الله لطيف بعباده – طريق الإسلام

“اللطيف” الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا، وأدرك الخبايا والبواطن والأمور الدقيقة، اللطيف بعباده المؤمنين، الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه، من طرق لا يشعرون بها، فهو بمعنى “الخبير” وبمعنى “الرؤوف”

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، القائل في كتابه الكريم: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19]، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله الأطهار وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من أسماء الله تعالى اللطيف، قال العلامة عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله: “اللطيف” الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا، وأدرك الخبايا والبواطن والأمور الدقيقة، اللطيف بعباده المؤمنين، الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه، من طرق لا يشعرون بها، فهو بمعنى “الخبير” وبمعنى “الرؤوف”[1].

 

وسنتأمل في هذه الورقات بعض لطف الله تعالى بعباده، ونبين ذلك بكلام أهل العلم، بعد نقل كلام المفسرين على قول الله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [الشورى: 19]، قال البغوي رحمه الله: “قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنه: حفيٌّ بهم. قال عكرمة: بارٌّ بهم. قال السدِّيُّ: رفيقٌ. قال مقاتلٌ: لطيفٌ بالبرِّ والفاجر حيث لم يهلكهم جوعًا بمعاصيهم، يدلُّ عليه قوله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} ، وكل من رزقه الله من مؤمنٍ وكافرٍ وذي روحٍ فهو ممَّن يشاء الله أن يرزقه. قال جعفرٌ الصَّادق: اللُّطف في الرِّزق من وجهين:

أحدهما: أنَّه جعل رزقك من الطِّيِّبات.

والثَّاني: أنَّه لم يدفعه إليك بمرَّةٍ واحدةٍ”[2].

 

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “يقول تعالى مخبرًا عن لطفه بخلقه في رزقه إيَّاهم عن آخرهم، لا ينسى أحدًا منهم، سواء في رزقه البرّ والفاجر؛ كقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]، وَلَها نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ.

 

وَقَوْلُهُ: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ}؛ أَيْ: يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}؛ أَيْ: لَا يعجزه شيء”[3].

 

وقال العلامة السعدي رحمه الله: “يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للُطْفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى معناه: الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده- وخصوصًا المؤمنين- إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون.

 

فمن لطفه بعبده المؤمن، أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسَّر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيًا لاتِّباعه.

 

ومن لطفه أن أمر المؤمنين بالعبادات الاجتماعية التي بها تقوى عزائمهم، وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض.

 

ومن لطفه، أن قيَّض لعبده كل سبب يعوقه، ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه؛ ولهذا قال هنا: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} [الشورى: 19] بحسب اقتضاء حكمته ولطفه، {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [الشورى: 19] الذي له القوة كلها، فلا حولَ ولا قوةَ لأحد من المخلوقين إلا به، الذي دانت له جميع الأشياء”[4].

 

ومن لطفه تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن الشياطين ومردة الشياطين تُغل في شهر رمضان المبارك، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “وفي ‌شهر ‌رمضان ‌يلطف الله بأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم فيغلّ فيه الشياطين ومردة الجنِّ حتى لا يقدروا على ما كانوا يقدرون عليه في غيره من تسويل الذنوب“[5].

 

وللعلامة ابن سعدي رحمه الله كلامًا طويلًا رائعًا أنقله بطوله لجماله وأهميته، فقال رحمه الله:

(ومن لطفه بهم أنه يقدر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمةً بهم، ولطفًا، وسوقًا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

 

ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهله للمراتب العالية، والمنازل السامية التي لا تدرك بالأسباب العظام التي لا يدركها إلا أرباب الهمم العالية، والعزائم السامية أن يقدر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أهل لها ليتدرج من الأدنى إلى الأعلى، ولتتمرَّن نفسه ويصير له مَلَكة من جنس ذلك الأمر، وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في ابتداء أمرهم رعاية الغنم؛ ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم.

 

وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطاعات فينجذب ويرغب ويصير له مَلَكة قوية بعد ذلك على طاعاتٍ أجلَّ منها وأعلى، ولم تكن تحصل بتلك الإرادة السابقة حتى وصل إلى هذه الإرادة والرغبة التامة.

 

ومن لطفه بعبده أن يقدر له أن يتربَّى في ولاية أهل الصلاح، والعلم، والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم، ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم، كما امتَنَّ الله على مريم في قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] إلى آخر قصتها، ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء، أو في بلد صلاح، أو وفَّقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم، أو لتربية العلماء الربانيين، فإن هذا من أعظم لطفه بعبده، فإن صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة، منها- بل من أكثرها وأعظمها نفعًا- هذه الحالة.

 

ومن ذلك إذا نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السنة والجماعة، فإن هذا لطف له، وكذلك إذا قدر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات أهل سنة وتُقًى، فإن هذا من اللطف الرباني، ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أثناء قرون هذه الأمة وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير، وجهاد أهل البدع والتعطيل، والكفر، ثم انتشار كُتُبه في هذه الأوقات، فلا شكَّ أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها، وأنه يتوقف خير كثير على وجودها، فلله الحمد والمنَّة والفضل.

 

ومن لطف الله بعبده أن يجعل رزقه حلالًا في راحة وقناعة يحصل به المقصود، ولا يشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل، بل يعينه على ذلك ويفرغه، ويريح خاطره، وأعضاءه؛ ولهذا من لطف الله تعالى بعبده أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته، فيعلم الله تعالى أنها تضرُّه، وتصدُّه عما ينفعه، فيحول بينه وبينها، فيظل العبد كارهًا ولم يدر أن ربه قد لطف به؛ حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار؛ ولهذا كان الرضا بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل.

 

ومن لطف الله بعبده إذا قدر له طاعة جليلة لا تنال إلا بأعوان أن يقدر له أعوانًا عليها ومساعدين على حملها، قال موسى عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 29 – 34].

 

وكذلك امتنَّ على عيسى بقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111].

 

وامتنَّ على سيد الخلق في قوله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62]، وهذا لطف لعبده خارج عن قدرته، ومن هذا لطف الله بالهادين؛ إذ قيَّض الله من يهتدي بهداهم، ويقبل إرشادهم؛ فتتضاعف بذلك الخيرات والأجور التي لا يدركها العبد بمجرد فعله، بل هي مشروطة بأمر خارجي.

 

ومن لطف الله بعبده أن يُعطي عبده من الأولاد، والأموال، والأزواج ما به تقرُّ عينه في الدنيا، ويحصل له السرور، ثم يبتليه ببعض ذلك ويأخذه، ويعوضه عليه الأجر العظيم إذا صبر واحتسب، فنعمة الله عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه، وهذا أيضًا خير وأجر خارج عن أحوال العبد بنفسه، بل هو لطف من الله له قيَّض له أسبابًا أعاضه عليها الثواب الجزيل والأجر الجميل.

 

ومن لطف الله بعبده أن يبتليه ببعض المصائب فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها، فينيله درجات عالية لا يدركها بعمله، وقد يُشدِّد عليه الابتلاء بذلك كما فعل بأيوب عليه السلام، ويوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وتأميل الرحمة وكشف الضر؛ فيخف ألمه، وتنشط نفسه.

 

ولهذا من لطف الله بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب الأجر؛ فخفَّتْ مصائبهم، وهان ما يلقون من المشاقِّ في حصول مرضاته.

 

ومن لطف الله بعبده المؤمن الضعيف أن يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف إيمانه، وتنقص إيقانه، كما أن من لطفه بالمؤمن القوي تهيئة أسباب الابتلاء والامتحان، ويعينه عليها، ويحملها عنه، ويزداد بذلك إيمانه، ويعظم أجره، فسبحان اللطيف في ابتلائه وعافيته وعطائه ومنعه.

 

ومن لطف الله بعبده أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق يوصله إلى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه، فييسر عليه التعلُّم من كتاب أو معلم يكون حصول المقصود به أقرب وأسهل، وكذلك ييسره لعبادة يفعلها بحالة اليسر والسهولة وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه، فهذا من اللطف.

 

ومن لطف الله بعبده قدر الواردات الكثيرة والأشغال المتنوعة والتدبير والمتعلقات الداخلة والخارجة التي لو قسمت على أُمَّةٍ من الناس لعجزت قواهم عليها أن يمن عليه بخُلق واسع، وصدر متسع، وقلب منشرح بحيث يعطي كل فرد من أفرادها نظرًا ثاقبًا، وتدبيرًا تامًّا وهو غير مكترث ولا منزعج؛ لكثرتها وتفاوتها، بل قد أعانه الله تعالى عليها ولطف به فيها، ولطف له في تسهيل أسبابها وطرقها، وإذا أردت أن تعرف هذا الأمر فانظر إلى حالة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله بصلاح الدارين، وحصول السعادتين، وبعثه مكملًا لنفسه ومكملًا لأمة عظيمة هي خير الأمم، ومع هذا مكَّنه الله ببعض عمره الشريف في نحو ثلث عمره أن يقوم بأمر الله كله على كثرته وتنوُّعه، وأن يقيم لأمته جميع دينهم، ويعلمهم جميع أصوله وفروعه، ويخرج الله به أمة كبيرة من الظلمات إلى النور، ويحصل به من المصالح والمنافع والخير والسعادة للخاص والعام ما لا تقوم به أُمَّةٌ من الخلق.

 

ومن لطف الله تعالى بعبده أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببًا لرحمته، فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرُّع والابتهال إلى ربِّه، وازدراء نفسه واحتقارها، وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات.

 

ومن لطفه بعبده الحبيب عنده إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة واسترسلت في ذلك أن ينقصها عليه، ويكدرها، فلا يكاد يتناول منها شيئًا إلا مقرونًا بالمكدرات، محشوًّا بالغصص؛ لئلا يميل معها كل الميل، كما أن من لطفه به أن يلذذ له التقربات، ويحلي له الطاعات؛ ليميل إليها كل الميل.

 

ومن لطيف لطف الله بعبده أن يأجره على أعمال لم يعملها، بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها فيحصل له أجرها، فانظر كيف لطف الله به، فأوقعها في قلبه، وأدارها في ضميره، وقد علم تعالى أنه لا يفعلها سوقًا لبرِّه لعبده وإحسانه بكل طريق.

 

وألطف من ذلك أن يقيض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها هي أنفع له منها، فيدع العبد الطاعة التي ترضي ربه لطاعة أخرى هي أرضى لله منها، فتحصل له المفعولة بالفعل، والمعزوم عليها بالنية، وإذا كان من يهاجر إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقع أجره على الله مع أن قطع الموت بغير اختياره، فكيف بمن قطعت عليه نيته الفاضلة طاعة قد عزم على فعلها! وربما أدار الله في ضمير عبده عدة طاعات، كل طاعة لو انفردت لفعلها العبد لكمال رغبته، ولا يمكن فعل شيء منها إلا بتفويت الأخرى، فيوفقه للموازنة بينها، وإيثار أفضلها فعلًا مع رجاء حصولها جميعها عزمًا ونيةً.

 

وألطف من هذا أن يقدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية، ويوفر له دواعيها، وهو تعالى يعلم أنه لا يفعلها؛ ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت أسباب فعلها من أكبر الطاعات.

 

كما لطف بيوسف عليه السلام في مراودة المرأة. وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين[6].

 

ومن لطف الله بعبده أن يقدر خيرًا وإحسانًا من عبده، ويجريه على يد عبده الآخر، ويجعله طريقًا إلى وصوله إلى المستحق، فيثيب الله الأول والآخر.

 

ومن لطف الله بعبده أن يجري بشيء من ماله شيئًا من النفع وخيرًا لغيره، فيثيبه من حيث لا يحتسب، فمن غرس غرسًا أو زرع زرعًا فأصابت منه روح من الأرواح المحترمة شيئًا آجر الله صاحبه وهو لا يدري خصوصًا إذا كانت عنده نية حسنة، وعقد مع ربه عقدًا في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع، فأسألك يا رب أن تأجرني، وتجعله قربة لي عندك، وكذلك لو كان له بهائم انتفع بدرِّها وركوبها والحمل عليها، أو مساكن انتفع بسُكْناها ولو شيئًا قليلًا، أو ماعون ونحوه انتفع به، أو عين شرب منها، وغير ذلك؛ ككتاب انتفع به في تعلُّم شيء منه، أو مصحف قرئ فيه، والله ذو الفضل العظيم.

 

ومن لطف الله بعبده أن يفتح له بابًا من أبواب الخير لم يكن له على بال، وليس ذلك لقلة رغبته فيه؛ وإنما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطريق، فلم يشعر إلا وقد وجد في قلبه الداعي إليه، واللافت إليه، ففرح بذلك، وعرَف أنها من ألطاف سيِّده وطرقه التي قيَّض وصولها إليه، فصرف لها ضميره، ووجَّه إليها فكره، وأدرك منها ما شاء الله). انتهى كلام الشيخ[7].

 

فنسأل الله العظيم اللطيف أن يلطف بنا ويرحمنا برحمته، وأن يوفقنا لكل خير، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يلطف بعباده في أرض الرباط؛ أرض العزة والكرامة، ويدفع عنهم ويحفظهم بحفظه ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.

 

ونسأله تعالى أن يلطف بنا وبجميع المسلمين، ويوفقنا لطاعته ورضاه، ونسأله أن يُقيِّض لنا الأسباب التي تحول بيننا وبين المعاصي والآثام، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الكاتب: أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد حزام العبدلي.


[1] تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن) (ص: 947).

[2] تفسير البغوي (معالم التنزيل) – طيبة (7/ 189).

[3] تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير (7/ 197)، ت السلامة.

[4] تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن) (ص:756).

[5] لطائف المعارف، للحافظ ابن رجب (ص:323)، ت عوض الله.

[6] إشارة إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه، أخرجه البخاري، برقم (660)، و(1423)، و(6806)، ومسلم، برقم (1031)، ولفظ الحديث: «سبعة يظلُّهم الله في ظلِّه، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه».

[7] تفسير أسماء الله الحسنى، للسعدي (ص: 228-233).

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

تريد البركة؟ – وجدان العلي

منذ حوالي ساعة – الزم الاستغفار – بكّر في الصباح. – صِل رحمك. – تصدق صدقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *