هذه مشاهدُ رمضانية، وشواهدُ إيمانية، فيها إشراقاتٌ إحسانية، ونفحاتٌ إلهية:
هذه مشاهدُ رمضانية، وشواهدُ إيمانية، فيها إشراقاتٌ إحسانية، ونفحاتٌ إلهية:
موعظة أبي الدرداء في رمضان:
«عن عبدالله الأسدي قال: بينا أبو الدرداء في رمضان إذ سلَّمَ في بعض القيام -وكان أمَّ الناسَ في القيام- فالتفتَ إلى الناس فقال: يا أهلَ دمشق ألا تستحيون ممّا تصنعون؟ والله إنكم لإخواني في الدين، وجيراني في الدار، وأعواني على العدو، أفلا تستحيون ممّا تصنعون؟
تجمعون ما لا تأكلون.
وتبنون ما لا تسكنون.
وتأملون ما لا تدركون.
كالذين مِنْ قبلكم: جمعوا كثيرًا، وبنوا شديدًا، وأمّلوا بعيدًا.
فأصبح جمعُهم بورًا، وأصبحتْ بيوتُهم قبورًا، وأصبح أملُهم غرورًا»[1].
****
الفتح على الأئمة في التراويح:
جاء في ترجمة أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني القارئ، أحد الأئمة العشرة في حروف القراءات (ت: 127):
«كان يصلِّي خلفَ القراء في رمضان، يُلقنهم، يُؤمر بذلك، وجعلوا بعده شيبة»[2].
****
الخلوة في رمضان:
جاء في ترجمة الإمام القدوة عالم البصرة عبدالله بن عون (ت: 151):
«كان في شهر رمضان لا يزيدُ على المكتوبة في الجماعة، ثمّ يخلو في بيته، وكان إذا خلا في منزله إنّما هو صامتٌ لا يزيدُ على: الحمد لله ربّنا»[3].
****
لا شعر في رمضان:
جاء في ترجمة أبي عمرو بن العلاء (70-154):
«كان أبو عمرو إذا دخل شهرُ رمضان لم يُنشِدْ بيتَ شعرٍ حتى ينقضي»[4].
****
الصدقة في رمضان:
«قال شقيق بنُ إبراهيم البلخي: أخذتُ التعاونَ والتوكلَ من إبراهيم بن أدهم، كنا جلوسًا عنده وذلك في شهر رمضان فأُهدي إليه ”سلة تينٍ” فتصدَّقَ بها على المساكين والجيران.
قال شقيق: فقلنا له: يا أبا إسحاق لو تدع لنا شيئًا؟ فقال ألستم صوامًا؟ قلنا: بلى، قال: ليس لكم حياءٌ، ليس لكم رعةٌ -يعني الخوف- أما تخافون اللهَ بالعقوبة بطول أملكم إلى العشاء وسوء ظنِّكم بالله؟ -وذلك عند غيبوبة الشمس- ثم قال: ثقوا بالله وأحسنوا الظنَّ بالله، ما وعدَ اللهُ لعباده قال (ما عندكم ينفد وما عند الله باق)؟”[5].
****
لا اضطجاع في رمضان:
جاء في ترجمة العلامة ابن اللبان: عبدالله بن محمد التيمي الأصبهاني (ت: 446):
«أحد أوعية العلم… كان مِنْ أحسن الناس تلاوة للقرآن.
أدرك ابنَ اللبان شهرُ رمضان من سنة سبع وعشرين وأربع مئة وهو ببغداد، وكان يسكنُ درب الآجر مِنْ نهر طابق، فصلى بالناس صلاةَ التراويح في جميع الشهر، وكان إذا فرغ من صلاتهِ بالناس في كلِّ ليلة، لا يزال قائمًا في المسجد يصلي حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجرَ درَّسَ أصحابَه، وسمعتُه يقول: لم أضعْ جنبي للنوم في هذا الشهر ليلًا ولا نهارًا.
وكان وردُه كل ليلة فيما يصلي لنفسه سُبعًا من القرآن، يقرأه بترتيلٍ وتمهلٍ، ولم أر أجودَ ولا أحسنَ قراءةً منه»[6].
****
كتابة مصحف في رمضان:
جاء في ترجمة المفتي الأوحد العالم العامل الزاهد إسحاق بن أحمد المَعرَّي (ت: 650):
« تصدَّرَ للإفادة والفتوى مدة، وتفقَّه به جماعةٌ، وكان قدوةً في الورع، عُرِضتْ عليه مناصب، فامتنع، وقال: في البلد مَنْ يقوم مقامي.
وكان يُدمِنُ الصوم، ويتصدقُ بثلث جامكيته [راتبه]، ويؤثرُ رحمَهُ، وكان في كل رمضان يكتبُ ختمةً ويوقفها»[7].
****
تفسير القرآن كله في شهر رمضان:
قال ابنُ حجر في ترجمة العلامة ابن النقاش (ت: 763):
«محمد بن علي بن عبدالواحد بن يحيى بن عبدالرحيم الدكالي، ثم المِصري، أبو أمامة ابن النقاش. ولد في نصف شهر رجب سنة (720)، وأخذَ القراءات عن البرهان الرشيدي، والعربيةَ عن المُحبِّ ابن الصائغ، وأبي حيّان، وحفظَ “الحاوي” الصغير، وكان يقولُ: إنه أولُ مَنْ حفظَه بالقاهرة، وتقدَّم في الفنون.
وصنَّفَ:
• شرح “العُمدة” في ثماني مجلدات.
• وتخريج أحاديث “الرافعي”.
• وشرحًا على “التسهيل”.
• وشرحًا على “الألفية”.
• وكتابًا في الفروق.
• وكتابًا في التفسير مُطولًا جدًّا. ذَكَرَ في أوله أنَّ الحاملَ له عليه أنه شرَعَ في إلقاء التفسير في الجامع الأزهر في شهر رمضان فأكملَه، فبلغه أنَّ بعضَ الناس استقصرَ علمَه، فشرعَ في إملاء تفسيرٍ على الفاتحة، فأقامَ فيه مدةً طويلةً، ثم شرعَ في كتابة التفسير، والتزمَ أنْ لا ينقل فيه حرفًا عن كتابٍ مِنْ تفسيرِ أحدٍ ممَّنْ تقدَّمَهُ»[8].
[1] تاريخ دمشق لابن عساكر (47/ 133) -والنقلُ بتصرُّف-:
وفي «تفسير القرطبي» (13/ 11): «وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وقد أشرف على أهل حمص: يا أهل حمص! هلم إلى أخٍ لكم ناصحٍ، فلما اجتمعوا حوله قال: ما لكم لا تستحون …». فكأنه كان يكرِّر هذه الموعظة.
[2] سير أعلام النبلاء (5/ 288).
[3] الطبقات الكبير لابن سعد (9/ 263).
[4] وفيات الأعيان (3/ 468).
[5] تاريخ دمشق لابن عساكر (23/ 138).
[6] تاريخ مدينة السلام (11/ 375).
وقال التاج السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (5/ 72-73): «عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد أبو محمد الأصفهاني المعروف بابن اللبان.
قال فيه الخطيب: أحد أوعية العلم وأهل الدين والفضل.
سمع بأصبهان أبا بكر المقري وغيره، وببغداد أبا طاهر المخلص، وبمكة أبا الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس، وتفقه على الشيخ أبي حامد، ودرس على القاضي أبي بكر الأصلين، وحدَّث، وسمع منه الخطيب.
قال: وكان من أحسن الناس تلاوة للقرآن، ومن أوجز الناس عبارة في المناظرة، مع تدين جميل، وعبادة كثيرة، وورع بيّن، وتقشف ظاهر، وحسن خلق، وسمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين.
وله كتب كثيرة مصنفة».
[7] سير أعلام النبلاء (23/ 248).
[8] الدُّرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة (5/ 325-326).
___________________________________________________
الكاتب: أ.د. عبدالحكيم الأنيس
Source link