ثاني مراتب هذا الدين رتبة الإيمان، والإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان، وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان…
الحمد لله العزيز العلام، الملك القدوس السلام، أحمده -سبحانه- أن هدانا لدين الإسلام، وبناه على خمسة أركان عظام، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله وأصحابه وأتباعه البررة الأعلام.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ-، أوصيكم -حُجَّاجَ بيت الله ونفسي- بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، اتقوا الله بفعل أوامره، وتَرْك مناهيه، فإن الله يحب المتقين، وجعل العاقبة للتقوى، التقوى عباد الله سبب خيري الدنيا والآخرة؛ {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[آلِ عِمْرَانَ: 15]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الْأَعْرَافِ: 96].
وخاطَب -سبحانه- حجاجَ بيته آمِرًا لهم بالتقوى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[الْبَقَرَةِ: 197]، وأمر خلقه كافَّة بالتعاون على التقوى، فقال -عز شأنه-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الْمَائِدَةِ: 2]، والتقوى حجاج بيت الله هي التمسك بدين الله، والعمل بشرعه، رجاء ثوابه وخوفا من عقابه، تمسك بدين الله، دينه الذي أكمله في مثل هذا اليوم، حينما نزل قوله -عز شأنه-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[الْمَائِدَةِ: 3].
أيها المسلمون: دين الإسلام على ثلاث مراتب: أعلاها رتبة الإحسان، وبيَّنَها نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك”؛ «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ» [النَّحْلِ: 30].
وثاني مراتب هذا الدين رتبة الإيمان، والإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان، وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.
ومن الإيمان -رحمكم الله- بر الوالدين، وصلة الأرحام، وقول الصدق، وطيب الكلم، والوفاء بالعقود والعهود، وحسن الخلق؛ {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النِّسَاءِ: 36]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[الْمَائِدَةِ: 1]، {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الْإِسْرَاءِ: 53]، {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فُصِّلَتْ: 34-35].
ومن الإيمان الشكر عند النعماء، والصبر عند البلاء، والتوبة والندم بعد المعصية والجفاء؛ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزُّمَرِ: 10]، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إِبْرَاهِيمَ: 7]، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}[هُودٍ: 3].
معاشر الحجيج: وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسوله، واليوم الآخِر، وبالقدر خيره وشره؛ {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[الْبَقَرَةِ: 177]، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[الْقَمَرِ: 49].
وبالإيمان تحصل النجاة والفوز بخيري الدنيا والآخرة؛ {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التَّوْبَةِ: 72]، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الْأَنْعَامِ: 82].
الإيمان بالله عباد الله يتضمن الإيمان به ربًّا خالقًا مدبرا، متصِفًا بالصفات العلا والأسماء الحسنى؛ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الْأَعْرَافِ: 54-56].
ومن الإيمانِ الإيمانُ بالملائكة الكرام؛ {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التَّحْرِيمِ: 6]، {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الْأَنْبِيَاءِ: 26-27]، {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ في الْأَرْضِ}[الشُّورَى: 5].
والإيمان بما أنزل الله من الكتب من التوراة والإنجيل والزبور وغيرها، وجعل الله القرآن الكريم مهيمنا عليها كلها، قال -سبحانه-: بسم الله الرحمن الرحيم: {الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}[آلِ عِمْرَانَ: 1-4]، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[الْمَائِدَةِ: 48].
والإيمان برسل الله عليهم الصلاة والسلام؛ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[الْبَقَرَةِ: 285]، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الرُّومِ: 47].
والإيمان باليوم الآخِر؛ يوم القيامة، يوم الجزاء والحساب، وما فيه من الجنة لأولياء الله، وما فيه من العذاب والنار لأعداء الله؛ {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[الْأَنْعَامِ: 32].
والإيمان بأن الله قدر جميع الوقائع والحوادث ما كان وما يكون، في اللوح المحفوظ، وشاءها وخلقها؛ {سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}[الْأَحْزَابِ: 38]، {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطَّلَاقِ: 3].
أيها المسلمون، حجاج بيت الله: أما الإسلام فقد فسَّرَه نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “الإسلام أن تشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا”، فشهادة أن لا إله إلا الله تتضمَّن أن العبادة حق الله وحده، لا يصرف شيء منها لغيره -سبحانه-، ولو كان من الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين أو الأولياء؛ {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}[الزُّمَرِ: 14]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الْبَقَرَةِ: 21]، {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}[الشُّعَرَاءِ: 213]، {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آلِ عِمْرَانَ: 64].
معاشرَ المسلمينَ: وفي تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة عزة النفس ورفعتها؛ فلا ذلة إلا لله -تعالى-؛ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[يُونُسَ: 107].
وشهادة أن محمدًا رسول الله تقتضي طاعته -صلى الله عليه وسلم- في أمره، وتصديقه في خبره، والسير على طريقته، فلا يعبد الله إلا بما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التَّوْبَةِ: 128]، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الْأَعْرَافِ: 157]، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النِّسَاءِ: 59].
وفي تقرير الرسالة المُحمديَّة ولزوم سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع لما قد يكون من نزاع بين الأمة، وتوحيد لمصدر التلقِّي فيها، وسلامة من البدع، وبذا تجتمع النفوس وتتآلف القلوب.
معاشرَ الأحبةِ: والركن الثاني من أركان الإسلام إقام الصلاة، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه، وسبب لنجاته، وطريق لاستشعار العبد مراقبة ربه، وفي الصلاة طهارة الظاهر والباطن؛ الطهارة المعنويَّة والحسية، وفي صلاة الجماعة ترابط المجتمع ومحبة بعضهم بعضًا؛ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[الْبَقَرَةِ: 238]، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ في صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[الْمُؤْمِنَونَ: 1-2]، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هُودٍ: 114].
ومن أركان الإسلام -عباد الله- إيتاء الزكاة، وهي دفع جزء من المال معلوم في مصارف محدودة، تعود على المجتمع بالنفع وفيها تطهير للنفوس من البخل والشح والأنانية، والتدريب النفسيّ على البذل والعطاء، وتفقُّد حاجات المحتاجين، وتقوية الصلات الاجتماعيَّة، وربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض؛ مما يجلب المحبة ويزرع الألفة، ويحقق التكافل الاجتماعيّ، قال -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الْبَقَرَةِ: 110]، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}[التَّوْبَةِ: 103].
حجاج بيت الله: والركن الرابع صوم شهر رمضان، شهر تعويد النفوس على الصبر، ومقاومة الشهوات، واستشعار حاجة المعدَمين، وتربية النفوس للتخلُّص من العادات السيئة، والحد من طغيان الشهوات، والتواضع، وصحة الأبدان؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}[الْبَقَرَةِ: 183-184].
والركن الخامس: حج بيت الله الحرام؛ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آلِ عِمْرَانَ: 97].
حجاج بيت الله: قد وفَّقَكم الله لحجه وأداء مناسكه، والحج يتضمن التذكير باليوم الآخِر، وتعظيم الرب، وأوامره في النفوس، مع قَبولها والتسليم والرضا، وفي الحج الانتظام مع الجماعة، وتنظيم الوقت، وتوظيفه فيما ينفع؛ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[الْبَقَرَةِ: 196]، {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ في الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}[الْبَقَرَةِ: 197].
معاشر الحجيج: تقبل الله حجكم، وجعل حجكم مبرورًا، وسعيكم مشكورًا، وذنبكم مغفورًا.
إن ما توليه قيادة المملكة العربيَّة السعوديَّة بلاد الحرمين الشريفين من عناية واهتمام بعمارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدَّسة، وما تقدمه لحجاج بيت الله وعماره وزواره وقاصديه؛ ممثلة في أجهزتها كافَّة، الخدميَّة والأمنيَّة، من رعاية وعناية فائقين، كل ذلك مكن بفضل الله ومنه أداء مناسك الحج وشعائره وأمن وطمأنينة ويسر، ومن هنا فيجب التزام الأنظمة والتعليمات والتوجيهات المنظَّمة للحج، وهذا الالتزام جزء من تحقيق مقاصد الشريعة، وهو واجب ديني وأخلاقي، وسلوك حضاري يعبر عن روح التعاون والانضباط وسهولة أداء المناسك دون عناء أو مشقَّة.
حجاج بيت الله: وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة، بعد أن خطب وَصَلَّى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، وقف حتى غربت الشمس، ثم ذهب إلى المزدلفة، فصلى بها جمعًا المغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين، وبات في مزدلفة، إلى أن صلى الفجر، فجلس يذكر الله حتى أسفر، ثم ذهب إلى منى فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم نحر هديه، وحلق رأسه، فتحلل التحلل الأول، ثم ذهب إلى البيت المشرف، وطاف حول الكعبة سبعة أشواط طواف الإفاضة، ثم عاد إلى منى يبيت بها، ويرمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة، يرمي في كل يوم إحدى وعشرين حصاة، بدأ من الصغرى، ثم الوسطى، ويدعو بعدهما، ثم يرمي جمرة العقبة، وأجاز التعجل في يومين؛ {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا وَمَا لَهُ في الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَاذْكُرُوا اللَّهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الْبَقَرَةِ: 200-203].
أيها المسلمون، حُجَّاجَ بيتِ اللهِ: يومكم هذا يوم فاضل، يعتق الله فيه الرقاب من النار، ويدنو -سبحانه- فيباهي الملائكة بأهل الموقف، فأكثِروا من الثناء على الله، وذِكْره وشُكره ودعائه؛ فإنكم في موطن من مواطن إجابة الدعاء؛ “وخير الدعاء دعاء يوم عرفة”، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غَافِرٍ: 60]، فاجتهدوا في الدعاء، وأبشروا وأَمِّلُوا.
اللهمَّ اغفر ذنوبنا، ويسر أمورنا، واشرح صدورنا، ونور قلوبنا، واختم بالصالحات أعمالنا وآجالنا، وأصلح ذرياتنا، وأدخلنا الجنة، وأعذنا من النار، اللهمَّ تقبل حجنا، وطاعاتنا، وصالح أعمالنا، اللهمَّ وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهمَّ إنَّا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.
اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، اللهمَّ ألف بين قلوبهم، وتول جميع شؤونهم، وازرع المحبة فيما بينهم.
اللهمَّ كن لإخواننا في فلسطين، اللهمَّ تول شأنهم، اللهمَّ أطعم جائعهم، واكس عاريهم، وآو طريدهم، واجبر كسيرهم، وأمن خائفهم، واكفهم شر أعدائهم، اللهمَّ وانصرهم على عدوك وعدوهم، بقوتك وعزتك يا قوي يا عزيز.
اللهمَّ ولاة أمور المسلمين لكل خير، واجعلهم من أسباب الْهُدَى والتقى، اللهمَّ وفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، اللهمَّ واجزهما خير الجزاء على ما قدمًا، ويقدمان للإسلام والمسلمين.
{رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[الْبَقَرَةِ: 201]، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصَّافَّاتِ: 180-182].
وَصَلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
Source link