وقفات مع حديث :كم أجعل لك من صلاتي؟ – أحمد عبد المجيد مكي

منذ حوالي ساعة

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضيلةٌ فاضلة، وسنة مؤكَّدةٌ، وعبادةٌ مقرَّبة لا يشك في ذلك شاكٌّ ، ورد الأمر بها في القران والسنة

 

دكتور : أحمد عبد المجيد مكي

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضيلةٌ فاضلة، وسنة مؤكَّدةٌ، وعبادةٌ مقرَّبة لا يشك في ذلك شاكٌّ ، ورد الأمر بها في القران والسنة، واعتنى الصحابة بالسؤال عن كيفيتها ، كما ورد في التصريح بفضلها أحاديث كثيرة ، ومن ثم أفردها العلماء بالتأليف منذ زمن بعيد ، من اشهر المؤلفات في ذلك كتاب: (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) للإمام ابن القيم رحمه الله.

 وفي السطور التالية وقفة مع حديث من الاحاديث الواردة في هذا الموضوع، اختلف العلماء في الحكم على سنده وفي المقصود بألفاظه.

أولًا:  نص الحديث :

روى الإمام الترمذي عن أُبي بن كعب – رضي الله عنه – قال: قلتُ: « يا رسولَ الله، إني أُكِثرُ الصلاة عليكَ، فكم أجعلُ لكَ من صلاتي؟ قال: ما شئتَ، قلتُ: الربعَ؟ قال: ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خير لك، قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خير لك، قلت: الثلثين؟ قال: ما شئتَ وإن زدتَ فهو خير لك، قلتُ: أَجْعَلُ لك صلاتي كُلَّها؟ قال: إذن تُكفَى هَمَّك، ويُغْفَرُ لك ذَنبُكَ» »

ثانيًا:معنى الصلاة في الحديث:

قال الشوكاني : المراد بالصلاة هنا الدعاءُ الذي من جملته الصلاةُ على رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم، وليس المراد الصلاةَ ذاتَ الأذكار والأركان …

فكأنه قال: أجعل كل دعاء أردت أن أدعو به لنفسي لك، فقال النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: “إذن تكفى همك .. إلخ”.أي إذا جعلت مكان الدعاء لنفسك الدعاء لي حصلت لك المغفرة، وكفاية المهمات. الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (4/ 2022)

وقال ابن حجر الهيتمي : المراد بالصلاة : الدعاء ، والمعنى: إن لي زمانا أدعو فيه لنفسي فكم أصرف من ذلك الزمان للدعاء لك. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي (ص: 12)

ثالثًا:المعاني التي يحتملها الحديث:

سئل الشيخ  بن عثيمين عن المقصود بالحديث المذكور، فأجاب، هناك احتمالان:

الاحتمال الأول: وإليه ذهب شيخ الإسلام أن الرسول كان يعلم أن لأُبي بن كعب دعاءً معيناً، فأراد الرسول أن يجعل هذا الدعاء كله له عليه الصلاة والسلام، أي كلما أراد أن يدعو لنفسه ، يصلي على النبي بدلا من ذلك.

والاحتمال الثاني: أن يقال: المراد أن يُشْرك أُبي بن كعب النبي عليه الصلاة والسلام في كل دعاء يدعوه، أي كلما دعا لنفسه صلى على النبي، وإلا فإن من المعلوم أن الإنسان لو أخذ بظاهر الحديث لاكتفى بالصلاة على النبي، ولم يقل: رب اغفر لي، ولا يقل: اللهم ارحمني، ولا يقل اللهم ارزقني بل يقول: اللهم صل على محمد ، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة، الإنسان مأمور أن يدعو لنفسه في السجود ، وفي الجلسة بين السجدتين، وفي دعاء الاستفتاح … لقاء الباب المفتوح (148/ 21)

رابعًا: إسناد الحديث بين التصحيح والتضعيف:

الحديث أخرجه الترمذي في سننه ، وقال: (هذا حديث حسن صحيح) ، وفي بعض النسخ: «هذا حديث حسن» ، وأخرجه الحاكم ، وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي ، وقال ابن حجر في فتح الباري: (أخرجه أحمد وغيره بسند حسن). وحسنه المنذري في (الترغيب والترهيب)، وصححه الألباني وابن باز وابن عثيمين ، و حسنه محققوا المسند ومحققو جامع الأصول.

وفي المقابل ضعفه جمع من العلماء ، وحجتهم في ذلك ان في اسناده راو اسمه: عبد الله بن محمد بن عقيل، أكثر كلام أئمة الحديث على تضعيفه وعدم الاحتجاج بحديثه، فقد  ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وقال عنه : كان منكر الحديث، لا يحتجون بحديثه، وكان كثير العلم. وقال علي بن المديني: لم يرو عنه مالك بن أنس، ولا يحيى بن سعيد القطان. قال يعقوب: وهذان ممن ينتقي الرجال. وعن علي بن المديني: لم يُدِخل مالك في كتبه ابن عقيل. وعن أحمد بن حنبل: ابن عقيل منكر الحديث . ينطر: تهذيب الكمال، للحافظ المزي (16/80) ، وتهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني (6/ 13)

 وقال محقق المنتخب من مسند عبد بن حُمَيد (الشيخ: مصطفى العدوي) (1/ 181): سنده ضعيف، في سنده عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عقيل, متكلم فيه كثيرا، وهو إلى الضعف أقرب.

خامسًا:دراسات معاصرة للحديث المذكور:

الدراسة الاولى : للدكتور صالح بن فريح البهلال ، بعنوان: حديث أبي بن كعب في سؤاله النبي : (كم أجعل لك من صلاتي؟..) «دراسة حديثية» ومن أهم النتائج التي توصل إليها:

– أن حديث أبي بن كعب إسناده ضعيف، وقد ورد للحديث شواهد لا تخلو من ضعف،

 – وأن أهل العلم المصححين له اختلفوا في كيفية جعل الدعاء صلاة، فمنهم من قال: إن المراد هو جعل الدعاء كله صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إن هذا كان دعاء كان يخص به أُبيٌّ نفسه، ومنهم من قال: بإشراك النبي صلى الله عليه وسلم في كل دعاء، ومنهم من قال: إنه يشرع لمن يدعو عقب قراءته أنه يقول: اللهم اجعل ثواب ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم.

 ورأي الباحث أن هذه التخريجات لا يسلم شيء منها من التعقب.

– ويميل الباحث إلى أن الحديث ضعيف؛ نظراً لمعارضته النصوص المتواترة في حث المسلم على الدعاء لنفسه.

 – أما أهم التوصيات فهي ضرورة نظر الناقد إلى متن الحديث كما ينظر إلى سنده، فهذا من أصول النقد العلمي الذي مشى عليه الأئمة النقاد.

الدراسة الثانية : للدكتور ياسر بن عبدالعزيز الربيِّع ، بعنوان: مُشْكل حديث أبيِّ بن كعب رضي الله عنه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خلص إلى نتائج منها:

– أن حديث أبيِّ بن كعب رضي الله عنه في الصلاة على النبي صلى الله وسلم رُوي عن عدد من الصحابة، ولا يثبت منها شيء سوى حديث أبي رضي الله عنه على ضعف فيه, وحديث أبيِّ رضي الله عنه رضي الله عنه رواه سفيان الثوري عن محمد بن عبدالله ابن عقيل عن الطفيل بن أبيِّ بن كعب عن أبيه، تفرد به محمد بن عبدالله بن عقيل, وهو وإن كان صدوقًا؛ إلا إنه لا يُحتمل تفردُه أو مخالفته، وهذا الحديث مما تفرد به.

– أوهم ظاهر الحديث الإشكال في معنى صلاة أبيِّ رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المراد بها، وسلك أهل العلم رحمهم الله مسلكين في الجواب على هذا الإشكال:

 إعلال الحديث وردُّه, وقبول الحديث وتأويله بما يرفع الإشكال, وذلك بأن معنى صلاة أبيٍّ رضي الله عنه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة القولية -الدعاء- وليست الصلاة ذات الركوع والسجود, وأن المعنى الأقرب من معاني جعل الدعاء كلَّه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: أن الحكم خاص بأبيِّ بن كعب رضي الله عنه.

سادسًا:الخلاصة:

الذي يظهر لي والله أعلم أن الحديث المذكور ضعيف من جهة الاسناد، ومن جهة المتن  فظاهره يتعارض مع النصوص القطعية التي فيها الأمر بالدعاء والإكثار منه في كل وقت وحين. وعلى فرض صحة الحديث فهو خاص بأبيِّ بن كعب رضي الله عنه.

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الظلم وعذاب الضمير – منال محمد أبو العزائم

منذ حوالي ساعة لا تظلم أحداً أو تقع في خطأٍ فادح تندم عليه؛ فإن الظلم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *