المال والبنون والباقيات الصالحات – محمد سيد حسين عبد الواحد

تأتي على رأس النعم التي يحبها ابن آدم حباً كبيراً نعجز عن وصفه ( نعمة المال ونعمة الولد).

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين
أيها الإخوة الكرام: 
تأتي على رأس النعم التي يحبها ابن آدم حباً كبيراً نعجز عن وصفه ( نعمة المال ونعمة الولد). 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدي أولادنا وأن يبارك في أرزاقنا وأن يصلح أحوالنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.. 

أحد أعظم وأبلغ وأنفع سور القرآن الكريم سورة الكهف ورد فيما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال « من قرأ سورةَ ( الكهفِ ) في يومِ الجمعةِ أضاء له من النورِ ما بين الجمُعَتَين» 

ومن فضائل سورة الكهف وفي الصحيح أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام « من حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ » 

  بين آيات هذه السورة الكريمة، سورة الكهف آية هي الأصل في حديثنا اليوم عن نعمة المال والولد.. 

يقول الله سبحانه وتعالى: { ﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾}

 الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا:
أما المال فهو زينة من زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالاً ونفعاً، وأما البنون فالبنون زينة الحياة الدنيا لأن في البنين قوةً ودفعًا.. 

وقُدم المال على الولد في سياق الآية فقيل { ﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ﴾} رغم أن الولد أعز من أموال الدنيا ل(سبب) وهو أن المال زينة ولو كان المال بلا ولد،  أما الولد فلا يُتزين به إلا إذا كان مع الولد مال،  وإلا كان الولد عبئاً،  ولذلك سمي الوالد الفقير عائلاً.. 

من أجل ذلك جمع الله بين المال والولد معاً هنا وفي مواضع أخري.. 

هنا في سورة الكهف قال: {﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾}

وفي سورة آل عمران قال: {﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ ﴾}

وجمع الله تعالى بين المال وبين الولد بعد ذلك في أربع وعشرين موضعاً من القرآن الكريم، في جميع المواضع قدم الله المال على الولد إلا في موضعين اثنين.. 

في بيان واضح أن المال زينة وأن الولد زينة وأنهما يُتزينُ بهما قال الله تعالى:   {﴿ ٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌۢ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمًا ۖ وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ ۚ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴾}

وهنا يأتي سؤال يقول: 
متى يكون المال زينة؟  
ومتى يكون الولد زينة؟ 
يكون المال زينة إن جُمع المال من حلال، وأنفق بعد ذلك في حلال فنعم المال الصالح للرجل الصالح الذي يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً.. 

وأما الولد.. فالولد زينة إن كان ولداً صالحاً، الولد زينة إن أحسن الوالد التأديب والتهذيب والتربية لولده ، وقَدِيمًا كَانَ الْحُكَمَاءُ يَقُولُونَ: “مَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ صَغِيرًا سَرَّهُ كَبِيرًا”

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يتخول ولده وولد ولده وأولاد الصحب الكرام بالحديث إليهم تهذيباً ونصحاً وتوجيهاً منذ نعومة أظفارهم.. 

 فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَقَالَ: « “يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ”» (الترمذي وصححه الألباني).

وَلَمْ يَبْدَأِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ دَيْدَنَهُ مَعَ كُلِّ غُلَامٍ قَابَلَهُ؛ فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ « أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْدَفَهُ، فَقَالَ: “يَا فَتَى أَلَا أَهَبُ لَكَ؟ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنْ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلَائِقَ لَوْ أَرَادُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَا”» (الطبراني في الكبير)

سعْي الإنسان لأن يُهذب ولده ويؤدّبه ويُقوّمهُ من خلال الكلمة الطيبة،  ومن خلال النصح والتوجيه ومن خلال القدوة الحسنة التي يقتدي بها الولد،  فالولد من أبيه،  والولد ظل أبيه، وصورة مصغرة منه، ولا يستقيم الظل إذا كان العود أعوج.. 

كل هذا ما هو إلا أخذ بالسبب والهداية بعد ذلك بيد الله تعالى.. 

سيدنا نوح عليه السلام كان رسولاً نبياً وأوتي من العلم والإخلاص ما أوتي ورغم ذلك كان أحد أولاده فاسداً… 

{﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَٰكِمِينَ ﴾﴿ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍ ۖ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ إِنِّىٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ }

فلاح الولد ونجاحه لا يعني أن والده نجح في تأديبه وتهذيبه وعمل ما لا يُعمل بقدر ما هو توفيق من الله تعالى وكذلك فساد الولد لا يعني تقصيراً من والده إنما يعني أن على الإنسان أن يعمل ما عليه ثم إن النتائج والعواقب بعد ذلك بيد الله سبحانه وتعالى..  {﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾}

فسد احد أولاد سيدنا نوح، كفر بالله تعالى، وعمل من المنكرات أعمالاً فما كان من سيدنا نوح إلا أن دعاه ودعا له ولم يزل يذكره ويرجو الخير له حتى نُهي عن ذلك: {﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْـَٔلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِۦ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِىٓ أَكُن مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾}

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول: 
في قول الله عز وجل {﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾} تعبير دقيق وبديع فالمال والولد (زينة) لكن ليس المال قيمة، وليس الولد قيمة ، ولذلك لا يصح أن توزن بالأموال ولا بالأولاد أقدار الناس، لأنهما قد يتحولان من نعمة إلى نقمة وقد يذهبان.. 

إنما توزن أقدار الناس بالإيمان والعمل الصالح، كما قال- تعالى- {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾}  

لما كان إيمان العبد، ولما كان عمله الصالح، هو الأصل في رفع أقدار الناس فجائت الآية بهذا السياق ﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ  ﴾ وجاء التعقيب منه- سبحانه- بقوله: {{ وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا } }

قد يكون المال نعمة مال صالح لرجل صالح ك( مال أبي بكر ). 

وقد يكون المال نقمة ك(مال قارون) 

وكذا الولد قد يكون نعمة إن كان على حال من الصلاح،  وقد يكون الولد نقمة { ( والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) }

أما الباقيات الصالحات فإنها تبقى ولا تذهب، تبقى ولا تضيع { وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا } 
 
الأقوال الطيبة، والأعمال الحسنة، هي الباقيات الصالحات، التي تبقى ثمارها للإنسان، وتكون عند الله- تعالى- خَيْرٌ من الأموال والأولاد، ثوابا وجزاء وأجرا وَخَيْرٌ أَمَلًا حيث ينال بها صاحبها في الآخرة ما كان يؤمله ويرجوه .. 

 قال ابن عباس والباقيات الصالحات هن : الصلوات الخمس.

وقال الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ هن : قول المؤمن سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.. .

وقيل : الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ لفظ عام، يشمل كل قول، أو عمل يرضى الله- عز وجل- ويدخل فيهن : الصلوات الخمس،  والذكر،  والدعاء،  وتلاوة القرآن،  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعانة الضعيف وإغاثة اللهفان..  العمل الصالح فقط هو الذي يبقي فلا يذهب،  هو وحده الذي يقبله الله تعالى بالقبول الحسن ويربيه وينميه.. 

ذُبح في بيت رسول الله شاة فسلخوها وجهزوها وتصدقوا بجميع لحمها إلا الكتف الأيمن تركوه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ كان يحب أن يأكله.. 

فلما رجع رسول الله سأل:  كم بقي منها؟  قالوا تصدقنا بجميعها فلم يبقى إلا كتفها!! 
فقال صلى الله عليه وسلّم بل بقيت إلا كتفها.. 

ذلك أن الإنسان يقول مالي مالي وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدق فأبقى.. 

  {{ وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا }}  
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين،  وأن يوسع أرزاقنا وأن يصلح أحوالنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها… آمين.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

في الزوايا خبايا – طريق الإسلام

فلا تتطاول على من حولك، وخفِّف الوطء، فلا يعلم أقدار الناس إلا ربُّ العالمين، ولله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *