الحكمة من تحديد العدة للمُطلقة أو الأرملة في الإسلام تتضمن عدةَ أبعاد شرعية واجتماعية ونفسية؛ ومن أهم هذه الحِكَمِ:
الحكمة من تحديد العدة للمُطلقة أو الأرملة في الإسلام تتضمن عدةَ أبعاد شرعية واجتماعية ونفسية؛ ومن أهم هذه الحِكَمِ:
1. التأكد من براءة الرحم:
• تحديد فترة العِدة (ثلاثة أشهر للمُطلقة غير الحامل، وأربعة أشهر وعشرة أيام للأرملة) يضمن عدم اختلاط الأنساب، خاصة إذا كانت المرأة حاملًا.
• في حالة الطلاق، إذا تبين الحمل، تمتد العدة حتى الولادة؛ لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
2. إعطاء فرصة للرجوع والصلح:
• في حالة الطلاق الرجعي؛ الذي يمكن فيه للزوج أن يراجع زوجته خلال العدة – تكون العدة فرصة لإعادة التفكير، وإصلاح العلاقة، دون حاجة إلى عقد جديد؛ لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228].
3. الاحترام لعقد الزواج السابق:
• العدة تُظهر احترامًا للرابطة الزوجية السابقة، فلا تنتقل المرأة إلى زواج جديد مباشرة بعد انتهاء العلاقة؛ مما يحفظ مشاعر الطرفين، ويُعطي الزواج قدسيته.
4. التهيئة النفسية للمرأة:
• فترة العدة تساعد المرأةَ على تجاوز الصدمة العاطفية، سواء بسبب الطلاق أو وفاة الزوج، قبل الدخول في علاقة جديدة.
5. مراعاة مشاعر الأرملة وحقوق الزوج المتوفَّى:
• العدة في حالة الوفاة (أربعة أشهر وعشرة أيام) تُظهر الوفاء للزوج المتوفَّى، وتُعطي المرأة وقتًا للحزن والتفكير قبل اتخاذ قرارات جديدة.
6. ضبط الحياة الاجتماعية والأسرية:
• العدة تحفظ النظام الأسريَّ، وتحدد حقوق المطلقة أو الأرملة في النفقة والسكن خلال هذه الفترة؛ لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6].
7. وقفة للتوبة والمحاسبة:
• الطلاق أو الوفاة صدمة، والعدة فسحة لتراجع المرأة علاقتها بربها، وتعيد النظر في أخطائها أو تقصيرها، كنوع من العزلة الشرعية المؤقتة لتهذيب النفس.
8. تربية المجتمع على احترام زمن المرأة الخاص:
• ففي العدة لا تُخطب تصريحًا (خصوصًا الأرملة)، ويُطلب عدم التعجُّل عليها، مما يربي المجتمع على الحياء والاحترام، ومراعاة مشاعر النساء.
9. ردع الأزواج عن الاستهتار بالطلاق:
• حين يعلم الزوج أن الطلاق يُلزم زوجته بعِدَّة، ويترتب عليه أحكامٌ كثيرة، يتردد قبل الإقدام عليه، مما يسهم في حفظ كيان الأسرة.
10. بيان تميُّز المرأة المؤمنة بالوقار والتُّؤَدة:
• المرأة التي تلتزم بعدتها تعلن التزامها بأمر الله، وتظهر بمظهر الوقار والاتزان، فلا تكون كمن يتهافت على العلاقات، أو يستخفُّ بأمر الشريعة.
11. إظهار الحزن والوفاء:
• بالنسبة للأرملة، تعتبر العدة فترةَ حدادٍ وإظهار للحزن والوفاء لزوجها المتوفَّى، وتقديرًا لحرمة العلاقة الزوجية.
12. حماية المرأة:
• تعتبر العِدَّة في بعض الحالات حمايةً للمرأة من الضغوط الاجتماعية أو العاطفية، التي قد تتعرض لها بعد الطلاق أو وفاة الزوج، وتمنحها فترةً من الاستقرار النسبي.
13. ترتيب الحقوق المالية:
• في حالة الطلاق، قد تكون هناك حقوق مالية معلقة بين الزوجين؛ مثل: المؤخَّر أو النفقة، فتمنح العدة فترة زمنية لتسوية هذه الحقوق بشكل واضحٍ، قبل ارتباط المرأة بزوج آخر.
14. تحديد بداية علاقة جديدة بوضوح:
• تضمن العدة أن أيَّ زواج جديد للمرأة يبدأ بعد فترة واضحة ومحددة من انتهاء العلاقة السابقة، مما يزيل أي لَبسٍ أو تداخل في العلاقات.
الخلاصة:
إن تشريع العِدَّة للمطلقة والأرملة هو نظام متكامل يراعي الجوانب الدينية، والاجتماعية، والنفسية، والقانونية للمرأة والمجتمع؛ فهو ليس مجرد فترة انتظار تعبدية، بل يحمل في طيَّاته حِكَمًا ومصالحَ جمَّة، تهدف إلى تنظيم الحياة الأسرية، والمحافظة على الأنساب وحماية حقوق الأفراد.
_______________________________________________
الكاتب: الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
Source link