أول جمعة في شعبان – محمد بن إبراهيم السبر

منذ حوالي ساعة

شَهْرُ شَعْبَان كَالْمُقَدَّمَةِ لِرَمَضَانَ، وَلَا بُدَّ فِي الْمُقْدِمَةِ مِنَ التهيئة شرع فِيهِ مِنَ الْقُرْبَاتِ مَا يُهَيِّئُ النُّقُوسَ لِلإِقْبَالِ عَلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَجْتَهِدُونَ فِي شَعْبَانَ؛ فَيُكْثِرُونَ مِنْ تِلاوَةِ الْقُرْآنِ

الْحَمْدُ للهِ، على جزيل النَّعْمَاءِ، وَالشَّكْرُ لَهُ عَلَى تَرَادُفِ الْآلَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ذُو الْمَنِّ وَالْعَطَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إمَامُ المُتقين، وَسَيِّدُ الأولياءِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى الهِ الأَصْفِياءِ وَصَحْبِهِ الْأَنْقِيَاءِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانِ إِلَى يَوْمِ الَّذِينَ.

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله، واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْوَقْتَ مُسْتَوْدَعَا لِلْأَعْمَالِ وَالْمَعْبُونُ مَنْ غَبِنَّ خَيْرَ الْأَوْقَاتِ، وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرم مَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ، وَإِنَّمَا تَحَيَا الْقُلُوبُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ؛ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ.

وَلَقَدْ أَظلَّكُمْ شَهْرُ شَعْبَانَ الَّذِي أَحَاطَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِشَهْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ؛ هُمَا شَهرُ رَجَبِ الْحَرَامُ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ، وَوَقَعَ فِي هَذَا الشهر أحداث عَظِيمَةً مِنْها تحويلُ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ الْمُشرفة، وفيه فُرضَ صِيَامُ رَمَضَانَ فِي السَّنةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهجرة.

وَسُمِّيَ بِشَعْبَانَ؛ لأنَّ العَرَب كَانُوا يَتَشعَبُونَ فِيهِ؛ أَيْ: يَتَفَرَّقُونَ لطلب المياه، وقِيلَ: لِتَسْعُبِهِمْ فِي غَارَاتِ الْحَرْبِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ شهرٍ رَجَبِ الْحَرَامِ؛ فهو شهرُ تَشعب الخَيْرَاتِ، وَكَانَ نَبِيُّكُمْ ﷺ يُكْثِرُ  فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ؛ فَعَنْ عَائِشة رضي الله عنها قالت: «مَا رَأَيْتُ رَسولَ الله استكمل صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ ومَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»؛ (مُتفقٌ عَليهِ)، فـ ” كَانَ صِيَامُهُ فِي شَعْبَانَ تَطَوُّعًا أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ فِيمَا سِوَاهُ، وَكَانَ يَصُومُ مُعْظَمَ شَعْبَانَ” (الفتح (٢١٤/٤).

 

وفي حديث أسامة بن زيد: قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهَ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرُ يَغْفلْ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تَرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأحِبُّ أنْ يُرْفَعَ عَمَلي وأنا صَائِمٌ»  (أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ).

وَلَمَّا كَانَ شَهْرُ شَعْبَان كَالْمُقَدَّمَةِ لِرَمَضَانَ، وَلَا بُدَّ فِي الْمُقْدِمَةِ مِنَ التهيئة شرع فِيهِ مِنَ الْقُرْبَاتِ مَا يُهَيِّئُ النُّقُوسَ لِلإِقْبَالِ عَلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَجْتَهِدُونَ فِي شَعْبَانَ؛ فَيُكْثِرُونَ مِنْ تِلاوَةِ الْقُرْآنِ، فَكَانَ عَمْرُو بْنُ قيس: إِذا دَخَلَ شَعبَانُ أَعْلَقَ تِجَارَتُهُ وتفرغ لقراءةِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ أَصْلَحَ نَفْسَهُ قَبْلَ رَمَضَانَ، وَكَانُوا إِذا دَخَلَ شَعْبَانُ يَقُولُونَ: ” هَذَا شَهْرُ الْقُرَّاءِ”.

وَشَهْرُ شَعْبَانَ يُذْكَرُ مَنْ عَلَيْهِ قضاءٌ مِنْ رَمَضَانَ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى صِيَامِهِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصُّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أن أقضيهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ»؛ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَبَادِرُوا وَفَقَكُم اللهُ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْكُمْ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ دَيْنَ الله أحق بالوفاءِ، {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخْرَ}.

وَاعْلَمُوا وَفَقَكُم الله أنْ مِنَ الْبدَعِ الْمُحْدَثَةِ الْاخْتِفَالُ بِلَيْلَةِ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَتَحْصِيصُ يَوْمِهَا بِالصِّيَامِ، وَلَيْلَتِهَا بِالْقِيَامِ وَبِبَعْض الأدعية والأذكار، فَلَمْ يُثبث في ذلِكَ حَدِيثُ عَنِ النَّبِيَ الْمُخْتَارِ.

وَمِنَ الْبَدْعِ الْمُحْدَثَةِ تُبَادِلُ رَسَائِلِ طَلَبِ الْعَفْوَ وَالْمُسَامَحَةِ لَيْلَةَ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلا يَصِحُ فِي ذلِك شَيْءٌ، وَالشَّرِيعَةُ جَاءَتْ بِالْعَفْو عَنِ النَّاسِ وَمُسَامِحَتِهِمْ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

فقه النصح والتوجيه – أحمد الهاجري

المعلم والمربي والموجه ينبغي عليه تقدير الإجابة المناسبة للسائل، ويكون التقدير مبنيا على حاجة السائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *