أن تركَها أو التهاونَ في أدائها مع جماعة المسلمين سمةٌ من سمات الـمنافقين، وعلامةٌ من علامات الخاسرين، نسأل الله السلامة والعافية.
Source link