منذ حوالي ساعة
تشتعل في شهر رمضان المبارك من كل عام معركة مصيرية تتعلق بهوية المسجد الأقصى، وتنتهي غالبًا بمحاولة الفلسطينيين وحدهم التأكيد على هوية المسجد الأقصى الإسلامية، وتمسكهم بحقهم التاريخي في الصلاة في رحابه.
تشتعل في شهر رمضان المبارك من كل عام معركة مصيرية تتعلق بهوية المسجد الأقصى، وتنتهي غالبًا بمحاولة الفلسطينيين وحدهم التأكيد على هوية المسجد الأقصى الإسلامية، وتمسكهم بحقهم التاريخي في الصلاة في رحابه.
بينما ترسل الحكومة الصهيونية الآلاف من عناصر الجيش وحرس الحدود والشرطة لردع حالة التمرد التي يُظهرها الفلسطينيون في معركتهم المتواصلة منذ احتلال فلسطين.
تزيد مخاوف الدولة العبرية من معركة رمضان؛ لكونها مصيرية، وتُفشِل دائمًا التقسيم الزماني والمكاني الذي تحاول الحكومات الصهيونية تثبيته في المسجد الأقصى؛ من خلال تأكيد أحقية المستوطنين في أداء الصلوات التلمودية في المسجد الأقصى، وتُخفِّف الحضور الفلسطيني والإسلامي فيه؛ من خلال تحديد الفئات العمرية التي يُمكنها أداء الصلوات في المسجد الأقصى من المسلمين، ومنع الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، ومناطق الــ48 من الوصول للمسجد عبر إقامة العشرات من الحواجز ونقاط التفتيش على الطرق المؤدية للمسجد الأقصى؛ الأمر الذي يفرض تحديًا جديدًا على هؤلاء يغرس فيهم إرادة وعزيمة صلبة تجعلهم يبحثون عن طرق التفافية تجبرهم على السير مشيًا على الأقدام لعدة كيلو مترات، وغالبًا ما تكون طرقًا جبلية وعرة.
عقب تحالف بنيامين نتنياهو مع اليمين الصهيوني، وبروز دور شخصيات مثل بن غافير وسموتريتش في قيادة الحكومة الصهيونية؛ أصبحت النزعة اليمينية أكثر تطرُّفًا في التعاطي مع ملف المسجد الأقصى، لذلك ذهبت الحكومة الصهيونية إلى اتخاذ عدة إجراءات في ترجمة واضحة لتصريحات وزير الأمن القومي المتطرف بن غافير الذي قال: «مَن يسيطر على الأقصى؛ يُسيطر على كل أرض إسرائيل، وعدوّنا يفهم ذلك».
ومن أهم القرارات التي تدرس الحكومة الصهيونية تطبيقها: مَنْع مَن تتراوح أعمارهم من 10 إلى 60 عامًا من دخول المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وهي بذلك تعني حرمان غالبية الفلسطينيين من أداء الصلوات في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، كما بدأت سلطات الاحتلال بحملة مداهمات واعتقالات واسعة في الضفة المحتلة، وتُنفِّذ هذه الحملات وفقًا للوائح وبيانات يتم الحصول عليها من أجهزة المخابرات الصهيونية، وتستهدف أشخاصًا تتهمهم الدولة العبرية بتحريك حالة العداء للدولة العبرية أثناء وجودهم في المسجد الأقصى، مثل الشيخ رائد صلاح، والشيخ عكرمة صبري، ورموز دعوية وإعلامية أخرى.
بدَوْرها حذَّرت أجهزة المخابرات والشاباك الصهيوني من إمكانية أن تتحول احتجاجات الفلسطينيين خلال الشهر المبارك إلى معركة تستنزف أجهزة الأمن الصهيونية، وتزيد من ردة الفعل العربية والإسلامية على المعركة الدائرة في غزة حاليًّا.
ولا يمكن تفسير الإجراءات والمخاوف الصهيونية بعيدًا عن المسار التلمودي الذي تسير على نهجه الدولة العبرية في كلّ ما يتعلق بالمسجد الأقصى فخلال رمضان الماضي تقدّم رافائيل موريس، زعيم حركة «العودة إلى الحرم القدسي» المتطرفة، بطلب رسمي إلى شرطة الاحتلال للسماح له وأتباعه بتقديم «ذبيحة الفصح» في المسجد الأقصى.
وقد أسقطت جماعات الهيكل تحفُّظها المعتاد، ونشرت دعوة لاقتحام الأقصى في عيد الفصح. وقاموا بتزيين كُتَيّب بـ«حَمَل صغير»؛ رمزًا للأضحية التي يتعهّد حاخاماتهم بتقديمها في المسجد.
لكن ما يمكن التأكيد عليه خلال رمضان القادم هو أن رموز اليمين الصهيوني الذين كانوا يُحرّكون الحكومة الصهيونية من خلف الستار؛ أصبحوا هم اليوم قادة هذه الحكومة، ويديرون أجهزتها الأمنية، فقد دعا وزير التراث الصهيوني عميحاي إلياهو في تصريح لإذاعة الجيش الصهيوني إلى «مسح ما يُسمَّى بشهر رمضان، كما يجب أن نمحو خوفنا من هذا الشهر».
وهذا الأمر يُربك المسار السياسي الذي اختارته الولايات المتحدة للمشروع الصهيوني، والذي يؤكد على نهج يميل إلى اندماج هذا الكيان مع محيطه؛ عبر مسار التطبيع بقيادة شخصيات يسارية مثل يائير لابيد وبيني غانيتس؛ لأن صعود اليمين اليهودي إلى سدة الحكم فضح بصورة كبيرة حقيقة هذا الكيان، وأكد فشل المسار الأمريكي، وكشف كذلك عدائية هذا الكيان لمحيطه العربي والإسلامي؛ من خلال جرائمه في قطاع غزة، لذلك تسعى واشنطن لتفادي المزيد من التصعيد مع الفلسطينيين، ومحاولة معالجة الأزمة الوجودية للكيان، والتي صنَعها تطرُّف اليمين الصهيوني من خلال وقف مؤقت لإطلاق النار قبل بدء شهر رمضان المبارك.
إن المخاوف الأمريكية وتقديرات بعض الأجهزة الأمنية الصهيونية بشأن انفجار الأحدث في رمضان لا تتعلق فقط بالصراع الزماني والمكاني على هوية المسجد الأقصى، بل أيضًا لها أبعاد سياسية داخلية على الدولة العبرية وكذلك على الفلسطينيين والعالم الإسلامي بأَسْره؛ فالولايات المتحدة وقادة اليسار الصهيوني يُجمعون على أن الحرب في قطاع غزة والتصعيد في رمضان المبارك من شأنه أن يَضْغط على السلطة الفلسطينية التي تُعدّ شريكًا أمنيًّا مهمًّا وحيويًّا في الضفة المحتلة للدولة العبرية، وليس من مصلحة السلطة أن يزيد التصعيد في الضفة فهو يسرّع بصورة كبيرة إسقاطها، وذلك بالتأكيد سيؤثر سلبًا على الأمن الصهيوني، ويفتح جبهة جديدة على الدولة العبرية من شأنها أن تُدخل الدولة العبرية في مستنقع لن تتمكّن من الخروج منه بسهولة، بالإضافة إلى تأثيراتها الخارجية على العالم الإسلامي.
فوفقًا لرئيس الوزراء الصهيوني السابق، إيهود باراك؛ كشفت الحرب عن العجز الإستراتيجي المذهل الذي تعاني منه الحكومة اليمينية الصهيونية، والفراغ الهائل في القيادة، فقد تباطأ أعضاء الائتلاف الحاكم في اتخاذ قرارات حاسمة، وفشلوا في التعاون مع بعضهم البعض في إدارة الحرب، وهاجموا الرُّتَب العليا في الجيش الصهيوني، وبَدَوا غير مُبالين وغير مركزين بشكل محرج عندما تعلق الأمر بإدارة العلاقات مع أهمّ حليف للدولة العبرية؛ وهي الولايات المتحدة.
ويلخّص باراك المأزق الذي يعيشه الكيان الصهيوني مخاطبًا الصهاينة: «كنا نفكّر بهذه الطريقة فيما يتعلق بمصر والأردن، فقد خاض جيل كامل من الإسرائيليين -وأنا عضو فيه- حروبًا مريرة ضد تلك البلدان، ولكنّ السلام الفعّال -وإن كان باردًا- مع تلك الدول استمر حتى الآن لمدة تقرب من 45 عامًا، وما يقرب من 30 عامًا على التوالي». وأضاف قائلًا: «تخيّل كم كان وضع إسرائيل أسوأ اليوم لو لم تكن تلك الاتفاقيات موجودة! وفكِّر في مدى أهمية عدم تقويضها كجزء من ردّ غير مدروس على أحداث السابع من أكتوبر».
_____________________________________________________________
إعداد مجلة البيان
Source link