الصلاة قرة عيون المؤمنين – طريق الإسلام

إنَّ الصَّلاةَ قُرَّةُ العينِ؛ لأنَّها كالنَّهرِ العَذبِ الذي بهِ طهارةٌ للقَلبِ والرُّوحِ من الآثامِ والأوزارِ، فبكلِّ سجدةٍ يمحو اللهُ الخطايا، ويرفعُ العبدَ في درجاتِ الجِنانِ.

عبدَ الله:
أتدري ما أعظمُ نعيمِ أهلِ الجنةِ؟

يقولُ النبيُّ ﷺ:  «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ» [1]

إنَّ غمسةً في الجنَّةِ تُنسي شقاءَ الدنيا، إلا أنَّ نظرةً إلى وجهِ الرحمنِ أحبُّ إلى أهلِ الجنةِ من كلِّ نعيمِها وسرورِها.

وكيفَ لا يكونُ ذلكَ واللهُ هو ذو الكمالِ والجلالِ والجمالِ، ووجهُهُ أكملُ الوجوهِ وأجلُّها وأجملُها، وهو سبحانَهُ الإلهُ الحقُّ المحبوبُ الأعظمُ، الذي بهِ تَقَرُّ عيونُ الموحِّدينَ في الدُّنيا والآخرةِ.

لقدْ كانَ قُرَّةَ عينِ المؤمنينَ في الدنيا قيامُهم بين يدي ربِّهم في صلواتِهم، يُرتِّلون كتابَهُ، لهُ يركعون ويسجدون، يُناجونَهُ، ويدعونَهُ، ويَنعمونَ بقربِهِ.

يقولُ النبيُّ ﷺ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ». الألباني في صحيح سنن النسائي (٣/٥٧): «حسن صحيح».” data-original-title=”” title=””>  [2]

أتدري ما معنى قرةِ العينِ؟

قرةُ العينِ هي غايةُ المحبةِ، أنْ ترى الشيءَ فتنعمَ برؤياهُ حتى تستقرَّ عينُكَ عليهِ، لا تريدُ مفارقتَهُ لما حلَّ بكَ من السُّرورِ والنعيمِ.

ولكنْ، لماذا كانت الصَّلاةُ قُرَّةَ عينِ رسولِ اللهِ ﷺ والمؤمنينَ؟

إنَّ الصَّلاةَ قُرَّةُ العينِ لأنَّها صِلةٌ ومناجاةٌ بين العبدِ وربِّهِ ومولاهُ.

تَعالَ أُخبرْكَ عن شيءٍ من جمالِ هذه المناجاةِ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى في الحديث الإلهي:  «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي فَإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» [3].

إنَّ استشعارَ المؤمنِ أنَّهُ، وهو العبدُ المحتاجُ، الضعيفُ الصغيرُ، يُكلِّمُ اللهَ الملكَ القديرَ، الغنيَّ الكبيرَ، وهو يسمعُهُ ويُجيبُهُ ويرحمُهُ، لَهُوَ أعظمُ الأُنسِ والسُّرورِ والنَّعيمِ.

إنَّ الصَّلاةَ قُرَّةُ العينِ لأنَّها قوتُ القلوبِ وغِذاءُ الأرواحِ، وهلْ للقلبِ طُمَأْنينةٌ إلا باللهِ؟ وهلْ للروحِ حياةٌ إلا بلقاءِ اللهِ؟

واعلَمْ أنَّهُ على قَدْرِ تمامِ الصلاةِ وحضورِ قلبِكَ وروحِكَ، يكونُ حظُّكَ من القوتِ والحياةِ، واستمِع واستمتِع معي بحديثِ رسولِ اللهِ ﷺ إذْ يقول:  «أتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَإِنَّ مَثَلَ الَّذِي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ مَثَلُ الْجَائِعِ؛ لَا يَأْكُلُ إِلَّا التَّمْرَةَ وَالتَّمْرَتَيْنِ، لَا تُغَنِيَانِ عَنْهُ شَيْئًا».   [4]

ما أبلغَ هذا الوصفَ! ذاكَ الجائعُ الذي ما أخذَ حظَّهُ من صلاتِهِ، إنّه جُوعُ القَلبِ والرُّوحِ، وإذا جاعَ القَلبُ وظَمِئَتِ الرُّوحُ مرِضَ قَلبُ العَبدِ، ولرُبَّـما ماتَتْ روحُهُ.

إنَّ الصّلاةَ قُرّةُ العينِ؛ لأنَّها الراحةُ الحقيقيةُ من كلِّ نَصَبِ الدنيا وكدَرِها، ومن أذى الناسِ وتنغيصِهم.

قال ربُّنا لنبيِّه ﷺ:  «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» [الحجر: ٩٧-٩٨].

أَوَلَمْ يبلُغْكَ قولُ النبيِّ ﷺ لبلالِ بنِ رباحٍ رضيَ اللهُ عنهُ:  «قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»؟  [5].

أَرِحْنا بالصَّلاةِ! أَرِحْنا بمناجاةِ ربِّنا ومولانا الذي يُجيرُ ولا يُجارُ عليهِ، الذي يُجيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ، ويكشِفُ السُّوءَ، ويُغيثُ الملهوفَ، ويُنجي المكروبَ.

إنَّ الصَّلاةَ قُرَّةُ العينِ؛ لأنَّها النورُ، نورُ القلبِ ونورُ السبيلِ، نورٌ للمؤمنينَ في الدنيا في قلوبِهم وبصائرِهم، وفي القبرِ، ويومَ القيامةِ.

يقول النبيُّ ﷺ:  «والصَّلَاةُ نُورٌ». صحيح مسلم (٢٢٣)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.” data-original-title=”” title=””>  [6]

تدخُلُ في صلاتِكَ فينيرُ اللهُ قلبَكَ، ويهديكَ إلى الحقِّ، ويصرِفُ عنكَ الباطلَ، ويُبعِدُ عنكَ الفواحشَ.

قال الله:  [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ]  [العنكبوت: ٤٥].

ألا ما أشقى عبدًا عاشَ في الظلامِ والتيهِ يومَ أنْ ضيَّعَ صلاتَهُ وأعرضَ عن ربِّهِ!

ها هوَ النّبيُ ﷺ يحدِّثنا عنِ الصلاةِ فيقول:  «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» [7] .

إنَّ الصَّلاةَ قُرَّةُ العينِ؛ لأنَّها كالنَّهرِ العَذبِ الذي بهِ طهارةٌ للقَلبِ والرُّوحِ من الآثامِ والأوزارِ، فبكلِّ سجدةٍ يمحو اللهُ الخطايا، ويرفعُ العبدَ في درجاتِ الجِنانِ.

الصَّلاةُ نهرٌ طَهورٌ بين يديك، يخبرنا عنه رسول الله ﷺ فيقول:  «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: «فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا». البخاري (٥٢٨)، وصحيح مسلم (٦٦٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.” data-original-title=”” title=””>  [8]

لقد سألَ ثَوْبانُ رسولَ الله ﷺ فقال: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ، أَوْ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَقَالَ:  «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً».   [9]

أتدري ماذا يحدثُ لكَ إذا سجدتَ؟

يقولُ النّبيُّ ﷺ:  ««إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَاتِقِهِ، فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تساقطت عنه».   [10]

كيفَ لا تكونُ الصَّلاةُ قُرَّةَ عينِ المؤمنِ وهو خائفٌ من تقصيرِهِ وذنبِهِ، يخشى عقوبةَ ربِّهِ، وهو يعلمُ أنَّ الصلاةَ نجاةٌ لهُ من لفحِ الذنوبِ والمعاصي؟!

يقولُ النّبي ﷺ:  «يُبْعَثُ مُنَادٍ عِنْدَ حَضْرَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فَيَقُولُ: يَا بَنِي آدَمَ! قُومُوا فَأَطْفِئُوا عَنْكُمْ مَا أَوْقَدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ! فَيَقُومُونَ فَيَتَطَهَّرُونَ، وَتَسْقُطُ خَطَايَاهُمْ مِنْ أَعْيُنِهِمْ، وَيُصَلُّونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمَا».   [11]

الصلاةُ قُرَّةُ عينِ المؤمنِ؛ لأنَّ بها حفظَ اللهِ وجوارَهُ ومعيَّتَهُ.

يقول النبيُّ ﷺ:  «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ» [12]. أيْ في جِوارِ الله، وأيُّ جِوارٍ أعزُّ من جِوارِه؟!

ولعلَّ سائلًا يسألُ: كيفَ أجعَلُ الصَّلاةَ قُرّةَ عَينِي؟

اعلَمْ – عبدَ اللهِ – أنَّكَ لنْ تستشعرَ قُرَّةَ العينِ تلك، إلَّا إذا كانَ اللهُ أعظمَ عندَكَ وأجلَّ وأحبَّ إليكَ من كُلِّ شيءٍ، فيكونُ لقاؤُكَ بهِ ومناجاتُكَ لهُ لقاءَ المُحبِّ بحبيبِهِ، والعبدِ بربِّهِ، الذي لا غِنى لهُ عنهُ طَرفةَ عينٍ.

ذاك سبيل النَّعيم، فلقد أخبر رسولُ الله ﷺ عن ثلاثٍ  «مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ»: الأولى منها:  «أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» [13].

ثُمَّ على المصلِّي أنْ يُعظِّمَ قدْرَ الصلاةِ في قلبِهِ، كما عظَّمَها اللهُ في شرعِهِ، فيُقيمَها للهِ حقَّ الإقامةِ، لتكونَ قُرَّةَ عينِهِ.

يُحسِنُ الوضوءَ لها، ويأخُذُ لها أجملَ الزينةِ، يُقبِلُ فيها على اللهِ خاشعًا غيرَ غافلٍ، يُحسِنُ ركوعَها وسجودَها، إذْ لا يُمكِنُ لعبدٍ غافلٍ عن اللهِ، مُعرِضٍ ومُلتفتٍ عنهُ بقلبِهِ، أنْ تَقَرَّ عينُهُ بربِّهِ.

يقول النبيُّ ﷺ:  «إِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ» [14]

ويقُولُ ﷺ:  «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» [15]

ويقول النبيُّ ﷺ:  «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ».   [16]

 

فمَن مِثْلُكَ يا عبدَ اللهِ؟! خُلِّيَ بينَكَ وبينَ المحرابِ، تَدخُلُ على ربِّكَ تُناجيهِ متى شِئْتَ دونَ واسِطةٍ، فهلّا شَكَرتَ نعمةَ الصلاةِ؟

لقد كان النبيُّ ﷺ يقوم السّاعاتِ الطِّوالَ حتى تتورَّمَ قدماه من طول القيام، فيسألُه أصحابُه عن ذلك فيقول:  «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!». صحيح البخاري (١١٣٠)، وصحيح مسلم (٢٨١٩)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.” data-original-title=”” title=””>  [17]

إنَّ الصلاةَ خيرُ أعمالِ الإسلامِ قاطبةً، ولا حظَّ لعبدٍ من الإسلامِ إنْ تركَ الصلاةَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:  «اعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ».   [18]

رَبَّنا اجعلْنا مقيمي الصلاةِ ومن ذرِّيّاتِنا، واجعلْنا ممَّن أصابَ خُشوعَها، فأدرَكَ نعيمَها، وتقبَّلْتَها منهُ بكَرَمِكَ.

______________________________________________
المصدر: حصين للأبحاث والدراسات


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

أهم كتب الحديث لمن أراد أن يتخصص في السنة النبوية – محمد بن علي بن جميل المطري

منذ حوالي ساعة هذه الكتب تكفي للحفظ، ومن كان له قدرة على حفظ غيرها وتيسر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *