في غزة يُكتب الإسلام بالدم، في غزة يُرتَّل النور تحت الأنقاض، وتُرسم العقيدة على الجدران المهدّمة، ويُمارس الإيمان في أقسى ظروف الحياة.
إذا سألوك يومًا عن الإسلام، فلا تُغرقهم في المجلدات، ولا تُثقل عليهم بكثرة التفاصيل، بل خذ أنفاسك واشرُد بنظرك بعيدًا، ثم قل لهم بكل يقين:
في غزة يُكتب الإسلام بالدم، في غزة يُرتَّل النور تحت الأنقاض، وتُرسم العقيدة على الجدران المهدّمة، ويُمارس الإيمان في أقسى ظروف الحياة.
إن غزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل محراب كرامة، وامتحان عقيدة، وميزان عدل في زمن الظلم.
في غزة لا يُدرّس الجهاد في قاعات الجامعات، بل يُمارَس في الأزقة وتحت الطائرات، ولا يُنتظر النصر من بيانات المؤتمرات، بل يُستدرج من السماء بدموع الأمهات وثبات الرجال.
وإن سألوا عن الجهاد؟ انظر إلى غزة واخبرهم أن الجهاد هناك قائم لا يغفو ولا يتراجع ولا يساوم ولا يستسلم
وإن سألوك عن الصبر والثبات ؟ تأمل أطفال غزة، هناك حيث ينام الاطفال على وعد بالشهادة ويستيقظ الرجال على عهد بالثبات رغم كل شيء
وإن سألوك عن الأم المؤمنة؟ راقب وداع أمٍ لولدها الشهيد.
“ودعته وهو مضرّج بالدماء، قبّلته في جبهته، وقالت:
الحمد لله الذي شرفني بابن شهيد ، اللهم عوضك يا رب …”
عباد الله:
منذ السابع من أكتوبر 2023، وإلى يومنا هذا، تشهد غزة أعظم مذبحة إنسانية في التاريخ الحديث، فقد قُتل أكثر من 55,000 إنسان، منهم أكثر من 25,000 طفل، وجُرح ما يقارب على 100,000، أو يزيدون ولا تزال الحصيلة ترتفع.
و أكثر من 80% من سكان غزة تم تهجيرهم قسرًا، إلى مناطق نزوح متنقله داخل القطاع ودُمّر أكثر من 70% من البنية التحتية، وانهارت المستشفيات، وتوقفت الكهرباء والماء والاتصالات، وقُطعت عن الناس سُبل الحياة.
ومع ذلك…
لم يرفعوا الراية البيضاء، ولم يتوسلوا العدو، بل قالوا: “حسبنا الله ونِعم الوكيل.”
أيها المؤمنون، غزة اليوم تعاني من أسوأ مجاعة موثقة في التاريخ الحديث، وفق تقارير الأمم المتحدة، فإن ما يزيد عن 90% من سكان غزة لا يجدون الطعام الكافي، ومئات الأطفال ماتوا من الجوع والعطش والبرد والمرض.
وأكثر من 8,000 طفل تُركوا يتامى بلا مأوى، بلا غذاء، بلا حنان!
قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]
أين العالم؟
أين من يزعمون حقوق الإنسان؟
أين الشعوب والدول؟
أين الأمة الإسلامية؟
صمتٌ عالمي مخزٍ، وعجزٌ عربيٌ مهين، ومما يُدمي القلب، أن ترى بعض المسلمين يبررون للعدو، ويشككون في مقاومة غزة، ويمارسون أسوأ صور الخذلان.
هؤلاء هم منافقو العصر، الذين قال الله عنهم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ…} [التوبة: 67].
عباد الله، غزة ليست مجرد جغرافيا، إنها مرآة لأرواحنا، غزة هي السؤال الكبير: “أين نحن من الإيمان؟”
ومن أراد نصيبًا من شرفها، فليعلم أن أبواب الخير كثيرة:
ادعُ لهم في سجودك.
تصدّق ولو بالقليل.
اكتب، غرّد، انشر، صوّر، حفّز، وثّق، عبّر.
كل حرف في نصرة غزة صدقة، وكل تغريدة صادقة شهادة.
نعم، إن التغريدة إذا أحيَت أملًا، أو حرّكت قلوبًا، فهي من الجهاد بالكلمة.
قال الله تعالى: {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52].
فمن لم يُجاهد بسلاحه، فليجاهد بكلمته، ومن لم يُقاتل في ساحاتهم، فليقف في صفّهم، ومن لم ينصرهم، فلا يخذلهم، ولا يُبرر للعدو.
قال صلى الله عليه وسلم:
«انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»،
قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟
قال: «تمنعه من الظلم، فذاك نصره» (البخاري).
قلت قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
إن غزة اليوم تحترق نيابة عن أمة كاملة، تقف وحدها، تُحاصر وحدها، وتجوع وحدها، وتموت وحدها، لكنها تعيش بكرامة لا يعرفها ملوك الأرض وساسته ..
قال شاعر من أطفال غزة:
نموتُ واقفين كالنخل، لا نطلب الرحيل، نُحاصر بالجوع والقهر، ولكننا لا نُذل، ولا نستكين.
فليكن لنا من موقفهم نصيب، ولتكن خطوتنا القادمة دعمًا حقيقيًّا:
بكلمة، بنشر، بمال، بدعاء، بكل ما تستطيع.
واعلموا أن القعود خيانة، والتبرير للعدو خذلان، والتطبيع مع القاتل جريمة.
أحبتي، إن العجز لا يُبرر التقصير، والبعد لا يُلغي الوجوب، فلا تستهِن بتغريدة، ولا تستهِن بمقطع، ولا تستهِن بصوت أو صورة.
من لم ينصر غزة، فليراجع إيمانه.
ومن لم يهتز قلبه لبكاء طفل جائع، فليس فيه من الرحمة شيء.
عباد الله: إن علينا كذلك ضبط المصطلحات التي نسمعها عند الأزمات فالأخبار التي نسمعها عن مجاعة في غزة غير صحيحة ما يحصل الآن اسمه قتل بالتجويع
المجاعة تحدث لما تنقطع الموارد الغذائية
لكن القتل بالتجويع يحدث لما يمنع وصول هذه الموارد، وفي غزة الأطفال لا يموتون بسبب غياب الأكل والماء والدواء .. الأطفال يموتون بسبب حصار يمنع كل هذه المتطلبات الحياتية الضرورية من أن تصل إليهم ..
المجاعة قد تكون كارثة طبيعية بسبب الجفاف والتصحر والفيضانات ونقص الموارد الغذائية لكن القتل بالتجويع جريمة مكتملة الأركان عن عمد وترصد والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: “ليس بمؤمن من بات وهو شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم” .. هذا في جار واحد فقط فكيف بمن يشاهد مليونين مسلم يقتلون بالتجويع والتعطيش ومنع الحليب والدواء وهو ساكت.
و قال النبي ﷺ: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» (الطبراني بإسناد صحيح).
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
اللهم يا ناصر المستضعفين، انصر أهل غزة نصراً مؤزراً،
اللهم اربط على قلوبهم، واشدد على أيديهم،
اللهم اجعل مداد أقلامهم نارًا على عدوك،
واجعل دماءهم لعنةً على الظالمين.
اللهم داوِ جرحاهم، وارحم شهداءهم، واحمِ أطفالهم ونساءهم وشيوخهم،
اللهم احفظ غزة ومن فيها ومن ناصرها،
اللهم ارزقنا شرف نصرتهم، ولا تجعلنا من الخاذلين.
وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
____________________________________________________________
الكاتب: حسان أحمد العماري
Source link