وجد المهتمون بالإنثروبولوجيا “علم الإنسان” عدة علامات تدل على وجود الباسكيين في منطقة شمال إسبانيا وغرب فرنسا قبل قرن من الميلاد، إذ ترجح فرضياتهم أنهم أول من سكن الغرب الأوروبي، وأحد الأدلة على ذلك أن اللغة الباسكية لا تنتمي للغات الهندية الأوروبية، وذلك ما يجعل الباسكيين يشعرون بالاعتزاز ويرفضون أن يضعوا في قالب واحد مع الإسبان.
هناك أقل من 3 ملايين باسكي حول العالم، مليونين ونصف منهم في الباسك الإسباني، و300 ألفاً في الجزء الباسكي الفرنسي، و58 ألفاً في أميركاً و8 آلاف في كندا.
تعاظم شعور القومية الباسكية مع مرور الأعوام، حتى بدأت حركات الانفصال تظهر على السطح بدءاً من 1839م ودخلت في مواجهات مباشرة مع الحكومة الإسبانية، وأبرزها منظمة “إيتا” الانفصالية والتي كان ضحيتها الأولى رئيس الوزراء لويس كاريرو بلانكو، خليفة الجنرال فرانكو والذي قتلته المنظمة عام 1973م بتفجير، ومن أبرز ما فعلت مقتل 21 شخصاً في تفجير 1987م ببرشلونة.
النزعة القومية الباسكية دخلت عالم كرة القدم في 1912م، حينها كان لدى أتلتيك بلباو لاعبان إنجليزيان، لكن قرر المسؤولون عن النادي أن لا يرتدي قمصانه سوى شخص ولد في إقليم الباسك أو تدرج في فئات نادِ باسكي السنية، علماً بأن هذا القانون غير مكتوب صراحة، بل تم تغليفه بكلمة “مع المواهب المحلية لا حاجة لاستقطاب أجانب”.
في فرنسا هناك 300 ألف باسكي، أغلبهم يلعبون الرغبي، لكن في عام 1996 بات المونديالي بيسنتي ليزارازو في 1996م أول باسكي فرنسي يرتدي قمصان أتلتيك بلباو، ومع وضع القدرات الفنية جانباً، فإن أصوله الباسكية كانت أحد أسباب انضمامه إلى النادي.
قبل عامين من ارتداء ليزارازو القميص الأحمر والأبيض، ولد إيمريك لابورت في الجنوب الفرنسي وتحديداً في أغين، والدته كانت تضغط عليه ليكون لاعب رغبي، ووالده كان يوجهه نحو كرة القدم وبين هذه وهذا اختار الانضمام إلى النادي المحلي الذي يحمل اسم المدينة الصغيرة وبعمر 16 عاماً انتقل إلى بايونيي الباسكي لمدة عام قبل أن ينتقل إلى أتلتيك بلباو بعدها بسنة واحدة وهنا اصطدم بالواقع الباسكي.
كان الفتى الخجول كما يصفه مدربوه من أفضل لاعبي المراحل العمرية في النادي العريق، ظهوره الأول في 2010 أصبح قضية مليونين ونصف المليون باسكي يعيشون في الأقليم الشمالي.
ثار الباسكيون ضد لابورت وإدارة النادي بحجة أن الأول ليس باسكياً وبالتالي فإن أتلتيك بلباو لم يتلزم بـ”القانون غير المكتوب” والذي يقارب عمره المائة عام، فكيف يرتدي أجنبي قميص كبير الباسك؟ بل حتى أنه لا يتحدث اللغة الباسكية.
رد لابورت على تلك الاتهامات بعدما ضاق ذرعاً بما يدور حوله قائلاً: أجداد والدي ووالدتي باسكيون، بالتالي لدي عروق باسكية، كما أنني تكونت في نادِ باسكي بالجانب الفرنسي.
منحه الخبير مارسيلو بيلسا ظهوره الأول مع فريق الكبار في 2012م، وأصبح لاعب إرنيستو فالفيردي الأول في الدفاع بعدما تولى تدريب أتلتيك بلباو، ولهذا كان يربطه النادي بشرط جزائي فاق 50 مليون يورو في كل مرة جدد فيها لابورت عقده، قبل أن يكسر مانشستر سيتي آخر عقوده مع بلباو شتاء 2018 في أكبر صفقة يبرمها في تاريخه حينها (57 مليون جنيه إسترليني).
مع غوارديولا كان إيمريك خياراً أولاً في خط الدفاع حتى أواخر 2020 عندما ارتكب بعض الهفوات أمام توتنهام ليخطف جون ستونز الخانة ويشكل ثنائياً قوياً مع البرتغالي روبن دياز.
مع سيتي فاز لابورت بـ14 بطولة، لكنه واجه في الموسم الماضي خيبات على المستوى الشخصي بعدما بات يلعب قرابة نصف عدد المباريات الذي لعبه الموسم الذي سبقه، إذ لعب موسم 2021-2022، 44 مباراة في جميع البطولات تقلصت إلى 24 في الموسم الماضي.
دولياً لا يختلف الحال بالنسبة لإيميريك، كان قائد المنتخبات السنية الفرنسية التي لعب لها، وعندما بات لاعباً أساسياً في أتلتيك بلباو لمدة تجاوزت عامين بدأ يفكر باختيار اللعب لمنتخب “لا فوريا روخا” إذا لم يتم اختياره لقائمة المنتخب المشارك في “يورو 2016”.
تجاوزته اختيارات المدرب الفرنسي ديديه ديشان، وهنا بدأ لابورت إجراءات اللعب لمنتخب إسبانيا وقدم طلباً للحصول على الجنسية، لكنه مجدداً تراجع عن ذلك بعدما تم ضمه إلى قائمة “الديوك” في تصفيات كأس العالم أمام بلغاريا وهولندا بيد أن الإصابة حالت دون لعبه مع منتخب بلده الأصل.
قرر لابورت بعد ذلك التقديم على الجنسية الإسبانية واللعب دولياً مع فرنسا، وانضم إلى قائمة المنتخب الأزرق في مباراتي ألبانيا وأندورا في تصفيات يورو 2020، وحرمته الإصابة من التواجد هناك.
وفي مايو 2021 حصل على الجنسية الإسبانية وظهر كلاعب دولي إسباني للمرة الأولى في يونيو من ذات العام عندما تعادلت إسبانيا مع البرتغال ودياً بلا أهداف، قبل أن يحتفل في الصيف الجاري بتحقيق أول بطولة دولية في مسيرته مع إسبانيا وهي دوري الأمم الأوروبية.
Source link