الأحد اسم من أسماء الله الحسنى، ومعنى الأحد؛ أي: واحد في ذاته، فهو وصف لله بالوحدانية؛ وفيه كذلك نفي الشركاء عنه سبحانه.
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 – 4].
عدد آياتها: أربع آيات، وهي مكية في قول الجمهور.
أسماؤها: سورة الإخلاص كما في سنن الترمذي وسنن النسائي وورد في الزهد لأحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما من قوله موقوفًا: قَالَ: إِنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. قال السيوطي في الإتقان (1 /197): وسورة الْإِخْلَاصِ تُسَمَّى الْأَسَاسَ لاشْتِمَالِهَا عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَهُوَ أَسَاسُ الدِّينِ؛ انتهى.
وسورة الإخلاص دالة على حقيقة الإخلاص؛ فهي آمرة بالتوحيد الخالص، وتنزيه الله تعالى عما لا يليق به.
[سبب نزول السورة]:
أخرج الترمذي (3364) وأحمد (21219) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} فَالصَّمَدُ: الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَمُوتُ وَلا يُورَثُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلا عِدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
[مناسبة[1] السورة لما قبلها]
قبلها سورة تبَّتْ: وتسمى سورة المَسَد؛ وقد ذكر الله فيها أبا لهب وامرأته اللذين حاربا دعوة التوحيد بكل ما استطاعا من سُبُل وحيل، وتَمَسَّكا بالشرك وعبادة الأوثان والأصنام؛ فكانا من أهل النار، فجاءت سورة الإخلاص لتأمر الناس بالتوحيد ونبذ الشرك والبراءة منه، وأن الله تعالى ليس له كفء ولا عِدْل ولا شبيه، وأن ذلك سبيل النجاة من النار.
قال السيوطي: وقد توازنت السورتان فِي اللَّفْظِ في آخر تَبَّتْ وَأَوَّلِ الْإِخْلَاصِ؛ [راجع الإتقان للسيوطي (3 /381)].
مناسبة السورة لما بعدها:
بعد أن بينت سورة الإخلاص صفات الله تعالى، وأنه لا مثيل له، ولا نِدَّ له، ولا مكافئ له؛ جاءت بعدها سورة الفلق لتأمر بالاستعاذة برب الفلق؛ أي: الصبح، يعني من شر الصبح إذا انفلق نوره، ومن شر الليل وظلامه، ومن شر الخلق أجمعين؛ لأنه سبحانه وحده القادر على جلب النفع ودفع الضر؛ فهو وحده الإله القادر الذي لا يغلب؛ لأنه لا نِدَّ له ولا كفء له.
من مقاصد السورة:
1- الدعوة إلى توحيد الله تعالى والبراءة من الشرك والكفر.
2- بيان صفة الرحمن سبحانه وتعالى.
3- تنزيه الله تعالى عن صفات النقائص فلم يلد ولم يولد، ولا ولد له ولا صاحبة له؛ تنزَّه سبحانه وتقدَّس.
4- نفي مماثلة ومشابهة الله تعالى لخلقه.
5- صفات الله توقيفية؛ ففي السورة أثبت الله لنفسه بعض الصفات؛ وبعض الصفات نفاها الله عن نفسه.
فضائل سورة الإخلاص:
ورد في فضل سورة الإخلاص نصوص عديدة:
1- أخرج البخاري معلقًا (1 /155) ووصله الترمذي (2901) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ: بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، فَقَالَ: «يَا فُلانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ».
2- أخرج البخاري (7375) ومسلم (813) عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ» ؟»، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ».
وأخرج الترمذي (2897) والنسائي في الكبرى (1068) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ»، قُلْتُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «الجَنَّةُ».
3- تعدل ثُلث القرآن:
أخرج مسلم (811) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟»، قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؛ قَالَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ».
وأخرج الترمذي برقم (2896) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ مَنْ قَرَأَ: اللَّهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ».
وأخرج مسلم برقم (812) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ} حَتَّى خَتَمَهَا.
توجيه العلماء لكون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن:
قال الخطيب الشربيني الشافعي في تفسيره السراج المنير(4 /610): فإن قيل: لم كانت تعدل ثلث القرآن؟ أجيب: بأن القرآن أنزل أثلاثًا: ثلث أحكام، وثلث وعد ووعيد، وثلث أسماء وصفات، فجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات.
مواضع كان يقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بسورة الإخلاص:
(1) الْقِرَاءَة فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ؛ أي: راتبة الفجر:
أخرج مسلم برقم (726) وأبو داود (1256) والنسائي (945) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}.
القراءة في ركعتي الطواف:
أخرج مسلم في صحيحه برقم (1218) من حديث جابر رضي الله عنه: ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فصلى ركعتين، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
التحصن بقراءة سورة الإخلاص:
أخرج البخاري (5017): عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
تفسير قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}:
فالأحد اسم من أسماء الله الحسنى، ومعنى الأحد؛ أي: واحد في ذاته، فهو وصف لله بالوحدانية؛ وفيه كذلك نفي الشركاء عنه سبحانه.
والمعنى في الآية: أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن ينادي بتوحيد الله ويدعو الناس إليه؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الله في أسمائه وصفاته؛ قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وعليه فالآية بيان لأحدية الله تعالى، وداعية إلى توحيده سبحانه، وإفراده بالتوحيد، ونفي الشريك عنه سبحانه.
تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}:
الصمد اسم من أسماء الله الحسنى، ورد في معناه عدة أقوال كلها صحيحة؛ فقد أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الصمد) قال: السيد الذي قد كمل في سؤدده[2].
وورد في تفسير مجاهد ص760 عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: {الصَّمَدُ} «السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ»[3].
وقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: {الصَّمَدُ}: الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدَدُهُ»[4]؛ أي: له منتهى السؤدد والشرف والعظمة.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الصَّمَدُ}: الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ»[5]؛ أي: يقصدونه فِي حَوَائِجِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ.
وقال الحسن في قول الله: {الصَّمَدُ}: الذي يصمد إليه في الحوائج، ثم تلا هذه الآية: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].
وعَنْ مُجَاهِدٍ وعكرمة: {الصَّمَدُ}: الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ[6].
وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: {الصَّمَدُ}: الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ شَيْءٍ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ»[7].
وأخرج عبدالرزاق في المصنف (3736): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {الصَّمَدُ}: «الدَّائِمُ».
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ: «الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ الدَّائِمُ»[8].
وقَالَ قَتَادَةُ: الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26][9].
وقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14][10].
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ[11].
تفسير قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}:
قوله سبحانه: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} فيه بيان لبعض الصفات التي نفاها الله عن نفسه سبحانه؛ وهي نسبة الولد والوالد لله سبحانه، فالله تعالى منزه عن ذلك، وعن كل صفات النقائص والمعايب، فصفات الله لا نقص فيها ولا عيب، فهو الغني سبحانه، وفي الآية رد على زعم النصارى وقولهم: إن الله تعالى اتخذ الصاحبة والولد؛ قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 88 – 95].
وقال: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116]، وقال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]
وقال سبحانه: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101]، وقال سبحانه حاكيًا قول الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3].
قال البخاري (4974): حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: {قال الله تعالى: كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أولُ الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحدُ الصمد، لم أَلِدْ ولم أُولَد، ولم يكن لي كفوًا أحد}.
وورد في تفسير مقاتل بن سليمان (4 /629): {لَمْ يَلِدْ} فيورث، {وَلَمْ يُولَدْ} فيشارك، وذلك أن مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الرحمن، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله عز وجل فبرأ نفسه من قولهم، فقال: {لَمْ يَلِدْ} يعني لم يكن له ولد، {وَلَمْ يُولَدْ} كما ولد عيسى وعزير ومريم، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} يقول لم يكن له عِدْل ولا مثل من الآلهة، تبارك وتعالى علوًّا كبيرًا.
تفسير قوله تعالى: [﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾:
ومعنى قوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}؛ أي: ليس له كفء، والكفء: المثل؛ والله تعالى لا مثيل له ولا شبيه ولا نظير ولا عديل ولا شريك؛ فلا مثل له في ربوبيته، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله سبحانه، فهو المتفرد في ربوبيته، فلا ربَّ غيره، فهو الخالق المالك المدبر؛ وهو سبحانه المتفرد في أسمائه وصفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فمن أثبت الربوبية لغير الله كفر، ومن عبد غير الله كفر، ومن شبه الله بخلقه كفر، أو شبه الخلق بالله كفر؛ لأنه ليس في المخلوقين من يحيط علمًا بالله ولا بحقيقة صفاته وكيفيتها، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].
وعليه، فالله تعالى منزه عن المثال، قال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74].
قال ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز (3 /409): وقوله {فَلا تَضْرِبُوا}؛ أي: لا تمثلوا لله الأمثال، وهو مأخوذ من قولك: ضريب هذا؛ أي مثله؛ انتهى.
والخلاصة أن أهل السنة يصفون الله بما وصف به نفسه بغير تشبيه أو تمثيل أو تكييف، يؤمنون بالمعنى، ويفوضون في الكيف، وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه؛ لِأَنَّهُ سبحانه الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
والله وحده من وراء القصد
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه.
[1] علم الْمُنَاسبَة: علمٌ يبْحَث فِي الْمعانِي الرابطة بَين الْآيَات بَعْضها بِبَعْض، وَبَين السُّور بَعْضها بِبَعْض، حَتَّى تُعرف عللُ تَرْتِيب أَجزَاء الْقُرْآن الْكَرِيم؛ [مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور ص 18 للباحث عادل بن محمد أبو العلا].
[2] جامع البيان (24 / 692).
[3] أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3739).
[4] التوحيد لابن منده (2/ 62).
[5] التوحيد لابن منده (2/ 62).
[6] تفسير مجاهد ص 760، ومصنف عَبْد الرَّزَّاقِ (3737).
[7] التوحيد لابن منده (2/ 62).
[8] التوحيد لابن منده (2/ 62).
[9] مفاتيح الغيب (32/362).
[10] مفاتيح الغيب (32/362).
[11] مختصر ابن كثير للصابوني (2/ 693).
________________________________________________
الكاتب: أبو عاصم البركاتي المصري
Source link