الخليفة الذي بكى يوم بويع بالخلافة

لقد اقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض كما ينتفض العصفور بلَّله المطر.
قلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟
قال: مالي؟ تولّيت أمر أمة محمد ﷺ!

لما تَلَقّى عمر بن عبد العزيز خبرَ تولِّيه الخلافة،

انصدع قلبه من البكاء وهو في الصفِّ الأول،

فأقامه العلماء على المنبر، وهو يرتجف ويرتعد،

وأوقفوه أمام الناس، فأراد أن يتحدث فما استطاع من شدّة البكاء.

فقال لهم:

“بيعتُكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم!”

فبكى الناس وقالوا:

“لا نريد إلا أنت!”

فاندفع يتحدث، فذكر الموت، ولقاء الله، ومصارع الغابرين،

حتى بكى من في المسجد.

قال رجاء بن حيوة:

“والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا؟”

ثم نزل، فقُرّبت له المَراكب والموكب كما كان يُفعل بسلفه،

فقال:

“لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثرهم حِملاً ومسؤولية أمام الله.”

وطلب بغلته، فركبها، وعاد إلى بيته.

ثم نزل من قصره، وتصدّق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.

نزل عمر في غرفة بسيطة بدمشق أمام الناس،

ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل.

ثم استدعى زوجته فاطمة بنت الخلفاء، أخت الخلفاء، زوجة الخليفة،

وقال لها:

“يا فاطمة، إني قد وُلِّيتُ أمر أمة محمد ﷺ،

فإن كنتِ تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليكِ وذهبكِ إلى بيت المال،

وإن كنتِ تريدين الدنيا، فتعالي أمتعكِ متاعًا حسنًا واذهبي إلى بيت أبيك.”

فقالت باكية:

“لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك.”

وسلّمت متاعها وذهبها، فرفعه عمر إلى بيت مال المسلمين.

وفي أول يومٍ له، أراد أن ينام القيلولة،

فأتاه ابنه عبد الملك بن عمر، وقال:

“يا أبتاه، تنام وقد وليت أمر أمة محمد؟!

فيهم الفقير والجائع والمسكين والأرملة؟

كلهم يسألونك يوم القيامة!”

فبكى عمر، وترك النوم.

عاش رضي الله عنه عيشة الفقراء،

يأكل خبز الشعير بالزيت،

وربما أفطر بحفنة من الزبيب،

ويقول لأولاده:

“هذا خير من نار جهنم.”

ودخل يومًا بيت المال فشمّ رائحة طِيب،

فسدّ أنفه،

فلما سُئل قال:

“أخشى أن يسألني الله يوم القيامة: لمَ شممتَ طيب المسلمين؟”

بلغ الورع والتقوى عنده هذا العمق العظيم .

ودخل عليه أضيافٌ ذات ليلة، فانطفأ السراج،

فقام عمر يصلحه،

فقالوا: “يا أمير المؤمنين، اجلس!”

قال:

“لا، قمتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، وجلستُ وأنا عمر بن عبد العزيز.”

وبعد وفاته، سُئلت زوجته فاطمة أن تصفه فقالت:

“والله ما كان ينام الليل،

ولقد اقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض كما ينتفض العصفور بلَّله المطر.

قلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟

قال: مالي؟ تولّيت أمر أمة محمد ﷺ!

وفيهم الضعيف، والفقير، والمسكين، والأرملة، ثم لا أبكي؟!

سيسألني الله عنهم جميعًا، فكيف أجيب؟”

رحم الله عمر بن عبد العزيز،

الخليفة الزاهد العادل، الذي بكى خوفًا من الله وهو على عرش الدنيا.

صفحة: تاريخ الدولة العثمانية


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

أيها المتكبر:أعبد لله أم عبد لهواك؟؟ – أبو الهيثم محمد درويش

منذ حوالي ساعة قال الإمام ابن حبان البوستي:  قال ابن حِبَّان البُستي رحمه اللَّه: «ما رأيت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *