من أهم المشكلات التي تواجهها الحياة الاجتماعية قديما وحديثا هي مشكلة العنصرية التي تعني التفرقة بين البشر بحسب أصولهم العرقية وألوانهم وقبائلهم…
لقد كان من مبادئ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مكاشفة قريش التي تغلغلت فيهم العصبية بأنه مبعوث عالمي لا تؤطره القبيلة ولا تحده العرقية لقد أخبرهم بطبيعة الرسالة التي جاء بها وأنها تتجاوز الأعراق واللغات والألوان فهي فوق الفوارق الطبقية والحدود الجغرافية.
ففي مسند الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ولا أقولهن فخرا: بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئا».
لقد وصف لهم تلك الحالة التي كانوا عليها بما تنفر منه نفوسهم فهي دعوات جاهلية قامت على أساس الجهل بحقيقة الخلق ومبادئ النشأة الأولى ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي والناس بنو آدم وآدم من تراب».
لقد أبدلتهم الرسالة بمسميات قائمة على معاني الإيمان والعمل بدلا عن تلك الألقاب التي كانت تثير فيهم الحمية والعصبية ولم يلغ تلك الانتماءات القبلية والأحلاف العشائرية وإنما هذبها برابطة الإيمان والانتماء للإسلام.
ففي سنن أبي داود عن أبي عقبة وكان مولى من أهل فارس قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فضربت رجلا من المشركين فقلت: خذها مني وأنا الغلام الفارسي فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «فهلا قلت خذها مني وأنا الغلام الأنصاري».
فالعلم بالأنساب ليس للتفاخر والتطاول على الناس بل ليصل المسلم أرحامه ممن تجمعه بهم رابطة النسب والقرابة.
ففي مسند الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله وهو ينقل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق وفيها: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت».
لقد كان هذا الإعلان الحقوقي الشهير يتنزل على نفوس الحاضرين وهم يرسمون لوحة الاجتماع والوحدة الإسلامية بأبهى صورها القبائل العربية والوفود القادمة من غير بلاد العرب لقد كان هذا الخطاب وقريش حاضرة بكل بطونها وعشائرها ونفوسهم مسلمة لهذا الخطاب الإسلامي الذي أنقذهم من الحروب وطوى صفحة بائسة من الصراعات التي كانت تدوم لعقود بسبب أن خيلا تعثرت في سباق مع خيل لقبيلة أخرى لقد عملت فيهم تعاليم الإسلام عملها طوال فترة الدعوة فذابت في نفوسهم كل معاني الجاهلية ودعوات العصبية حتى ختمت تلك المسيرة المباركة في حجة الوداع بهذا الميثاق الإنساني الذي لم يشهد العالم أرقى ولا أعدل ولا أصدق منه.
Source link