منذ حوالي ساعة
إن رمضان يا عباد الله أيام معدودات ينبغي علينا أن نستقبله بالنية الصالحة، فإنما الأعمال بالنيات، ومن همّ بحسنة فعملها كتبت له حسنة الى عشر أمثالها ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة.
الحمد لله القائل في محكم التنزيل: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
نحمده سبحانه أن بلغنا هذا اليوم المبارك ونسأله سبحانه أن يبلغنا وإياكم شهر رمضان وأن يجعلنا في من عباده المتقين الفائزين.
والصلاة والسلام على رسوله محمد الذي كان يستبشر بقدوم رمضان ويقول لأصحابه رضي الله عنهم «أتاكم رمضانُ، شهرٌ مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء – (أي أبواب الرحمة أو الجنة) – وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم»؛ (صحيح الترغيب والترهيب).
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: احمدوا ربكم الذي أنعم عليكم بالحياة فأدركتم هذا بدايات هذا الشهر واسألوا الله أن يبلغكم تمامه، فكم من حريص على بلوغه لم يبلغه، فهناك من اخترمه هادم اللذات إما بسكته أو بمرض أو بحادث فلم يبلغه.
وهناك من بلغه رمضان لكنه لا يستطيع صيامه إما لمرض أو كبر سن أو عجز أو سفر فاحمدوا الله على نعمة العافية.
وهناك من بلغه وهو في كامل صحته وعافيته، لكنه والعياذ بالله إما مرتد عن الدين أو غافل عن الفروض والواجبات أو تارك للجمع والجماعات فلا ينفعه صومه وإن تظاهر بالصيام.
احمدوا الله أن بلغكم رمضان وأنتم في بيوتكم آمنين مطمئنين مرتاحين، فلا عدو يقصفكم، ولا جوع يهد حيلكم، ولا أطفال مشردين، ولا خيام مهتكة لا تغني من برد ولا ترد من مطر ولا تستر من ريح.
إن رمضان يا عباد الله أيام معدودات ينبغي علينا أن نستقبله بالنية الصالحة، فإنما الأعمال بالنيات، ومن همّ بحسنة فعملها كتبت له حسنة الى عشر أمثالها ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة.
إنوو بعزيمة صادقة أن تصوموا رمضان إيمانا واحتسابا، فمن صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
إنوو بعزيمة صادقة أن تقوموا رمضان إيمانا واحتسابا، فمن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
لتعزموا على أن تجتهدوا في قراءة القرآن بضع مرات في هذا الشهر، فإن رمضان شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (فكم من هاجر لكتاب الله طوال العام، يضيع على نفسه شهر القرآن ويالها من خسارة وأي خسارة؟
اعقدوا النية على تفطير الصائمين والصدفة على المحتاجين وتفقد أحوال المساكين من الأقارب والجيران واليتامى والمطلقات والمديونين المعسرين.
يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» .. جرّب متعة العطاء في إفطار صائم بما تقدر عليه.
نشاهد في بعض اسواق المواد الغذائية سلالًا رمضانية بأسعار من مئة ومئتين تكفي أسرة فقيرة لنصف شهر وزيادة، فمن كان لديه استطاعة فلا يبخل على نفسه.
اعقدوا النية على عدم الاسراف في موائد افطار رمضان، لأن بعض الأزواج يرهق اهل بيته بكثرة الأصناف وقد يغضب اذا لم يجد صنفا معينا، بل وصل عند البعض الى حالات الطلاق والعياذ بالله. علينا أن نتواصى مع زوجاتنا بعد الاسراف والاكثار من اصناف الطعام والاكتفاء بصنف او صنفين، حتى لا نهدر النعم ونكون من المبذرين، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها:دخلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فَرأى كِسْرَةً مُلْقَاةً فَمَشَى إليها فأخذَها ثُمَّ مسحَها فَأكلَها ثُمَّ قال لي «يا عائشةُ أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ تَعالَى فإنَّها قَلَّ ما نَفَرَتْ من أهلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ أنْ تَرْجِعَ إليهِمْ» هذه كسرة خبز فكيف بأصناف النعم التي ترمى عمدا في صناديق القمامة؟!
اعقدوا النية على المحافظة على قيام رمضان وصلاة التراويح مع الإمام حتى ينتهي فماهي الا ساعة زمن يكتب لك بها قيام ليلة، وماهي الا ليالٍ معدودات ثم تغادرنا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب الله له قيام ليلة.
عباد الله:
ومن تيسر له العمرة في رمضان فليتغنم ذلك إن استطاع، وينوي النية من الآن، فإن تيسرت كان له فضل العمرة في رمضان قال صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة» وفي لفظ آخر: «حجة معي» فهذا يدل على فضلها، وأنها في رمضان لها مزية عظيمة، وأجر عظيم كالذي حج مع النبي صلى الله عليه وسلم.
اغتنموا يا أحبة شهر مضان في الدعاء والالتجاء الى رب الارض والسماء، فرمضان موسم من مواسم الدعاء، ومن كان له حاجة أو ألَمّ به مرض أو أرهقه دين أو اكتوى بعقوق ولد او زوجة، فالدعاء الدعاء في رمضان فأبواب السماء مفتوحة والله سميع مجيب. وفي الحديث «ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر».. فاغتنموا شهركم في الدعاء.
أَيُّهَا المؤمنُونَ:
رغم أنف من دخل عليه رمضان ولم يغفر له، أتدرون لماذا لم يغفر له؟ لأنه ضيع رمضان فيما يغضب الله ودخل رمضان ولم يتب من ذنوبه بل استمر في غيه وضلاله، أو لأنه ضيع رمضان في الاكثار من النوم وتضييع للصلوات أو الانشغال بمقاطع الجوالات وملاحقة المسلسلات.
إن مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْخَسَارَةِ فِي رَمَضَانَ: إِهْمَالُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، فَمَنْ لَمْ يَحْرِصْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبَاتِ، فَكَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ النَّوَافِلُ وَبَقِيَّةُ الصَّالِحَاتِ؟! بَلْ كَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ اسْتِغْلَالُ رَمَضَانَ، وَهُوَ لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ؟
إنْ من أَسْبَابِ الْخَسَارَةِ فِي رَمَضَانَ (السَّهَرُ) إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.. فَبَعْضُ الصَّائِمِينَ يَجْلِسُونَ طَوَالَ اللَّيْلِ يَقْضُونَ الْأَوْقَاتَ فِي لَعِبِ الْوَرَقِ، وَتَتَبُّعِ الْقَنَوَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُوضُ فِي أَعْرَاضِ الْآخَرِينَ وَيَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَعْضُ عَبْرَ جَوَّالَاتِهِمْ يُقَلِّبُونَ أَنْظَارَهُمْ فِي بَرَامِجَ مُحَرَّمَةٍ، وَقَنَوَاتٍ فَاضِحَةٍ، تَعُجُّ بِالْغِنَاءِ وَصُوَرِ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَاتِ… وَمُتَابَعَةِ أَخْبَارِ الْمَشَاهِيرِ الْفَاسِدِينَ الَّذِينَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ.. وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَتَجَوَّلُ مِنْ سُوقٍ إِلَى آخَرَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَاجَةٌ غَيْرُ تَضْيِيعِ الْأَوْقَاتِ.
فاعقدوا النية يا عباد الله من اليوم بالتوبة الصادقة والعزم على اغتنام الشهر وعدم تضييعه فيما لا يرضي الله تعالى.فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
ثم اعلموا أن يوم غد إما أن يكون أول رمضان، وإما أن يكون آخر شعبان على حسب رؤية الهلال كما هي السنة، فإن كان يوم غد الثلاثين من شعبان فلا يجوز صومه إلا لمن كان عليه قضاء أو نحوه يقول عمار بن ياسر رضى الله عنه: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِى يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وآله وسلم.
___________________________________________
الكاتب: متعب بن علي الأسمري
Source link