لماذا نغتاب؟ – طريق الإسلام

لو أنَّ المسلمينَ الْتَزَمُوا ما أَمَرَهم به ربُّهم به منَ التَّواصِي والتَّناصُح، لما انتشرتِ الغِيبة بينهم بِهَذه الصورة المؤذِية؛ ولكنَّهم اسْتبدلوا بِهَذا الأمر الإلهي الغَمْزَ، واللَّمْزَ، والسُّخْرية، والاسْتِهزاء، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.

إنَّ المتأمِّل في واقِع المسلمينَ اليوم، يجد كم أصبحتِ الغِيبَة مُنْتَشِرة، وَبِشَكْلٍ كبيرٍ بينهم وللأسف، إلاَّ مَن رَحِم ربِّي، وما هذا إلاَّ لِضَعْف التَّقوى، وقِلَّة الخَشْية مِنَ الله – عَزَّ وجَلَّ – وغياب جَوانِبِ الرَّحمة والمَحَبَّة بين المسلمينَ، مع أنَّ الأصل في الجَمَاعة المُسْلِمة: أن يسودَ بين أفرادها الحُبُّ، والتَّعاوُن، والتَّراحُم، والوحدة؛ قال – عليه وعلى آله الصلاة والسلام -: «مَن ذَبَّ عَن عِرض أَخِيه الغِيبة، كان حقًّا على الله أن يُعتِقَه منَ النار»؛ (صحيح، الألباني، “صحيح الجامع”: (6240).

ولو أنَّ المسلمينَ الْتَزَمُوا ما أَمَرَهم به ربُّهم به منَ التَّواصِي والتَّناصُح، لما انتشرتِ الغِيبة بينهم بِهَذه الصورة المؤذِية؛ ولكنَّهم اسْتبدلوا بِهَذا الأمر الإلهي الغَمْزَ، واللَّمْزَ، والسُّخْرية، والاسْتِهزاء، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.

فهل يستطيع المسلمونَ – وهم على هذه الشَّاكِلة – أن تَتَّحدَ قلوبُهم، وأن يَتَكاتَفُوا، وَيَتَآزَرُوا، وَيَتَواصَوا بالصَّبْر، على حمل العِبْءِ الثَّقيل في نَشْر هذا الدِّين بين الناس أجمعين؟ قال – تعالى -:

{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 17].

يقول سيد قطب – رحِمَه الله -:

“والصَّبْر هو العنصر الضَّروري للإيمان، والتَّواصِي به يُقرر درجة وراء درجة الصَّبْر ذاته؛ درجة تماسُك الجماعة المؤمنة، وتعاونها على تكالِيف الإيمان، فهي أعضاء متجاوِبة الحِسّ، تشعر جميعًا شعورًا واحدًا بِمَشَقَّة الجِهاد لِتَحْقيق الإيمان في الأرض، وحمْل تَكَاليفه، فيوصِي بَعضها بعضًا بالصَّبْر على العِبْء المُشْترك، ويثبت بعضها بَعْضًا فلا تَتَخاذَل، ويُقَوِّي بعضها بعضًا فلا تَنْهَزِم، وهذا أَمْر غير الصَّبْر الفَرْدي، وإن يَكُن قائِمًا على الصَّبْر الفَرْدي، وهو إيحاءٌ بِوَاجِب المُؤْمِن في الجَمَاعة المؤمنة، وهو ألاَّ يكونَ عنصر تخذيل، بل عنصر تَثْبيت، ولا يكون داعية هزِيمة؛ بل داعية اقتِحام، ولا يكون مثار جَزَع بل مهبط طمأنينة، وكذلك التَّواصِي بالمَرْحَمة، فهوَ أمْرٌ زائدٌ على المرحمة، إنه إشاعَة الشُّعور بِوَاجِب التَّراحُم في صُفُوف الجَمَاعة عَنْ طريق التَّواصِي به، والتَّحاضِّ عليه، واتِّخاذه واجبًا جَماعيًّا فَرْدِيًّا في الوقت ذاتِه، يتعارف عليه الجميعُ، ويتعاون عليه الجميعُ”.

فمعنى الجماعة قائمٌ في هذا التَّوجيه، وهو المعنى الذي يُبْرِزه القرآن، كما تُبْرِزه أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأهميته في تحقيقِ حقيقة هذا الدِّين، فهو دينُ جماعة، ومنهج أمَّة، مع وضوح التَّبِعة الفرديَّة، والحِساب الفردي فيه وضوحًا كاملاً.

إنَّ المسلم إذا تَرَبَّى في أُسْرَته على التَّقوى، وعلى خَشْية الله – تعالى – ومُرَاقبة أفعاله وأقواله، وأنه محاسَب عليها، لَضَبَط لِسَانه، وصَانَه عَنِ الغِيبة، وإن عاشَ في جَوٍّ منَ الرَّحْمَة، والودِّ، والتَّعاطُف، والتَّعاوُن – لَخَرجَ وقلبه سَلِيمًا للناس؛ لأنَّه ذَاقَ طَعْمَ الحُبِّ والرَّحْمة، وإن عُوِّدَ على فِعْل الخَير، وصِلَة الرَّحِم، ومساعدة الآخرين ونُصْحهم، لاسْتَشْعَر أُخُوَّتَه مع المسلمين، وأَحَبَّ نُصْحَهم؛ ولكن منَ الواضِح أنَّ هناكَ تقصيرًا كبيرًا في التَّربية والتَّنْشِئة، في كثيرٍ منَ الأسر المسلمة، والله المستعان.

ومع هذا فلا بدَّ مِن مُجاهَدة النَّفس، وحِفْظ اللِّسان عنِ الغِيبة، والاستغفار منَ الذُّنوب والمعاصِي، فلَعَلَّ الله أن يُؤَلِّف بين قلوبنا، ويُوَحِّدَ كَلِمتنا.

اللهُمَّ ثَبِّتْنا على نَهْج الاستقامة، وأَعِذْنا في الدُّنيا مِن مُوجبات النَّدامة يوم القيامة، اللهم آمين.

والحمد لله ربِّ العالمين.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

تفسير: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم..)

تفسير: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) [الأحزاب (48)] …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *