عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ: أنفسنا التي بين جوانبنا أحقُّ بكل هذا التركيز والانشغال والاهتمام، نفسي التي بين جنبي هي ما سينفعني أو سيضرني، نفسي التي بين جنبي هي ما سأُحاسَب عليه يوم القيامة، ولن يضُرَّنا مَنْ ضَلَّ إذا اهتدينا.
﴿ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ﴾ [المائدة: 105]، ذكرتني هذه الآية بمشهد كثيرًا ما تكرَّر معي، كثيرًا ما يحدث أمامي في جلسات النساء أن تسرد إحداهن مساوئ أخرى، تعيد وتزيد وتردد الكلام بكل لوم واشمئزاز؛ لأنَّ فلانة تفعل وتلبس وتقول، وفي بعض هذه المواقف أستمع في تعجُّب؛ لأنَّ الصفات التي تنتقدها المتحدثة توجد فيها هيَ أيضًا بوضوح، وربما أشد ممن تتحدث عنها، يستوقفني هذا الموقف ويثير شفقتي، وأتعجب منا نحن معشر البشر كيف لنا أن نرى القذاة في أعين الآخرين ولا نرى الكبيرة في أنفسنا، ثم أنظر إلى نفسي وأتذكَّر الناس الذين اغتبتهم من قبل، أو على الأقل فكَّرت بيني وبين نفسي في مساوئهم وانشغلت بها، وهو ما قد يوصلني إلى استحقارهم والاستخفاف بعقولهم وكأنِّي خالية من كل العيوب، فكَّرت بعدها ماذا لو استغللت وبقية البشر طاقة وجهد ووقت التفكير والأحاديث تلك في إصلاح أنفسنا والتركيز عليها؟
كم ننسى أننا يوم القيامة سوف نحاسب على تقصيرنا وذنوبنا وليس تقصير وذنوب الآخرين! صحيح أن نُصْحَ غيرنا واجب، لكن نُصْح أنفسنا أوجَبُ، ذنوب الآخرين ومساوئهم تضُرُّهم هم أكثر أمَّا ذنوبنا ومساوئنا فهي ما يضُرُّنا نحنُ بشكل مباشر.
ما ألطف الله بنا حين يخبرنا! وما أظلمنا حين نمُرُّ على مثل هذه الآية ثم لا نتدبَّرها!
{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} لم يَقُلْ عليكم الناس، لم يقل عليكم أبناءكم، ولم يقل عليكم مجتمعكم، وكما يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبًا النبي عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56].
ليتنا ننشغل بذنوب الآخرين لنصحهم وتوجيههم بالأسلوب الحسن والكلمة الطيبة، فنكتسب الأجر، لكننا ننشغل بمساوئهم لنهرب من مواجهة مساوئ أنفسنا، ولنهوِّن على أنفسنا عظم ذنوبنا بحجة أن الآخرين يفعلونها وعلى الأقل نحن أهونُ منهم، ليتنا نهتم بالنظر إلى مساوئ الآخرين من باب الرحمة بهم والدعاء لهم، لكننا ننظر إليهم لنستعلي عليهم، فنرفع من أنفسنا ونخفض منهم، وربما كانت لهم حسنات في الخفاء ليست لنا، وربما كانت لنا معاصٍ سترها الله أسوأ من معاصيهم.
ماذا لو وضع كل مسلم نصب عينيه هذه الآية وكرَّرها حين ينشغل بضلال غيره دون إرادة النصح أو حزن على انتهاك محارم الله، ماذا لو جعل كلٌّ منا تركيزه على نفسه فشَغلها بالطاعات والذكر، واجتهد في إصلاحها.
ماذا لو مشينا في درب الحياة ونحن نُردِّد اسم الله لنرقى بأنفسنا بدلًا من توزيع نظراتنا على المسلمين للبحث عن الثغرات، ماذا لو مشينا في كل مكان ونحن مراقبون لأفعالنا وأقوالنا وخلجات قلوبنا، ما الذي قلنا نحن؟ وما الذي فعلنا؟
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أنفسنا التي بين جوانبنا أحقُّ بكل هذا التركيز والانشغال والاهتمام، نفسي التي بين جنبي هي ما سينفعني أو سيضرني، نفسي التي بين جنبي هي ما سأُحاسَب عليه يوم القيامة، ولن يضُرَّنا مَنْ ضَلَّ إذا اهتدينا.
فيا رب، اشغلنا بأنفسنا ولا تشغلنا عنها! يا رب، ردَّنا إليك ردًّا جميلًا! يا الله، يا رب النفوس، أصلح نفوسنا!
__________________________________________
الكاتب: أرياف التميمي
Source link