قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرحمَ شجنةٌ من الرحمنِ، فقال الله تعالى: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته».
1- صلة الأرحام من أحب وأفضل الأعمال عند الرحمن:
فقد أخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه، فقلت: أنت الذي تزعُمُ أنك رسول الله؟ قال: «نعم»، قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: «الإيمانُ بالله»، قال: قلت: يا رسول الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: «ثُمَّ صلةُ الرَّحِمِ»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: ث «م الأمْرُ بالمعروف، والنَّهيُ عن المنكر»، قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغَضُ إلى الله؟ قال: «الإشراكُ بالله»، قال: قلت: يا رسولَ الله! ثم مَهْ؟ قال: «ثم قطيعة الرحم»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مَهْ؟ قال: «ثم الأمر بالمُنْكَرِ والنُّهْيُ عَنِ المَعْرُوفِ»؛ (صحيح الجامع: 166) (صحيح الترغيب والترهيب: 2522).
وأخرج الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال؟ فقال: «يا عقبة، صِلْ من قطعَكَ، وأَعْطِ من حَرَمَكَ، وأعرض عمَّن ظلمَكَ».
2- صلة الأرحام شعار أهل الإيمان:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليصل رحمه، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ ليصمت».
3- من وصل رحمه؛ وصله الله تعالى:
فمن أراد أن يصله الله تعالى فليصل رحمه:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ [1] – وفي رواية: حتى إذا فرغ من خلقه – قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ[2] مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ، وفي رواية: فهو لكِ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ [3] إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا [4] فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ[5]وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}؛ [محمد: 22، 23].
قال ابن جريج رحمه الله في هذه الآية: أي هل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرحمَ شجنةٌ من الرحمنِ، فقال الله تعالى: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته».
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ».
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله عز وجل: «أنا الله، وأنا الرَّحمنُ، خلَقْتُ الرَّحِمَ وشقَقْتُ[6]لها اسمًا مِن اسمي، فمَن وصَلها وصَلْتُه، ومَن قطَعها قطعته، أو قال: بَتَتُّه[7]»؛ (صحيح الجامع: 4314) (الصحيحة: 5200) (صحيح أبي داود: 1486).
وأخرج الإمام أحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرحمَ شجنةٌ[8] من الرحمنِ [9] تقولُ: يا ربِّ إني قُطِعت، يا ربِّ إني أُسِيءَ إليَّ، يا ربِّ إني ظُلِمت يا ربِّ، يا ربِّ، فيجيبُها ألا ترضينَ أن أصِلَ مَن وصلك، وأقطعَ مَن قطعَك»؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 2530).
وعند الإمام أحمد أيضًا والحاكم والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرحمَ شُجنةٌ من الرحمنِ، تقولُ: يا ربِّ إني ظُلِمتُ، يا ربِّ إني قُطِعت، يا ربِّ إني… إني..، فيجيبُها: ألا ترضينَ أن أقطعَ مَن قطعَك وأصِلَ مَن وصلك»؛ (حسنه الألباني في تخريج أحاديث السنة: 5384).
وأخرج البزار بسند حسن من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرَّحِمُ حَجَنَةٌ[10] مُتَمَسَّكةٌ بالعَرْشِ تَكلَّمُ بلسانٍ ذُلَقٍ[11]اللَّهمَّ صِلْ من وصلني، واقطَعْ من قطعني، فيقولُ اللهُ تبارك وتعالَى: أنا الرَّحمنُ الرَّحيمُ وإنِّي شققتُ للرَّحِمِ من اسمي، فمن وصَلها وصلتُه، ومن بَتَكَهَا[12] بَتَكْتُهُ».
– وفي رواية: من نكثها[13]نكثته.
4- صلة الأرحام سببٌ لزيادة العمر، وسعة الرزق:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؛ (صحيح الجامع: 5956).
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أحب أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ[14]، ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ[15] فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
وأخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّموا من أنسابِكم ما تَصِلُونَ به أرحامَكم؛ فإن صلةَ الرحِمِ مَحَبَّةٌ في الأهلِ، مَثْرَاةٌ في المالِ[16]، مَنْسَأَةٌ في الأَثَرِ[17]»؛ (صحيح الجامع: 2965) (الصحيحة: 276).
وأخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صِلةُ القرابةِ مَثراةٌ في المال، مَحبَّة في الأَهلِ، مَنسأةٌ في الأجلِ»؛ (صحيح الجامع: 3768) (الصحيحة: 276).
وأخرج القضاعي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمْرِ، وصَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ»؛ (صحيح الجامع: 3766) (الصحيحة: 1908).
وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «…. وإنَّ أَعجلَ البرِّ ثوابًا – وفي رواية: وإن أعجل الطاعةِ ثوابًا لصلَةُ الرَّحِمِ، حتى إنَّ أهلَ البيتِ ليكونوا فجَرةً، فتنمو أموالُهم، ويكثُرُ عددُهم، إذا تواصَلوا»؛ (صحيح الجامع: 5705) (صحيح الترغيب والترهيب: 2537).
فهؤلاء الفجار تنمو أموالهم، ويكثر عددهم إذا تواصلوا، فكيف لو كانوا من أهل الإيمان؟!
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ وَوَصَلَ رَحِمَهُ نُسِئَ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَثَرِيَ مَالُهُ وَأَحَبَّهُ أَهْلُهُ»؛ (الصحيحة: 276).
قال محمد بن على بن الحسين رحمه الله: إن أهل البيت ليتبارون[18]، فينمي الله عز وجل أموالهم؛ (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا).
وقال الطِّيبيُّ رحمه الله: إن الله يُبقي أثَر واصل الرحم طويلًا، فلا يَضْمَحِلُّ سريعًا كما يضمحل أثر قاطع الرحم؛ (فتح الباري: 10/430).
[1] حتى إذا فرغ منهم: أي كمل خلقهم.
[2] العائذ: أي المستعيذ وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه.
[3] فهل عسيتم: أي فهل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم
[4] فأصمهم: أي عن سماع الحق.
[5] وأعمى أبصارهم: أي عن رؤية الهدى.
[6] شققت: الاشتقاق: صياغة كلمة من أخرى كالفرع من أصله، وهو أيضا التقاء الكلمة مع مصادرها في المعنى، والمراد: أخذتُ لها اسما من اسمي.
[7] بتته: أي قطعت ما بينه وبين رحمتي.
[8] شجنه: وأصل الشجنة: عروق الشجر المشتبكة، والشجن: مفرد شجون، وهي طرق الأودية، ومنه قولهم: الحديث ذو شجون، أي يدخل بعضه في بعض. قال أبو عبيد: ومعنى الشجنة: يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وفيها لغتان: شجنه بكسر الشين وبضمها وإسكان الجيم.
[9] شجنه من الرحمن: قال الإسماعيلي- رحمه الله-: معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن، فلها به علاقة وليس معناها أنها من ذات الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
[10] والحجنة بفتح الحاء المهملة والجيم معا بعدهما نون مخففة: هي صنارة المغزل وهي الحديدة العقفاء التي يعلق بها الخيط ثم يفتل الغزل.
[11] ذلق: أي فصيح بليغ.
[12] بتكها: بباء موحدة ثم تاء مثناة فوق محركها أي قطعها. فقوله من بتكها بتكته : أي من قطعها قطعته.
[13] النكث: نقض العهد، والمراد من قطعها.
[14] يبسط له في رزقه: أي يوسع له فيه.
[15] يُنْسَأَ له في أثَرِهِ: أي يُؤَخَّرَ له في أجَلهِ وعُمُرِهِ، وضبطت يُنَسَّأَ: بضم الياء وتشديد السين المهملة.
[16] مثراة: مكثرة وزيادة.
[17] منسأة في الأثر: أي مؤخرة في العمر وسببٌ لزيادته.
[18] يتبارون: من البر، أي يبر بعضهم بعضًا ويتواصلون.
________________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد
Source link