منذ حوالي ساعة
اقض الحوائج ما استطعت
وكن لِهمِّ أخيك فارجْ
فلخير أيام الفتى
يوم قضى فيه الحوائجْ
د. شريف فوزي سلطان
قال ابن شبرمة رحمه الله: “إذا طلبت من أخيك حاجة فلم يُجهد نفسه في قضائها فتوضأ وضوؤك للصلاة وكبّر عليه أربع تكبيرات وعدّه في الموتى!!”.
ألا ما أكثر الموتى في نظر ابن شبرمه!! إنهم موتى القلوب لا موتى الأبدان.
قال الحسن: لأن أقضي لمسلم حاجة أحبّ إلىّ من أن أصلى ألف ركعة!! لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تدَاعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى» ” [رواه البخاري ومسلم].
• علاقة السعادة بقضاء حوائج الناس:
في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ” «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» “.
وقال صلى الله عليه وسلم ” «من كان في حاجة أخية فإن الله في حاجته» ” [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
فتخيل أن الله تعالى هو الذي يقضي لك حاجتك فهل تبقى لك حاجة لا تُقضى؟ فوقتك الذي تنفقه في قضاء إخوانك لا يذهب سُدىً فأنت تتعامل مع الكريم ذي الفضل العميم تعطى عطاء محدوداً والله يعاملك بلا حدود ولم يكن بينك وبينه سدود.
أنت تُقّدم والله هو الذي لك يُقدّم!!
في صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: ” «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة» ” [رواه مسلم].
“من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا” تسعى له في عمل – ترفع عنه ظلماً – تداويه في مرض – تُحضر له طبيباً – تقف معه في مصيبته – تحاول تخفيفها عنه – تقضى عنه دينه – تعاونه في زواجه أو زواج ولده أو ابنته – تديم السؤال عنه.
“نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة” وكربات يوم القيامة شديدة عظيمة – حشر ونشر وسؤال وحساب وثواب وعقاب وجنة ونار. قال الله تعالى: { ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾} [الحج: 1، 2].
وقال تعالى: {﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾} [الفجر: 21- 26]
وقال تعالى: { ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾} [القيامة: 7 – 13].
وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام:” «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم» ” [متفق عليه].
كُرَبٌ عظيمة. فمن كان فرج عن مؤمن كربة من كربات الدنيا فرج الله عنه في هذا اليوم العظيم الغم والكرب فمن كان ” يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه ” فليفرج كرب المكروبين ويقض الحاجات عن المحتاجين فمن يسّر على مُعْسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
• قضاء حوائج الناس أفضل من الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
يقول عليه الصلاة والسلام: ” أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مُسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضى عنه دِيْناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشى مع أخ لي في حاجةٍ أحبُّ إلىّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً ” يريد مسجد المدينة [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وابن عساكر وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة].
• قضاء حوائج الناس وبذل المعروف لهم سبب لحسن الخاتمة:
يقول عليه الصلاة والسلام:” «صنائع المعروف تقى مصارع السوء والآفات والمهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة » “[رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني في صحيح الجامع.]
• خدمة الناس وقضاء حوائجهم تجذب أفئدتهم وتستميل قلوبَهم:
وهذا مطلب شرعي ففي الحديث: ” « المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس» ” [رواه الدارقطني وانظر صحيح الجامع].
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ♦♦♦ فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
• من المصائب عند أهل الصلاح وذوى الهمم العالية عدم قصد الناس لهم في حوائجهم:
قال حكيم بن حزام: ” ما أصبحت وليس على بابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب “.
فماذا عن حالنا؟ فلتبك البواكي؟ قلّ العاملون لله!!
أكثر الناس لا يتحركون إلا لمصالحهم وذواتهم وإن تحرك أحد لغيره فلا يتحرك إلا لشيئين:
لردّ جميل سابق وانتظار جميل قادم
أو لرشوة مدفوعة سابقة.
وترتب على ذلك: صعوبة الحياة وانتزاع البركة وانتشار الفساد والأمراض فمتى تصحو الضمائر؟ ومتى يظهر التعامل لله وحده؟
• خدمة الناس من صفات الأنبياء خير الناس:
فالكريم يوسف عليه الصلاة والسلام: مع ما فعل به إخوته جهزهم بجهازهم وعاونهم وعفا عنهم وغفر لهم.
موسى عليه السلام: لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين رفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.
وها هي خديجة رضي الله عنها تقول لزوجها صلى الله عليه وسلم: كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتُقرى الضيف وتعين على نوائب الحق”..
فكان عليه الصلاة والسلام: «إذا سُئل حاجة لا يرد السائل عن حاجته: يقول جابر: ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال: لا» “[رواه البخاري ومسلم].
• وعلى هذا النهج سار الصحابة والصالحون:
كان عمر رضى الله عنه: يتعاهد الأرامل ويأتي لهن بالماء.
وكان أبو وائل يطوف على نساء الحىّ وعجائزهن كل يوم فيشترى لهن حوائجهن وما يصلحهن.
في الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ” كان تاجر يُداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه”» [في الصحيحين عن أبى هريرة].
بعث الحسن البصرى قوماً من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مُرُّوا على ثابت البُناني فخذوه معكم فأتوا ثابتاً فقال: أنا معتكف فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال: قولوا للأعمش: أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة فرجعوا إليه فترك اعتكافه وذهب معهم”..
اقض الحوائج ما استطعت
وكن لِهمِّ أخيك فارجْ
فلخير أيام الفتى
يوم قضى فيه الحوائجْ
النصيحة:
• حاول كل يوم أن تقضي حاجة لأخ من أخوتك ولو بالسؤال عنه أو الدعاء له.
Source link