الحث على تدارك ما فات من شهر رمضان

منذ حوالي ساعة

فيا عباد الله، إن مواسم الخيرات تُغتنم، وهذه ساعات رمضان ميدان المسابقة في الأعمال الصالحة فاستدركوا رحمكم الله ما مضى بما بقي…

الحمد لله رافع قدر من أطاعه واتقاه، وممزق شمل من خالف أمره وعصاه، العظيم الذي قدر الفناء على من سواه، لا يسأل عما يفعل، وما شاء قدره وأمضاه، أحمده سبحانه حمد عبد علم أن لا معبود بحق سواه، وأشكره وبشكره تتم نعمه وآلاه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي اصطفاه

واجتباه، وأنزل عليه القرآن في شهر رمضان وخصه وأمته بليلة القدر التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، صلى الله عليه وعلى آله ومن اتبعه واهتدى بهديه، وسلم تسليما.

 

أما بعد:

فيا عباد الله، إن مواسم الخيرات تُغتنم، وهذه ساعات رمضان ميدان المسابقة في الأعمال الصالحة فاستدركوا رحمكم الله ما مضى بما بقي، فرب صائم رمضان لا يدركه من قابل، وكم من فائز فيه بغفران ذنوبه، والمسوف بالتوبة غافل.

عباد الله، إن شهر رمضان عزم على الانتقال ولم يبق فيه إلا ليال فجدوا واجتهدوا في طلب مغفرة ذنوبكم فإن من حرم فيه مغفرة ذنوبه فهو المحروم يقول – صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات فيما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»[1]. وذلك أن العبد إذا حافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها بطهارتها وشروطها وواجباتها كفرت عنه ما بينها وبين الصلاة الأخرى، ومن واظب على الجمعة وتقدم لها باحتساب، وأنصت ولم يلغ كفرت عنه ما بينها وبين الجمعة الأخرى، ومن صام رمضان وقامه وحفظه مما ينبغي التحفظ منه مما يخل بصيامه كفر عنه إلى رمضان من العام القابل، ومن لم يحافظ على هذه الأوقات الثلاثة أو أخل بواحد منها لم ينفعه ما عمل في بعضها ولم يكفر عنه لا صغيرة ولا كبيرة، وذلك أن الإسلام بني على خمسة أركان: شهادة أن لا إله لا الله وأن محمدًا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت على المستطيع، فمن أخل بهذه الأركان أو واحد منها فقد أخل بإسلامه، فيا أمة محمد، خصكم الله من بين الأمم بليلة القدر التي العمل فيها خير من ألف شهر فمن وافقها قائمًا يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة أعطاه سؤاله. قالت عائشة – رضي الله عنها -: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»[2] وكان – صلى الله عليه وسلم – إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان -أيقظ أهله وأحيا الليل وشد المئزر- 3].

 

هذا وهو قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بنا يا عباد الله ونحن المفرطون؟ حيث تمر بنا مواسم الأرباح ونحن ساهون غافلون، تمر بنا ليالي العشر ونحن متشاغلون، تمر بنا ليلة القدر ونحن معرضون، ينزل ربنا تبارك وتعالى كل آخر ليلة إلى السماء الدنيا – نزولًا يليق بمقامه- يقول لعباده: (هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح)[4]، ونحن نائمون فإنا لله وإنا إليه راجعون، عباد الله، إن لجهنم يوم القيامة زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا أشفق منها ويقول يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34 – 37]، وورودكم عليها محتم والخروج منها خاص بالمتقين: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71 ، 72].

 

فاجتهدوا – رحمكم الله – في السعي في إنقاذ أنفسكم من نار جهنم، وتعرضوا لنفحات ربكم فإن لربكم في هذا الشهر نفحات يصيب بها من يشاء من عباده فمن وافقها سعد سعادة الأبد، واختموا شهر رمضان بالتوبة والاستغفار والانكسار والتذلل بين يدي الملك الغفار وأكثروا الركوع والسجود وأرسلوا العبرات وأسبلوا الدموع على الخدود والهجود بيا ذا الجلال والإكرام جئناك تائبين مستغيثين طالبين مغفرتك، لعلكم تفوزون بمغفرة ذنوبكم ونيل مطلوبكم يوم تقسيم الجوائز يوم يتجمع أقوام من صلاة العيد كيوم ولدتهم أمهاتهم مغفورًا لهم ويرجع آخرون يحملون أوزارًا على أوزارهم، مر بهم شهر رمضان وهم في سكرتهم يعمهون، إن صاموا جرحوا صيامهم بالقيل والقال ولا يذكرون الله إلا قليلًا، وأن قاموا فهم كسالى لا يعلمون ما يقولون، العبادات عندهم عادات، أموات وإن كان ظاهرهم الحياة، تمر بهم ساعات الإجابة وهم على آلات اللهو عاكفون، ويقول الرب- تبارك وتعالى- هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ وهم نائمون، همتهم عالية في جمع المال ولا يبالون أنزلوه من حرام أو حلال؟، يتباهون في العمران، ويتفننون في المآكل والمشارب، وهم غافلون عن الموت وعن الصراط الذي سينصب على متن جهنم، أدق من الشعر وأحد من السيف وأحر من الجمر ولا عبور إلا على ظهره، غافلون عن النار وسعيرها وزمهريرها وأغلالها وزقومها وصديدها، غدًا إذا عاينوا ما وعدوا سيقولون هل إلى مرد من سبيل لنعمل صالحًا؟ ويقال لهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37].

 

فيا منغمسًا في شهواته غافلًا عن ذكر مماته، هذه ساعات رمضان فاغتنمها واستدرك ما فاتك بالتوبة والاستغفار فإن لله تعالى عند الإفطار كل يوم ألف عتيق من النار وفي آخر ليلة من رمضان يعتق الله من النار بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] صحيح مسلم (233).

[2] المستدرك (1942).

[3] المسند المستخرج على صحيح مسلم (2681).

[4] صحيح مسلم (758).

_____________________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *