استجمع كل ما فيك من حنكة، وعزيمة، وإيمان، وعالج جراح نفسك بنفسك، وطهِّر جروحك، ولا تظل أسيرًا للحظات نزيفك الذي كان، حتى تستطيع أن تعيش مثل الناس من حولك
استجمع كل ما فيك من حنكة، وعزيمة، وإيمان، وعالج جراح نفسك بنفسك، وطهِّر جروحك، ولا تظل أسيرًا للحظات نزيفك الذي كان، حتى تستطيع أن تعيش مثل الناس من حولك، الذين يستيقظون في حالة من النشاط، والعزم، والطموح، والرغبة في مواجهة قوانين الدنيا بغير انسحاب أو فتور، فجراح نفسك هي السبب في أنك لست مثلهم، هي السبب في أنك تستيقظ وأنت أقل همة، وأقل فتوةً في شق طريقك بين الصعوبات، وأقل احتفالًا بالمكاسب المعقولة، وأكثر خوفًا من الأيام.
إنك تمضي في الحياة بنصف ذهول، ولكنك مثل الذاهلين لا تدرك ذلك؛ وهو كذلك الذهول الذي يصيب الإنسان إذا ما حدثت له حادثة ومضى في الطريق بجراحه النازفة وهو لا يدري ما عليه فعله، كأنه يريد من أحد ما أن يقوده، وتفقد الأشياء بمناظرها وأصواتها نصف معانيها أثناء معاناته، وهكذا تعيش أنت حالة شبيهة بسبب جراح نفسك، تلك الجراح القديمة التي من المفترض أنها لا تترك فيك الآن إلا أثرًا طفيفًا لا يكاد يُرى، غير أنك تتعامل معها كأنها حدثت للتو، وتستحضر كل هولها، وتستحضر الأرض التي اهتزت بك، وتستحضر الصدمة، وما يعيشه الجريح الحقيقي من ذهول إلى نصف ساعة، تعيشه أنت بقية العمر، وأنت غير مدرك أنك تبدد طاقتك عند حائط مبكاك، تعيش هذا الذهول طويلًا بسبب ذلك الخشوع الذي تشعر به تجاه تلك الجراح، بسبب عكوفك عندها كما يعكف خادم الضريح عند الضريح.
تستطيع أن تتعلم من جراحك ولكن طهِّرها وضمدها وخيِّطها، فلا أحد يتعلم من جراح مفتوحة، إنما الذي تعلم من الجرح هو الذي عالج نفسه منه، حتى كأنه لم يكن.
– الأديب: محمود توفيق
Source link