يموج العالم الإسلامي بأحداث جسام، بدأت بأحداث غزة، ثم جاءت أحداث سوريا التي ما كان يتوقعها أحد، وهنا خرجت أطراف تندد بذلك، وتتهم السوريين بالخيانة وأنهم قاموا بذلك خدمة لإسرائيل وأنهم عملاء لها.
يموج العالم الإسلامي بأحداث جسام، بدأت بأحداث غزة، ثم جاءت أحداث سوريا التي ما كان يتوقعها أحد، وهنا خرجت أطراف تندد بذلك، وتتهم السوريين بالخيانة وأنهم قاموا بذلك خدمة لإسرائيل وأنهم عملاء لها.
ولكن مراد الله ومشيئته فوق قول البشر.
قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].
لذلك لا بد للمؤمن أن يتبع منهج الله في فهم مراد الله في هذه الأحداث، ولا يقع فريسة قيل وقال من الجهال الذين هم في خوض يلعبون.
لقد شاءت حكمة الله وبره بالمؤمنين، أن يميزهم من المنافقين، الذين اندسوا في الصفوف، تحت تأثير ملابسات شتى، ليست من حب الإسلام في شيء، فابتلاهم الله هذا الابتلاء – في هذه الأحداث التي سردناها على عجالة في المقدمة- بسبب من تصرفاتهم وتصوراتهم، ليميز الخبيث من الطيب.
وهكذا تستقر القلوب، وتطمئن النفوس، وتستقر الحقائق الأصيلة البسيطة في التصور الإسلامي الواضح المستقيم؛ لذلك قال الله تعالى في كتابه الكريم: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179].
ويقطع النص القرآني بأنه ليس من أمر الله – سبحانه – وليس من مقتضى ألوهيته، ولا مقتضى سننه الكونية، أن يدع الصف المسلم مختلطا غير مميز؛ يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان، ومظهر الإسلام، بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان، ومن روح الإسلام.
فقد أخرج الله الأمة المسلمة لتؤدي دورًا كونيا كبيرًا، ولتحمل منهجًا إلهيا عظيمًا، ولتنشئ في الأرض واقعًا فريدًا، ونظامًا جديدًا… وهذا الدور الكبير يقتضي التجرد والصفاء والتميز والتماسك، ويقتضي ألا يكون في الصف خلل، ولا في بنائه دخل.. وبتعبير مختصر يقتضي أن تكون طبيعة هذه الأمة من العظمة بحيث تسامي عظمة الدور الذي قدَّره الله لها في هذه الأرض؛ وتسامي المكانةَ التي أعدها الله لها في الآخرة.
وكل هذا يقتضي أن يُصهر الصف ليخرج منه الخبث، وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة، وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر… ومن ثم كان شأن الله – سبحانه – أن يميز الخبيث من الطيب، ولم يكن شأنه أن يذر المؤمنين على ما كانوا عليه قبل هذه الرجة العظيمة، كما حدث في أحد!
إن الذين ركبوا موجة الجهاد وأوهموا المسلمين أنهم يقومون بذلك نصرة لأهل غزة، وهم يدعون إلى غير الله، وحرفوا وبدلوا في عقيدة الإسلام، لتحقيق مآرب قومية أو وطنية، لإعلاء هوى أنفسهم القومي، ويتخذون الدين وسيلة، وهم أبعد عن توحيد الله، ومنهجه.
وما كان الله تعالى ليعطى أحدًا من المؤمنين، علم الغيب الذي به يعرفون المؤمن من المنافق، إذ علم ذلك له وحده، ولكنه- سبحانه- يصطفى من رسله من يشاء فيطلعه على بعض الغيوب.
وأمام مشهد الحقيقة متجلية بسيطة مريحة، يدعو الله تعالى المؤمنين أن يحققوا في ذواتهم مدلول الإيمان ومقتضاه، ويعدهم بفضل الله العظيم، الذي ينتظر المؤمنين.
فأمر الله تعالى عباده أن يثبتوا على الإيمان، وبشرهم بالأجر العظيم إذا هم استمروا على ذلك؛ قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179].
________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى
Source link