ماذا لو عملنا بأساليب التَّشجيع والتَّحفيز وبثِّ روح التفاؤل والإيجابية في كلِّ من نتعامَلُ معه، ونلقاهُ في حياتنا اليومية؟ دعْنا نجرِّبُ ونرى النتائج الباهرة، ونلتقي لنرتقي إن شاء الله تعالى.التش
كانَ ولدي عبد الله المُحمدي يسمِّعُ القرآن الكريم لمدرِّسه عن بُعد، وكنتُ أستمعُ إلى تلاوته، وهو يرتِّل بصوت نديٍّ ولله الحمد، وبعد التنبيهات والتصحيحات، قال له الشيخ – وهو إمام أحد المساجد بمملكة البحرين -: جهِّز الغُترة والعُقال يا عبدالله، ستُصلِّى التراويح بالنَّاس في هذه السنة إن شاء الله.
هذه اللفتة التحفيزية كان لها وقع عجيب في نفس عبدالله، بل في نفسي كذلك، فكلَّما أرجعُ إلى البيت، وأوَّل ما يسلِّم عليَّ عبدالله أقول له: جهِّز الغُترة والعقال، موعدُنا شهر رمضان إن شاء الله.
الشاهد أنَّ الكلمة الطيِّبة صَدَقةٌ، أصلُها ثابت وفرعُها في السماء، وهي تَبني الأجيَال، وتُحفِّز النفوس، وتقوِّي العزائم، وتشدُّ الهمم، وتثيرُ الحماس، وتصنعُ الأمل، وربَّما تكونُ مصدر إلهام لأحدهم في الحياة، قال الإمام الذهبي: إن الحافظ القاسم بن محمد البرزالي رحمه الله هو الذي حبَّب إليَّ طلبَ الحديث، فإنّه رأى خَطي فقَال: خَطُّكَ يُشبهُ خَطَّ المُحَدثين، فأثَّر قولُه فِيَّ، وسمعتُ منه، وتخرَّجتُ به في أشياء.
والكلمةُ السيئةُ أو الجَارحة تدمِّرُ الطاقات وتَقتلُ الطموح، وتكسرُ العزائم وتضيِّع الفُرص، ولا تمحو آثارها السلبية بسرعة، وقد تكون أكثر إيلامًا للنفس من وقع الحسام المهنَّد، فها هو ذا العلامة الشيخ سليم البخاري رحمه الله – على جلالة قدره وكثرة علمه، وقوَّة قلمه وشدَّة بيانه – ماتَ وماله مُصنَّف رسالة فما فوقها، والسببُ أنَّه صنَّفَ في بداية عهده بالطلب رسالة صغيرة في المنطق، وعرضها على شيخه فسخِر وأنَّبهُ، (فكر ومباحث، علي الطنطاوي: 129).
التحفيزُ وصفة معنوية يحتاجها الجميعُ في عصرنا الراهن، والبيئة المحفِّزَةُ مكانٌ مناسبٌ وآمن للعطاء والإنجاز، والطموح والإبداع، فلننتبه إلى كلماتنا ومُفردَاتِنا في تعامُلنا مع الآخرين، فرُبَّ كلمةٍ لطيفةٍ لا نُلقي لها بالًا ولا نقيم لها وزنًا، لكنَّها تنبتُ ورودًا فوَّاحةً وعناقيدَ يانعةً، وتفتح نافذة الأمل، وتُنيرُ الدَّرب لغيرك.
وبالعكس، فإن الكلمات القاسية مثل أشعة أكس وهي أشدُّ من الحجر، وأحرُّ من الجمر، ورُبَّ كلمة تُحدث جُرحًا عميقًا، وتُحوِّل حياة السامع إلى جحيم وبُركانٍ ثائر، خاصَّة إذا كانَ مُرهفَ الإحساس رقيقَ الشعور يتأثر بسُرعةٍ.
إن اختيار أحسن الألفاظ، وانتقاء الكلمات الجميلة عند مخالطة الناس، وصدق المشاعر، وتحفيز الآخرين، وإشعارهم بأهميتهم، وذكر صفات الخير فيهم، وتشجيعهم على العطاء، وبث رُوح الحماس فيهم، أجملُ هدية نقدِّمها لغيرنا، وهو كنزٌ عظيم وجوهرٌ نادر يهبُه الله لمن يشاء من عباده.
بالتَحِيَةْ وَالسَلَامْ
انْشُرُوْا أحْلَى الْكَلَامْ
زيّنُوْا الدِّنْيَا احتِرَامْ
بالمَحَبَّةْ وَابْتِسَامْ
انْشُرُوْا بَيْنِ الأنَامْ
هَذَا هُو ديْنُ السَّلَامْ.
التحفيز عامل مهم لنشر الارتياح والسعادة في البيت، ولزرع النجاح والطموح في بيئة المدرسة، وبثِّ روح التعاون والأمان في بيئة العمل، وتستطيعُ بتوفيق الله تعالى أن تحقِّق الآمال الصعبة، وتفتح الأبواب المغلقة، وتبعث النشاط في الآخرين، وتحسِّن من قدراتهم الذاتية، وتحقِّق أعلى درجات الأداء منهم، بأسلوب التحفيز الذي يمكنُ أن يكونَ بعبارة جميلةٍ، أو كلمة شكر موفِّقة، أو تقديم هدية مناسبة، أو رحلة ترفيهية وغير ذلك، لكنَّ الأفضل فيه تنوُّع الطرقِ والأساليبِ بتنوُّع المجالات والحالات.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحفِّز أصحابه وينوِّع في أساليب التشويق والإثارة، فعندما سأله أبو هريرة رضي الله عنه: مَن أسعَدُ الناسِ بشَفاعتِك يومَ القيامةِ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لقد ظنَنتُ – يا أباهُرَيرَةَ – ألا يَسأَلني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّل منك، لِما رأيتُ من حِرصِك على الحديثِ، أسعدُ الناسِ بشفاعَتي يومَ القيامةِ، مَن قال: لا إله إلا اللهُ، خالصًا من قلبِه، أو نفسه»؛ (صحيح البخاري: 99).
شمعة أخيرة:
ماذا لو عملنا بأساليب التَّشجيع والتَّحفيز وبثِّ روح التفاؤل والإيجابية في كلِّ من نتعامَلُ معه، ونلقاهُ في حياتنا اليومية؟ دعْنا نجرِّبُ ونرى النتائج الباهرة، ونلتقي لنرتقي إن شاء الله تعالى.
_______________________________________________
الكاتب: د. سعد الله المحمدي
Source link