لا شك أن غالب من تخرصوا وولغوا في آيتي الإسراء والمعراج قدحا وتشكيكا وتبخيسا، انطلقوا من قواعد ترابية نشأت وتربت أركان سيالتها الذهنية على صيد حاستي السمع والإبصار في بيئة المرئي المحسوس
#التحدي الثالث#
ولما كانت دندنة الإتقان لدى جنابكم الموقر في مجال تخصصكم، وجب اقتحام باب الرهان والمدافعة في عقر عقر قصعة تخصصكم ودربة انشغالكم على مرِّ عقود من الزمن ليست بالقصيرة الدندنة أمرا ونهيا وتحذيرا…
فهل كان من المعقول المقبول أن توجد ثلاجة من صنع الابتكار البشري يكون بإمكانها وفي مقدور درجة حرارتها أن تحفظ من التلف طعاما وشرابا قد لبث مائة عام في العراء ثم لم يتسنّه، فلا طعمه تغيّر، ولا لونه استحال، ولا ريحه تبدل، ولا طراوته ذهبت، سبحانك ربي إن هذا لشيء عجاب !!!
إن هذا الرهان ليحيل على وهن الإنسان حيث عالم الشهادة بين المنظور والمحسوس، وحيث التراب يعبث بالتراب، وحيث خلق الإنسان ضعيفا، فلا يكاد ولا يقدر أن يتلبس بدعوى القدرة وزعم الإمكان في هذا الخصوص والمقام.
أما في عالم الغيب فثمة قوي قادر جبار كل ذلك عليه هيّن، وقد خاطب جل جلاله في مقام الاعتبار سيدنا عُزير عليه السلام بعد أن أماته مائة عام ثم بعثه:”فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه…”
فهل يملك المكلف أمام هذا السياق القصصي المعجز المبهر غير أن يسلم ويصدق، أو أن ينكر في جحود، محيلا هذا الكل المقدس متهما ضربه بالخرافة والخزعبلة تعالى كلام ربنا عن هذا الخرص علوا كبيرا.
#التحدي الرابع
لا شك أن غالب من تخرصوا وولغوا في آيتي الإسراء والمعراج قدحا وتشكيكا وتبخيسا، انطلقوا من قواعد ترابية نشأت وتربت أركان سيالتها الذهنية على صيد حاستي السمع والإبصار في بيئة المرئي المحسوس، وتلك منطقة العقل حيث زاده التراكمي وحيث حركة ذهنه بين الإنتاج والتنفيذ والسطوة، بل الكثير من الذين رموا هاتين الآيتين بالخرافة والخزعبلة لربما، وإنّما الأكيد ـ عند التماس العذر لهم من باب التفضل وإحسان الظن بالسرائرـ قد توهموا رابطين رحلتي الإسراء والمعراج بكونهما من الجهد الخالص لمحمد عليه الصلاة والسلام، ومن محض قدرته البشرية وإمكانياته الآدمية المادية المحدودة، ذلك أننا خارج هذا العذر لا نملك إلا أن نضعهم في مواجهة مع الله حيث الاتهام بعجزه سبحانه وتعالى، ورميه بعدم قدرته جل في علاه على أن يسري ويعرج بعبده في لحظة من الزمن لم تتغيّر فيها درجة حرارة فراش سيد المرسلين تعالى ربنا عن ذلك العجز علوا كبيرا.
إنها لحظة وحقيقة يقينية لا ولم ولن يستوعبها العقل الترابي أو يقبل بها ويتقبلها في انفكاك عن منزلة التسليم ومدرج التصديق، وهو الذي تربى ذوقا على الثواني والساعات الدنيوية، كما تربى على يمتطي مركوبًا ليس في مقدور عجلته أو أجنحته، ولا في مقدور صانعيه تجاوز معهود المشي والسعي والهرولة في مناكب الأرض، والطيران والنفوذ في أقطار سماء الدنيا بمقاييس علمية مادية معقولة الجهد والتصوّر…
هذا وقد تحدى الله الأولين والآخرين من الناس أجمعين فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ﴾ [ الحج: 73
ولم يكن طبعا هذا الطالب غير الإنسان بين معقوفتي العقل وجارحة الجسد، بينما كان المطلوب هو مسلوب ما تلصّصه الذباب ذلك المخلوق الواهن الضعيف.
فهل بعد هذا العجز قوة أرضية تملك أن ترمي قدرة من إذا أراد الشيء فإنما يقول له كن، فيكون، بالعجز وعدم الاستطاعة.
سبحانه سبحانه ما قدرناه حق قدره…
#التحدي الخامس
لا يستطيع المطلع، بل حتى غير المطلع ممن تناهى إلى سمعه إجمالات أخبار تاريخ الأمة الإسلامية حد الإشباع، وذلك منذ الاستهلال الأول إلى يوم الناس هذا، قلت لا يستطيع الاثنان إنكار وجود ومرور تجربة شخصية العالم المسلم الموسوعي الذي جمع الله له علوما شتى في ميادين مختلفة استوعبت الشرعي والكوني.
وهذه حقيقة لا يجب أن تحجب أخرى مفادها أن هذه الظاهرة المعرفية العلمية شكّلت “الاستثناء” في مراحل ومحطات من تاريخ الأمة معلومة القرائن، ولم ولن تكون في يوم من الأيام أصلا واجب الوقوع، وإنّما الاختلاف هاهنا منشؤه في تباين رؤية الانطلاق، فذلك الذي جعل البعض يتوهم في الاستثناء الأصل، فمن كان دأبه أن ينطلق من مركزية الدنيا وثانوية الآخرة، ومن مركزية الإنسان لا مركزية المسلم المؤمن، لابد أن يفقد البوصلة، ويضيع الاتجاه العام والخاص في مهمة ترتيب الأولويات، ومهمة التقديم والتأخير أو الإلغاء بين أولوية ابتغاء الدار الآخرة، وثانوية عدم نسيان نصيب الدنيا.
ولعل من تتبع غرز الآيات وموارد الأحاديث وقف على أن الدنيا التي يتنافسها الناس لم ترد إلا في سياق الذم والتبكيت، كما أن الإنسان المجرد عن صفات الإسلام والإيمان والإحسان والإنابة والإخبات والصدق والصبر والمصابرة، والرباط والمرابطة و…لم يتناوله القرآن أو السنة إلا في مدارك الدونية والأنعامية والعجولية والكنودية والجهولية والظلومية وهلم جرا من الأوصاف التي لا وزن لها ولا اعتبار، وقد أتت متجردة منسلخة عن ما يحبه الله ويرضاه، وإنّما تألى السيد الدكتور الفايد على الله جلّ جلاله فأدخل “طوماس أديسون” الجنة من أيّها أبوابها الثمانية من جهة معطى تقديم معيارية جنس الإنسان أوّلا لا نوعه، وعطفا من منطلق مركزية الدنيا على حساب الآخرة تحت طائلة العمران المادي المبهر “اختراعه للمصباح الضوئي”.
هذا وإنه ليس من لازم أن تكون عالما شرطية جمعك للعلم الكوني والشرعي، فذلك فضل لا واجب، بل المعتبر في العالمية كما دلت النصوص يبقى هو الوصف بالربانية وهي منزلة دعا لها الله وأمر بها ورغّب فيها أمرا وتحضيضا مصداقا لقوله تعالى:”ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون” والربانية نسبة إلى الرب لا ينالها طالبها إلا بالعلم المنشئ لأثره من الخشية والإنابة والتصديق والتسليم طبقا لقاعدة الصحابي الجليل أبي بكر الصديق في تعاطيه مع حادثة الإسراء والمعراج “إن كان قالها فقد صدق”
لقد أشرت آنفا إلى أن مشكلة الفايد وغيره من الحداثيين هو التأصيل لأمور طبيعتها الشرعية توقيفية التعاطي والتناول، فليس النص ولم يكن كلأ مباحا لكل راتع مائع، فتلك فوضى، وذلك تطاول يوطئ له كل مغرور بكلام ومزايدة وعنترية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، يُشم منها ريح الاستكبار وإعجاب المرء بنفسه، وتلك آفة القراءة الحداثية المتجاسرة على الدين وعلماء الدين ونصوص الدين، وقد ظهر مردُّ هذا جليّا من خلال ثناء الدكتور الفايد على الضال المضل المهندس “محمد شحرور”، وبه يكون قد بطل العجب إذ بان وظهر السبب.
فإلى الله ننقل نجوى المشتكى، وقنوت الشكوى…آمين
#التحدي السادس
الغضب مغلق للفكر، حامل على البغي ومجانبة العدل، وأغرب ما في الخصومات أن من خاصم محاميا، ظالما هو كان أو مظلوما لطالما كان من لازم هذه الخصومة مجافاة مهنة المحاماة وألفاظ مرافعاتها وبدلتها السوداء ورموزها وناسها أجمعين، وهذا مثال تنسحب قاعدته لتستوعب جل الخصومات، ولعل من تأمل حال الدكتور “الفايد” وقف على أن سبب هذه الحيدة، وهذا الانقلاب منشؤهما ما دأب الدكتور أن يعرج في أغلب خرجاته على نبزه بصاحب القفطان وصاحب اللحية، وهذا إلف معهود في دنيا الناس فمن كانت له خصومة مع ملتزم مافتئ لاعنا نابزا مجافيا في جسارة متداعيا على قصعة الدين والوحي وما ارتبط بهما ومت لهما بصلة من بعيد أو قريب.
ولذلك، ومنه، وعليه طفق الدكتور مناديا داعيا إلى تنحية وتخلية محاريب الإمامة الراتبة ومنابر الخطابة وكراسي الوعظ والإرشاد من جنس هؤلاء الفضلاء الأكارم ونوعهم، ناصحا في تحضيض أخرق، واستعداء أحمق بواجب استبدالهم بالمهندسين، والأساتذة الجامعيين، والأطباء، ولربما منعته باقية الحياء من العطف عن هؤلاء بمعشر المغنيين والممثلين والفكاهيين والمخرجين…
وهذه آفة الغضب متى ما تعضد باستحسان المرء لنفسه، ورضاه واستغنائه بالشواهد العلمية، في قارونية طافحة، تبطر الحق وتغمط الناس حقوقهم، وذلك الكبر وذلك الكبر يا عائشة.
لقد نسي الدكتور فجأة تحت غلبة الهوى، وسطوة الانتصار لنفسه وطلب الشرف لدنياه، أن الكثير من خطباء منابر الجمعة، وجلساء الكراسي العلمية والوعظية بمساجد المملكة هم في الأصل مهندسون، وأطباء، وأساتذة جامعيون، وتقاة جمع الله للكثير منهم التفوّق في مسار الدرس العلمي الشرعي، وقبله مسار الطلب العلمي الكوني، بل يوجد منهم من حباه الله متكلما فصيحا بألسن عدة تنعت اليوم باللغات الحية…
ثم ألم يكن حريا به النظر إلى حاله هو لا غيره، واجترار أطوار سيرته حتى العهد القريب يوم كان استدلاله على الكوني بالشرعي، واعتزازه بمحفوظ القرآن، ومستظهر الحديث، ومأثور السلف الصالح، وتلك دندنته المعهودة فكيف استبدل فجأة الذي هو أدنى بالذي هو خير؟؟!
إنني وأنا أتابع متلو خرجات السيد الدكتور أجد نفسي فازعا في اضطرار إلى ترديد وصية سيد الخلق إلى ذلك الصحابي الذي جاءه مستنصحا، وذلك قوله له وللأمة من بعده في نهي وتحضيض ملؤه الحرص: لا تغضب. لا تغضب. لا تغضب.
ومن وقف بعين التجربة ولسان الذوق عاين مآسي الغضب، وذاق مرارة مآلاته المهلكة، سيما إذا أخذت الغاضب عزة بالإثم، فإنك لا تملك إلا أن تقول لآله: “اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاء ما يكلمهم…”
محمد بوقنطار
محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97
الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.
Source link