الصبر: فلسفةٌ ساميةٌ وخُطّةٌ محكمةٌ للحياة – محمد سلامة الغنيمي

يتجاوز مفهوم الصبر كونه مجرد قيمة أو فضيلة أخلاقية، ليرتقي إلى مرتبة فلسفةٍ عميقةٍ ورؤيةٍ شاملةٍ للحياة. فهو ينطوي على فهمٍ دقيقٍ لطبيعة الوجودِ الإنسانيّ

يتجاوز مفهوم الصبر كونه مجرد قيمة أو فضيلة أخلاقية، ليرتقي إلى مرتبة فلسفةٍ عميقةٍ ورؤيةٍ شاملةٍ للحياة. فهو ينطوي على فهمٍ دقيقٍ لطبيعة الوجودِ الإنسانيّ، وتقديرٍ واقعيّ لمسارِ الحياةِ المتعرّج؛ إذ إن طبيعة الحياة قائمة على الابتلاء، والله – سبحانه وتعالى – أقام الحياة على سنن كونية، وهذه السنن تفرض على الإنسان المكلف بإدارة الأرض العمل بمقتضاها لتحقيق ما كلف به، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بالصبر.
والصبر لا يعني انتظار حدوث الأشياء أو الاستقالة أو السلبية أو التسويف، بل يتطلب مشاركة فعالة للمرء مع نفسه والعالم من حوله، واستفراغ الجهد، ومراعاة السنن الكونية والأسباب المادية والمعنوية في الوصول للأهداف. إنها القدرة على تحمل الانزعاج وعدم اليقين والتأخير دون الانزعاج أو الاستسلام. إنه الاستعداد للمثابرة خلال الأوقات الصعبة، مع الاعتقاد بأن الأمور ستتحسن في النهاية.
ومن هذا المنطلق فإنه لا يوجد شيء في هذه الحياة يخلو من الصبر، وأن انتفاء الصبر يعني الخسران العام، فإن العبادات تحتاج إلى الصبر، وكذلك العلاقات الاجتماعية، وما يتعلق بالحياة الشخصية.. تُترجمُ فلسفةُ الصبرِ نفسها في مختلفِ جوانبِ الحياة، حيث تكمن فلسفة الصبر في إدراكِ أنّ السعادةَ الحقيقيةَ والنجاحَ الدائمَ لا يتحقّقان بِاندفاعٍ أو تسرّعٍ، بل بِمثابرةٍ وعزيمةٍ وصبرٍ على الشدائدِ والتحديات.
إن انتفاء الصبر من الحياة يعني تجاهل السنن التي تحكم الحياة على الأرض وتنظمها، ولا يملك هذا إلا من خلقها – سبحانه وتعالي – أو من يؤيده الله بمعجزة خارقة، ولم يحدث ذلك مطلقا إلا للأنبياء والرسل في شيء يسير، ولم يحدث لهم في كل مجريات حياتهم، فقد كانوا مضرب الأمثال في الخضوع للسنن الكونية ومطاوعتها بالصبر.
فوائدُ فلسفةِ الصبر:

تُقدّمُ لنا فلسفةُ الصبرِ العديدَ من الفوائدِ الجوهريةِ، منها:

التحكّمُ بِالمشاعرِ والأفكار: يُساعدُنا الصبرُ على التحكّمِ بِمشاعرِنا وأفكارِنا، والتعاملِ مع المواقفِ بِحكمةٍ ورويّةٍ.

تحمّلُ الشدائدِ والصعوبات: يُمكّنُنا الصبرُ من تحمّلِ الشدائدِ والصعوباتِ بِصبرٍ وعزيمةٍ، وعدم الاستسلامِ عند مواجهةِ التحديات.

تحقيقُ الأهدافِ والسعادةِ الحقيقية: يُساعدُنا الصبرُ على المثابرةِ في السعيِ لتحقيقِ أهدافِنا، ويُقَرّبُنا من تحقيقِ السعادةِ الحقيقيةِ في الحياة.

خاتمة:

إنّ فلسفةَ الصبرِ هي بمثابةِ خُطّةٍ محكمةٍ للحياةِ، تُساعدُنا على المضيّ قُدماً بِثقةٍ وعزيمةٍ، وتحقيقِ النجاحِ والسعادةِ في مختلفِ جوانبِ الحياة.
 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *