من القضايا الواسعة التي ضيقها الإنسان على نفسه قضية الرزق حصرها الإنسان وقصرها في أن يكون لدى الإنسان مالاً
أيها الإخوة الكرام: إن من القضايا التي شغلت الإنسان على مر الزمان قضية الرزق
{﴿ فَأَمَّا ٱلْإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكْرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَكْرَمَنِ ﴾﴿ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَهَٰنَنِ ﴾ } من القضايا الواسعة التي ضيقها الإنسان على نفسه قضية الرزق حصرها الإنسان وقصرها في أن يكون لدى الإنسان مالاً وفيرا، وبهذا ضيق الإنسان واسعاً، إذ المال رزق، والصحة رزق، والولد رزق، والزوج الصالح رزق، وحسن الجوار رزق، الرحم الموصولة رزق، والعلم رزق، والقبول رزق، ومحبة الناس لك رزق، والهداية إلى فعل الخيرات وترك المنكرات رزق..
﴿….. { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَٰتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} ﴾
من لطف الله تعالى بعباده أنه لم يجعل رزق إنسان بيد إنسان، الله وحده الرزاق قال الله تعالى {﴿ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ ﴾}
هو وحده الذي يملك، وهو وحده الذي بيده أرزاق الخلق ولا أحد غيره، ولو كانت الدنيا بحذافيرها بيد بشر ما سقى منها إنساناً شربه ماء {﴿ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّىٓ إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ قَتُورًا ﴾}
سبحان الله العظيم الرزاق الكريم يرزق الطير في الهواء ويرزق الحوت في الماء ويرزق الدودة تحت الحجر، ويرزق الجنين في بطن أمه من غير حول منه ولا قوة..
{ ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ } من الروايات التي وردت عن بني إسرائيل ويصح الاستئناس بها عند تفسير قول الله عز وجل في شأن سيدنا سليمان ( يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء) ويستأنس بها أيضاً عند قول الله تعالى ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)
ما ورد أن أحد الحجارين على عهد سيدنا سليمان كان يعمل بتكسير الحجارة ففي يوم من الأيام كسر الحجار حجراً فوجد في الحجر دودة صغيرة ووجد عندها طعاماً وشراباً فتعجب الحجار وجاء بهذه الدودة إلى سليمان عليه السلام وقص عليه خبرها..
وكان سليمان يعرف لغة الطير والحشرات والجن قد خصه الله تعالى بهذا العلم..
فسأل سليمان الدودة قال من أين يأتيك طعامك وشرابك داخل الحجر؟ قال: من الله سبحانه وتعالى..
قال كم تأكلين في السنة وكم تشربين؟
قالت آكل في السنة حبة وأشرب في السنة قطرة..
فأمر سليمان بصندوق من زجاج فوضعت فيه ومعها من الطعام حبة ومن الماء قطرة..
وبعد عام بالتمام فتح عليها فوجدها أكلت نصف الحبة وشربت نصف القطرة..
فقال مالك أكلت نصف الحبة، وشربت نصف القطرة؟
قالت: كان أمري إلى الله فكنت آكل الحبة وأشرب القطرة لأن الله لا ينساني، فلما صار أمري إليك أكلت نصف الحبة وشربت نصف القطرة خشيت أن تنساني.. .
﴿ قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلْأُولَىٰ ﴾﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَٰبٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنسَى ﴾
من القضايا المحسومة قضية الرزق
ونحن في بطون أمهاتنا كما كتبت آجالنا وكما كتبت أعمالنا وأحوالنا من بين شقي وسعيد كتب أيضاً أرزاقنا..
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ- قالَ: إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ » …»
وهنا يأتي سؤال
هل يطرأ على الأرزاق التي كتبت لنا ونحن في بطون أمهاتنا تعديل؟
هل يمكن لهذه الأرزاق أن تزداد؟ وهل يمكن لهذه الأرزاق أن تنقص؟
هل يمكن للإنسان أن يتدخل في رزقه الذي كتب له في بطن أمه فيزيد منه أو ينقص منه؟
والإجابة: لا..
هذه الأرزاق التي كتبت لنا ونحن في بطون أمهاتنا لا تزيد ولا تنقص لأنها مقادير مبرمة لا يطرأ عليها تعديل..
لكن من المقادير مقادير معلقة على شرط، ومن الأرزاق أرزاق معلقة على شرط، هذه الأرزاق المعلقة على شرط ربما تزداد وربما تنقص، ويمكن للإنسان أن يتدخل في رزقه المعلق فيزيد منه أو ينقص منه..
الدليل: على أن المقادير المعلقة والأرزاق المعلقة تتغير بالخير الذي نفعله قول الله عز وجل {﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ﴾}
دليل من السنة قول النبي عليه الصلاة والسلام «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
والمعنى: أن من الأرزاق منحاً يتحصل عليها الإنسان بإيمانه وتقواه وحسن أخلاقه.
أما الدليل على أن المقادير المعلقة والأرزاق المعلقة تتغير بالشر الذي نقع فيه فهو قول النبي عليه الصلاة والسلام « إياكم والمعاصي فإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيئ له»
ثم يقرأ قول الله عز وجل {﴿ إِنَّا بَلَوْنَٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا۟ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾﴿ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ ﴾﴿ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ ﴾}
الهدف من حديث اليوم : بيان أن الأعمال الصالحة تزيد العمر عمراً جديداً إضافياً ، وتزيد الرزق رزقاً جديداً إضافياً ..
وأن الذنوب والمعاصي تُذهب الأرزاق المعلقة، وتمحق بركة العمر “إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه” كما قال النبي عليه الصلاة والسلام
نسأل الله العظيم أن يجعل حظنا من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال النصيب الأوفر إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية .
بقى لنا في ختام الحديث عن الأرزاق التي كفلها الله تعالى وضمنها وفتح أبوابها وزادها ووسع فيها ببركة الإيمان والعمل الصالح بقى لنا أن نقول:
كما أن من الأرزاق أرزاق معلقة من الأرزاق أرزاق مخفية..
ونقصد بالرزق الخفي (البركة) نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك أنفسنا وأعمالنا وأموالنا وأولادنا وازواجنا …
إذا وجد هذا الكنز في بيتك كان بيتك أسعد بقعة على وجه الأرض، إذا وجد هذا الكنز في مالك كنت أغنى أغنياء العالم، إذا كان لهذا الكنز محلا في زوجك وأولادك كانوا قرة عين لك..
( البركة) قد لا نراها بأعيننا، قد لا نستطيع أن نتلمسها بأيدينا، لكننا نراها بقلوبنا، ونتحسسها بأرواحنا.. ومن هنا سميت البركة ب ( الرزق الخفي)
البركة هي الزيادة، هى الفيض، هي الخير الذي يجعله الله في القليل فيكثره، وفي الحقير فيعظمه، ومن هنا قيل إن الشيء المبارك هو الذي ينتفع به أينما حل ومنه قول سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام { {وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } }
البركة تكون في طعام الإنسان فتشبعه، وتكون البركة في شراب الإنسان فترويه، وتكون البركة في علم الإنسان فتنفعه، وتكون في أرضه وبيته وماله الحلال نماء واتساعا..
إذ البركة نعمة لا تشترى، ولا تكترى، هى نعمة يصيب بها رب العالمين من يشاء ويصرفها عمن يشاء، ويضعها حيث شاء، وينزعها من حيث شاء، ما وضعت البركة في قليل إلا كثرته، وما وضعت البركة في ولد إلا أصلحته، وما وضعت البركة في زرع إلا ثمرته، وما وضعت في بيت إلا وسعته وأسعدته..
إذا حلت البركة في شيء حلت معها القناعة والسعادة والكفاية والزيادة..
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : « «قَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَضَرَتِ الْعَصْرُ، وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ : ” حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوَضُوءِ، الْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ »» “.
نسأل الله العظيم أن يبارك أعمالنا وأعمارنا وأرزاقنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير…
Source link