مقالات

يا دعاة الباطل لا تكونوا كاليهود: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}

لقد كشفت لنا الحوارات التي تنشر عن حرب غزة عن خصائص بني إسرائيل ومن أكثرها وضوحا، أنهم {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، إنهم يفعلون ذلك متعمدين، بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم، وإشاعة الشك والاضطراب.

﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42]

 

﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 71]

 

إن ما تعانيه البشرية منذ وجودها على الأرض في هذه الحياة الدنيا من بؤس وشقاء سببه هو حقد وحسد وغل قلوب البعض، فقد بين الله لنا ما فعله ابن آدم بأخيه؛ قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 27 – 30].

 

فهذا سلوك الظالمين: الحقد والحسد والظلم وسفك الدماء.

 

وهذا ما تأصل في سجية بني إسرائيل على مر العصور، هذا الحقد والحسد والظلم الذي تجسد في سلوك بني إسرائيل لأخيهم يوسف وما فعلو به.

 

قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف: 7-9].

 

أيها المسلم الكريم:

لقد سمعت الإمام يقرأ قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 16، 17].

 

فتألمت كثيرًا وتعجبت من أسلوب الحقد والحسد في قلوب إخوة يوسف، والمكر وتلبيس الحق بالباطل من هؤلاء الأبناء على أبيهم بهذا الدهاء.

 

يفعلون فعلتهم الغادرة ثم يتباكون، والأدهى من ذلك أن يتهموا أباهم بأنه هو الذي أخطأ في حقهم بعدم تصديقهم وهم صادقون.

 

يا له من أسلوب بارع في تلبيس الحق بالباطل، لا يبلغه سوى مكرُ بني إسرائيل.

 

لذلك كان تحذير الله لنا في القرآن الكريم من هذا التلبيس من بني إسرائيل في أكثر من آية؛ قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42].

 

وقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71].

 

أيها المسلم الكريم:

لقد كشفت لنا الحوارات التي تنشر عن حرب غزة عن خصائص بني إسرائيل ومن أكثرها وضوحا، أنهم {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]… إنهم يفعلون ذلك متعمدين، بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم، وإشاعة الشك والاضطراب.

 

ولقد زاول اليهود هذا التلبيس والتخليط وكتمان الحق في كل مناسبة عرضت لهم، كما فصَّل القرآن في مواضع منه كثيرة؛ وكانوا دائمًا عامل فتنة وبلبلة في المجتمع الإسلامي، وعامل اضطراب وخلخلة في الصف المسلم.

 

وفي خلال القرون المتطاولة دسوا – مع الأسف – في التراث الإسلامي ما لا سبيل إلى كشفه إلا بجهد القرون! ولبسوا الحق بالباطل في هذا التراث كله – اللهم إلا هذا الكتاب المحفوظ الذي تكفل الله بحفظه أبد الآبدين – والحمد لله على فضله العظيم.

 

دسوا ولبسوا في التاريخ الإسلامي وأحداثه ورجاله.. ودسوا ولبسوا في الحديث النبوي وروايته.. ودسوا ولبسوا في التفسير القرآني.. وما يزالون في صورة المستشرقين وتلاميذ المستشرقين الذين يشغلون مناصب القيادة الفكرية اليوم في بلاد المسلمين.

 

والعشرات من الشخصيات المدسوسة على الأمة المسلمة في صورة أبطال مصنوعين على عين الصهيونية والصليبية، ليؤدوا لأعداء الإسلام من الخدمات ما لا يملك هؤلاء الأعداء أن يؤدوه ظاهرين!

 

إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشًا جرارًا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين – وأحيانا كتاب وشعراء وفنانين وصحفيين – من جلدتنا ويحملون أسماء المسلمين…

 

هذا الجيش من العملاء موجه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب، في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة، وتوهين قواعدها من الأساس، والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء؛ وذلك بتأويلها وتحميلها ما لا تطيق، والدق المتصل على رجعيتها! والدعوة للتفلت منها، وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقًا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومُثُلها.

 

وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية، وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخر في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرا! ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص!

 

وعملاء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك… إنهم متفاهمون فيما بينهم على أمر… هو الإجهاز على هذه العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود، وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة.. ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة للأصيل! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض.. ثم يتظاهرون – بعضهم على الأقل – بغير ما يريدون وما يبيتون… والجو من حولهم مهيأ، والأجهزة من حولهم معبأة… والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض مغيبون أو مشردون!

 

انظر أيُّها المسلم الكريم: هذا النموذج الذي عرضه الله لنا للمضللين في تلبيس الحق بالباطل؛ قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78]؛ هؤلاء دعاة الباطل الذين يتخذون من كتاب الله مادة للتضليل، يلوون ألسنتهم به ليحرفوه عن مواضعه، ويؤولون نصوصه لتوافق أهواءهم، ويشترون بهذا كله ثمنا قليلًا وعرضًا من هذه الحياة الدنيا.

 

وآفة علماء الدين حين يفسدون: أن يصبحوا أداة طيعة لتزييف الحقائق باسم أنهم رجال الدين.. وهذه الحال التي يذكرها القرآن عن هذا الفريق من أهل الكتاب، يعرفها الكثير جيدًا في زماننا هذا، فهم يؤولون نصوص القرآن، ويلوونها ليًّا، ليصلوا منها إلى مقررات معينة، يزعمون أنها مدلول هذه النصوص، وأنها تمثل ما أراده الله منها. بينما هذه المقررات تصادم حقيقة دين الله في أساسها. معتمدين على أن كثرة السامعين لا تستطيع التفرقة بين حقيقة الدين ومدلولات هذه النصوص الحقيقية، وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبة.

 

ونحن اليوم كمسلمين في حرب غزة، قد عرفنا هذا النموذج في بعض الرجال الذين ينتسبون إلى الدين الإسلامي ظلما! الذين يحترفون الدين، ويسخرونه في تلبية الأهواء كلها؛ ويحملون النصوص ويجرون بها وراء هذه الأهواء حيثما لاح لهم أن هناك مصلحة تتحقق، وأن هناك عرضا من أعراض هذه الحياة الدنيا يحصل! يحملون هذه النصوص ويلهثون بها وراء تلك الأهواء، ويلوون أعناق هذه النصوص ليًّا لتوافق هذه الأهواء السائدة؛ ويحرفون الكلم عن مواضعه ليوافقوا بينه وبين اتجاهات تصادم هذا الدين وحقائقه الأساسية.

 

هؤلاء الذين كانوا يملؤون سماوات الإعلان والصحافة ضجيجًا ويدعون أنهم أعلم أهل الأرض بالأحاديث النبوية، ويتهمون العلماء الحقيقين بالجهل، ويجيشون من ورائهم الملايين من عامة المسلمين حراسًا لفكرهم يزاولون الصد ونقل ونشر هذا الباطل بدون وعي منهم أو أدنى عقل.

__________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى