منذ حوالي ساعة
ردَّ القرآن العظيم على الملحدين المنكرين وجود الله سبحانه، المكذبين رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم…
القرآن الكريم أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو كلام الخالق سبحانه، وهداية القرآن ونوره وبركته وخيره في الدنيا والآخرة أكثر مما يخطر بالبال، فهو يهدي للتي هي أقوم في جميع الأمور، وفي كل الأحوال، وفيه من الأدلة العقلية ومخاطبة الفطرة ما فيه كفاية، وفيه الردُّ الْمُقْنِع على كل صاحب غواية.
وفي هذا المقال المختصر أُبيِّن ردَّ القرآن العظيم على الملحدين المنكرين وجود الله سبحانه، المكذبين رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، والمكذبين بأن القرآن العظيم حقٌّ من عند الله، ولو أردنا سرد جميع الآيات القرآنية في الرد عليهم، لصار المقال كتابًا كبيرًا، لكن سأقتصر في هذا المقال على ذكر بعض الآيات من سورة واحدة فقط، حتى يعلم القارئ عظمة القرآن الكريم، وتضمُّنَه الأدلةَ العقلية والمواعظ الكافية لمن يريد الهداية، هذه السورة سورة يونس في أول الثلث الثاني من المصحف الشريف، فتأمل هذه الآيات العجيبات في الرد على جميع الملحدين والملحدات:
• {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ * إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 5 – 8]، أول هذه الآيات دعوة للتفكر في الأدلة الكونية؛ كالشمس والقمر، واختلاف الليل والنهار، وكل ما خلقه الله في السماوات والأرض من المخلوقات العلوية والسفلية، الكبيرة والدقيقة، وآخر الآيات وعيد شديد لمن رضُوا بالحياة الدنيا، ولا يرجون لقاء الله بعد الموت، ووصفهم بأنهم غافلون عن آيات الله الكونية والتنزيلية، كما هو حال الملحدين لا يتفكرون فيما حولهم، ولا في أنفسهم، ولا ينظرون في طعامهم وشرابهم ومبدأ خلقهم، ويُعرضون عن كتاب ربهم الذي أنزله لهدايتهم.
• {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 13، 14]، آثار الأمم التي قبلنا ظاهرة، كقوم ثمود والفراعنة، والله يختبرنا في الدنيا كما اختبرهم، والله يمهل الكافرين الآخرين كما أمهل الكافرين الأولين.
• {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 16، 17]، ما أعظم هذه الحُجَّة العقلية في إثبات أن القرآن من عند الله! فقد لبث النبي محمد صلى الله عليه وسلم أربعين سنة ليس له علم بهذا القرآن، ثم فجأة بعد بلوغه الأربعين أخبر الناس بالقرآن، ودعاهم إلى عبادة الله وحده الذي خلقهم من العدم، ويمدهم بالنعم، وتضمن ذلك الكتاب أخبار الأمم السابقة، والإخبار بما سيكون في الدنيا فوقع الكثير منه كما أخبر، وما لم يقع إلى الآن، فلا بد أن يأتي في وقته الذي قدره الله، وتضمن القرآن محاسن الأحكام والأخلاق، وما يصلح العباد في دينهم ودنياهم، فمن تأمل آياته، علِم أنها من عند الله سبحانه الرحيم بعباده.
• {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 31 – 33]، فالذي يرزقنا، وخلق لنا السمع والأبصار، ويحيي ويميت، ويدبر أمر الكون هو الله المستحق للعبادة، هذا هو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، فكيف يُعرِض الكفرة والملاحدة عن التفكُّر في هذا الأمر مع وضوحه؟!
• {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 36 – 41]، تأمل قوة الحجة العقلية في هذه الآيات في الرد على منكري القرآن الكريم، فهم يتبعون الظن، وليس عندهم أي حجة علمية في إنكار الخالق، وإنكار كتابه القرآن الذي يصدق الكتب السابقة التي أنزلها الله على أنبيائه، فهو يدعو مثلها إلى عبادة الله وحده، والإيمان بجميع الرسل، والإيمان بالبعث بعد الموت، والجنة والنار، فلا شكَّ أن القرآن من عند الله رب العالمين، فإن ادَّعَوا أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم افتراه وكذبه على الله، فليكذبوا مثله إن كان كاذبًا في زعمهم، وليأتوا بسورة واحدة فقط بمثل بلاغة القرآن وفصاحته، وحسن معانيه، وصدق أخباره، وعدل أحكامه، لن يستطيع ذلك أحد أبدًا، ثم بيَّن الله حقيقة أمرهم، وهي أنهم سارعوا إلى التكذيب بما لم يفهموه، ولم يتحقق بعد ما أخبر الله في كتابه من الوعد والوعيد يوم القيامة، فليس لهم حجة صحيحة تدل على أن القرآن كذب، ثم أخبر الله أن مِن الكافرين مَن يصدق بأن القرآن حق من عند الله، لكنه يكتم تصديقه كِبرًا أو اتباعًا للهوى، ومنهم من لا يصدق بالقرآن كالملحدين، والله أعلم بالمفسدين، ثم أمر الله رسوله – وهو أمر لأمته – أن يقول لأولئك الكافرين والملحدين: لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون، وفي هذا تهديد لهم بالعذاب ولو بعد حين، وبيان أن الله سبحانه لا يضره كفرهم وتكذيبهم بالله ورسوله وكتابه، وإنما يظلمون أنفسهم.
• {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ * ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [يونس: 50 – 52]، ما أعظمها من آيات فيها تهديد عظيم للمكذبين المستعجلين عذاب الله!
• {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} [يونس: 60]، ما أعظمها من أسئلة من الله الخالق لأولئك الكفرة الذين خلقهم بقدرته، ورزقهم برحمته وفضله، ثم لا يشكرون الله على نعمه التي لا تُحصى! كيف يكفرون بالله الذي علَّمهم البيان والخط بالأقلام، وتنبض قلوبهم منذ كانوا في بطون أمهاتهم بالدماء، ويمدهم بالهواء والماء والغذاء؟!
• {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يونس: 65]، نهى الله نبيه عن الحزن بسبب ما يقوله المكذبون من الكفر والإلحاد والاستهزاء، فإنهم لن يضروا الله شيئًا بكفرهم وإلحادهم وسخريتهم، فيجب على المسلم ألَّا يحزنه قول الكافرين والملحدين، فالله عزيز لا يضره شيء، وهو سميع لأقوالهم، وعليم بأحوالهم، وهو حليم يُمهلهم في طغيانهم، ويرزقهم مع كفرهم، ولن يتركهم من العذاب إن أصروا على الكفر والإلحاد.
• {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 69، 70].
• {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93]، ما أعظمها من آيات ووعيد أكيد يجب تصديقه من رب الأرض والسماوات!
• {لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 94 – 97]، هذه هي حقيقة المعاندين الجاحدين، لو جاءتهم كل آية عقلية موجودة في الكون أو تنزيلية في القرآن، فلن يؤمنوا بها لاتباعهم أهواءهم، فهم لا يؤمنون بالحق حتى يأتيهم الموت، فحينئذٍ يُصدِّقون بالحق، ولا ينفعهم ذلك التصديق حين يأتيهم العذاب، والله المستعان.
• {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 99 – 101]، الله أكبر، هذه الآيات فيها تسلية للمؤمنين، وتبيين بأن الله أحكم الحاكمين، فهو يعلم من يستحق هدايته، ويعلم من يستحق خذلانه من المتكبرين الملحدين، المعرضين عن تأمل أدلة الله في السماوات والأرض التي تدل أعظم دلالة على وجود الله ووحدانيته، ولكنهم لا يعقلون حقًّا.
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحدُ
• {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس: 108]، سبحان الله! ما أعظم هذه الآية في آخر سورة يونس! يا أيها الناس، قد جاءكم رسول الله بالقرآن المتضمن الحق من ربكم، فمن اهتدى بالقرآن فإنما ينفع نفسه، ومن أصرَّ على ضلاله وإلحاده، فإنما ضرره على نفسه، ولن يضر الله شيئًا بكفره ومعاصيه، وما أنا موكَّل بكم حتى تكونوا مؤمنين، والسلام على من اتبع الهدى.
________________________________________________
الكاتب: د. محمد بن علي بن جميل المطري
Source link