نعمة تربية البنات الصالحات – طريق الإسلام

على المسلم أن يرضى بما قسمه الله تعالى له من الذرية، ذكورًا كانوا أم إناثًا، فإن الرزاق هو الله، والوهاب هو الله، وليعلم العبد المسلم أنه لا يدري أين الخير.

الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:

فيجب على المسلم أن يدعو الله تعالى بأن يرزقه الذرية الصالحة، ويجب عليه أن يكون راضيًا بما رزقه الله تعالى من الذرية؛ ذكورًا أو إناثًا، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

الله تعالى هو الوهاب للذكور والإناث:

يقول الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49، 50].

 

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “يخبر تعالى أنه خالق السماوات والأرض، ومالكهما، والمتصرف فيهما، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ولا مانع لما أعطى، ولا معطيَ لِما منع، وأنه يخلق ما يشاء، و {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} [الشورى: 49]؛ أي: يرزقه البنات فقط؛ قال البغوي: ومنهم لوط عليه السلام، {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49]؛ أي: يرزقه البنين فقط؛ قال البغوي: كإبراهيم الخليل عليه السلام، لم يُولد له أنثى، ﴿ أَ {وْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} [الشورى: 50]؛ أي: ويعطي من يشاء مِنَ الناس الزوجين الذكر والأنثى؛ أي: من هذا وهذا؛ قال البغوي: كمحمد عليه الصلاة والسلام، {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى: 50]؛ أي: لا يُولَد له، فجعل الناس أربعة أقسام؛ منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورًا وإناثًا، ومنهم من يمنعه هذا وهذا، فيجعله عقيمًا لا نسل له ولا يُولَد له، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 50]؛ أي: بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، {قَدِيرٌ} [الشورى: 50]؛ أي: على من يشاء، من تفاوت الناس في ذلك، وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم: 21]؛ أي: دلالةً لهم على قدرته، تعالى وتقدس؛ حيث خلق الخلق على أربعة أقسام؛ فآدم عليه السلام مخلوق من تراب لا من ذكر ولا أنثى، وحواء عليها السلام مـخلوقة من ذَكَرٍ بلا أنثى، وسائر الخلق سوى عيسى عليه السلام من ذكر وأنثى، وعيسى عليه السلام من أنثى بلا ذَكَر، فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم عليهما السلام؛ ولهذا قال: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم: 21]، فهذا المقام في الآباء، والمقام الأول في الأبناء، وكل منهما أربعة أقسام، فسبحان العليم القدير”؛ [تفسير ابن كثير، ج: 7، ص: 216].

 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعليقًا على هذه الآية الكريمة: “قسَّم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام، اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد، فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضًا لمقته أن يتسخط ما وَهَبَهُ، وبدأ سبحانه بذكر الإناث، فقيل: جبرًا لهن؛ لأجل استثقال الوالدين لمكانهن، وقيل: وهو أحسن إنما قدمهن؛ لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاء الأبوان، فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبًا، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان، وعندي وجه آخر؛ وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية”؛ [تحفة المودود، لابن القيم، ص:16].

 

• قال الإمام أبو بكر البيهقي رحمه الله: “كل من وُلِد له من المسلمين ولدٌ، ذكر أو أنثى، فعليه أن يحمد الله جل ثناؤه على أن أخرج من صلبه نَسَمةً مثله تُدعَى له، وتُنسَب إليه، فيعبد الله لعبادته، ويكثر به في الأرض أهل طاعته”؛ (شعب الإيمان، للبيهقي، ج: 11، ص: 104).

 

السجود لله شكرًا على نعمة الذرية:

يُستحَب للوالد أن يسجد شكرًا لله سبحانه وتعالى، عندما يعلم أن الله قد جعل من نسله من يقول: لا إلـه إلا الله، محمد رسول الله.

 

روى ابن ماجه عن أبي بكرة رضي الله عنه، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمرٌ يسُرُّه، أو بُشِّر به، خرَّ ساجدًا؛ شكرًا لله تبارك وتعالى))؛ (حديث حسن، صحيح ابن ماجه، للألباني، حديث: 1143).

 

قال الشيخ عبدالرؤوف المناوي رحمه الله: “قوله: (خر ساجدًا شكرًا لله): أي: سقط على الفور هاويًا إلى إيقاع سجدة لشكر الله تعالى على ما أحدث له من السرور، ومن ثَمَّ نُدِب – استُحِبَّ – سجود الشكر عند حصول نعمة، واندفاع نقمة، والسجود أقصى حالة العبد في التواضع لربه؛ وهو أن يضع مكارم وجهه بالأرض وينكس جوارحه، وهكذا يليق بالمؤمن، كلما زاده ربه محبوبًا، ازداد له تذللًا وافتقارًا إليه، فبه ترتبط النعمة، ويجتلب المزيد؛ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، والمصطفى صلى الله عليه وسلم أشكر الـخلق للحق؛ لعِظَمِ يقينه فكان يفزع إلى السجود”؛ (فيض القدير، عبدالرؤوف المناوي، ج: 5، ص: 118).

 

كراهية الذرية من البنات عادة جاهلية:

إن عدم الرضا بالذرية من الإناث من صفات أهل الجاهلية التي ذمَّها الله تعالى؛ في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59].

 

• قوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58]؛ أي: كئيبًا من الهم.

 

• قوله: {وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58]: ساكت من شدة ما هو فيه من الـحزن.

 

• قوله: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} [النحل: 59]؛ أي: يكره أن يراه الناس.

 

• قوله: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل: 59]؛ أي: إن أبقاها، أبقاها مُهانةً لا يُورِّثها، ولا يعتني بها، ويفضِّل أولاده الذكور عليها.

 

• قوله: {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل: 59]؛ أي: يدفنها حيةً في التراب، كما كانوا يصنعون في الجاهلية؛ [تفسير ابن كثير، ج: 4، ص: 578].

 

• قال الإمام محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:

“كراهية البنات لا شك أنه من أمر الجاهلية، وفيه نوع من التسخط على قضاء الله وقدره، والإنسان لا يدري، فلعل البنت خير له من أولاد ذكور كثيرين، وكم من بنت صارت بركةً على أبيها في حياته ومماته! وكم من ابنٍ صار نقمةً ومـحنةً على أبيه في حياته، ولم ينفعه بعد مماته!”؛ (فتاوى علماء البلد الحرام، إعداد/ خالد الجريسي، ص: 1395).

 

بنت أبي حمزة الأعرابي:

كان لأبي حمزة الأعرابي زوجتان، فولدت إحداهما بنتًا، فغضب واجتنبها، وصار يسكن في بيت زوجته الأخرى، فأحسَّت الأولى به يومًا عند الثانية فجعلت تلاعب ابنتها الصغيرة وتقول:

ما لأبي حمزة لا يأتينا  **  يظل في البيت الذي يلينا 

غضبان ألَّا نلد البنينــا  **  تالله ما ذلك في أيدينــــا 

نحن كالزرع لزارعينـا  **  ننبت ما قد زرعوه فينــــا 

 

فلما سمعها أبو حمزة، ندِم على ما فعل ورجع إليها؛ (بهجة المجالس، لابن عبدالبر، ص: 162).

 

أضرار عدم الرضا بالذرية من البنات:

نستطيع أن نوجز آثارَ وخطورة عدم الرضا برزق الله تعالى بالذرية من البنات في الأمور الآتية:

(1) عدم الرضا بالبنات فيه اعتراض على قدر الله تعالى؛ وهو القائل: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49].

 

(2) عدم الرضا بالبنات فيه ردٌّ لِهِبَةِ الله تعالى بدلًا من شكرها، وكفى بذلك تعرضًا لغضب الله.

 

(3) عدم الرضا بالبنات فيه تشبُّه بأخلاق أهل الجاهلية.

قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58].

 

(4) عدم الرضا بالبنات فيه دليل على الجهل والـخلل في العقل.

 

(5) عدم الرضا بالبنات يجعل الزوجة تـتحمل ما لا تطيقه، فبعض الأزواج يغضبون على الزوجة بمجرد أن يرزقها الله تعالى بالأنثى.

 

فائدة طبية مهمة:

لقد أثبتت التجارب والأبحاث العلمية الحديثة أن نوع المولود لا دخل للمرأة فيه مطلقًا، وأن الرجل هو الذي يحمل في جيناته النوعين؛ الذكر والأنثى، بإذن الله تعالى، والمرأة لا تحمل في جيناتها إلا نوعًا واحدًا؛ وهو الأنثى، فالله تعالى جعل الرجل هو المسؤول عن تحديد نوع المولود؛ ([كلمات وأفعال ومعتقدات خاطئة، د. طلعت زهران، ص: 46، أخطاء النساء، ندا أبو أحمد، ص:40).

 

فضل الإحسان إلى البنات:

حثَّنا نبينا صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى البنات والاهتمام بتربيتهن.

 

روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عالَ جاريتين حتى تبلُغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضمَّ أصابعه»؛ (مسلم، حديث: 2631).

 

• قوله: «من عال جاريتين»؛ أي: أنفق على بنتين صغيرتين، أو أخوات، أو غيرهما، وقام بما تحتاجان إليه من طعام وشراب وكساء، وغير ذلك.

 

• قوله: «حتى تبلغا»؛ أي: تدركا سن البلوغ؛ وهو أربع عشرة أو خمس عشرة سنة، أو ظهور إحدى علامات البلوغ على البنت؛ كنزول دم الحيض.

 

• قوله: «جاء يوم القيامة أنا وهو كذلك»؛ أي: جاء يوم القيامة مصاحبًا لي.

 

• قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: “العول في الغالب يكون بالقيام بمؤونة البدن؛ من الكسوة، والطعام والشراب، والسكن والفراش، ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح؛ بالتعليم والتهذيب والتوجيه، والأمر بالخير، والنهي عن الشر، وما إلى ذلك”؛ (شرح رياض الصالحين، ج: 3، ص: 106).

 

• قال الإمام النووي رحمه الله: “في هذا الحديث فضل الإحسان إلى البنات، والنفقة عليهن، والصبر عليهن، وعلى سائر أمورهن”؛ (صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 16، ص: 179).

 

روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: ((جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتُليَ من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سِترًا من النار»؛ (مسلم، حديث: 2629).

 

• قولها: (فسألتني)؛ أي: طلبت مني عطيةً.

 

• قولها: (فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها)؛ أي: مع جوعها؛ إذ يستبعد أن تكون شبعانةً مع جوع ابنتيها؛ (مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 7، ص: 3100).

 

قال الإمام النووي رحمه الله: “قوله: «مَن ابتُلي من البنات بشيء»؛ إنما سماه ابتلاءً لأن الناس يكرهونهن في العادة”؛ (صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 16، ص: 179).

 

• قوله: «من ابتُليَ من البنات بشيء»: قال الشيخ أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله: “من امتُحن واختُبر بالذرية من البنات، «فأحسن إليهن»: صانهن وقام بما يصلحهن، ونظر في أصلح الأحوال لهن، فمن فعل ذلك، وقصد به وجه الله تعالى، عافاه الله تعالى من النار، وباعده منها، وهو الـمعبر عنه بالستر من النار، ولا شك في أن من لم يدخل النار دخل الجنة“؛ (المفهم، للقرطبي، ج: 6، ص: 636).

 

الإيمان بالقدر طريق السعادة في الدنيا والآخرة:

معنى الإيمان بالقدر:

الإيمان بالقدر: هو التصديق الجازم بأن الله سبحانه قد علم مقادير الأشياء قبل حدوثها، فكتب ذلك عنده في اللوح المحفوظ، فكل ما يحدث في الكون، من خير أو شر، إنما هو بتقديره سبحانه، فهو الفعَّال لما يريد، ولا يخرج شيء عن مشيئته؛ (التوحيد، عبدالعزيز آل عبداللطيف، ص: 100).

 

• قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].

 

• قال الإمام البغوي رحمه الله: “أي: ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ؛ قال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قَدْرَه الذي ينبغي له”؛ (تفسير البغوي، ج: 7، ص: 483).

 

وقال جل شأنه: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11].

 

• قال الإمام الطبري رحمه الله: “يقول تعالى ذكره: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} [فاطر: 11] منكم أيها الناس من حمل، ولا نطفة، إلا وهو عالم بحملها إياه ووضعها، وما هو؟ ذكر أو أنثى؟ لا يخفى عليه شيء من ذلك”؛ (تفسير الطبري، ج: 19، ص: 342).

 

وقفة صادقة مع النفس:

الذرية نعمة كبيرة من الله تعالى، وبمجرد أن يبشَّر المسلم بأن الله قد رزقه بمولود، ينبغي أن يحمَدَ الله تعالى، دون أن يسأل: هل هو ذكر أم أنثى؟ ففي كلٍّ خير، إن شاء الله، ولا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح.

 

روى البخاري في الأدب المفرد عن كثير بن عبيد، قال: ((كانت عائشة رضي الله عنها، إذا وُلِدَ فيهم مولود – يعني في أهلها – لا تسأل: غلامًا ولا جاريةً؟ تقول: خُلِقَ سويًّا؟ فإذا قيل: نعم، قالت: الحمد لله رب العالمين))؛ (حديث حسن، صحيح الأدب المفرد، للألباني، حديث: 951).

 

وعلى المسلم أن يرضى بما قسمه الله تعالى له من الذرية، ذكورًا كانوا أم إناثًا، فإن الرزاق هو الله، والوهاب هو الله، وليعلم العبد المسلم أنه لا يدري أين الخير.

 

• قال الله سبحانه وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

 

قال تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً} [النساء: 11].

 

• قال الإمام البغوي رحمه الله: “أي: لا تعلمون أيهم أنفع لكم في الدين والدنيا، فمنكم من يظن أن الأب أنفع له، فيكون الابن أنفع له، ومنكم من يظن أن الابن أنفع له، فيكون الأب أنفع له”؛ (تفسير البغوي، ج: 1، ص: 580).

 

روى أبو داود عن أبي حفصة، قال: قال عبادة بن الصامت لابنه: ((يا بني، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان؛ حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة»، يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات على غير هذا فليس مني»؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود، للألباني، حديث: 3933).

 

فائـدة مهمة:

• قال واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: “إن من يُمنِ المرأة تبكيرَها بالأنثى قبل الذكر؛ وذلك أن الله تعالى قال: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49]، فبدأ بالإناث”؛ (الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ج: 16، ص: 47).

 

يـجب أن يتأمل هذا الذي يسخط على الذرية من الإناث، كيف يكون حاله لو أن الله سبحانه وتعالى كتب عليه أن يكون عقيمًا، لا ذرية له؟

 

نماذج لنساء صالحات:

هناك الكثير من النماذج المشرقة للنساء الصالحات، ولكن سوف نذكر بعضًا منها على سبيل المثال:

(1) سارة زوجة إبراهيم:

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: ثِنْتَين منهن في ذات الله عز وجل؛ قوله»:  {إِنِّي سَقِيمٌ}  [الصافات: 89]، وقوله:  {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}  [الأنبياء: 63]، وقال: «بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة، قال: يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيركِ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي، فلا تكذِّبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخِذَ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدَعَتِ الله فأُطلق، ثم تناولها الثانية فأُخِذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حَجَبَتِهِ، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مَهْيَا، قالت: ردَّ الله كيد الكافر – أو الفاجر – في نحره، وأخدم هاجر، قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء»؛ (البخاري، حديث: 3358).

 

قوله: (فأُخِذ): أي: اختنق حتى ضرب برجله الأرض كأنه مـجنون.

 

(2) هاجر أم إسماعيل:

روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((أول ما اتخذ النساء الْمِنْطَقَ من قِبل أم إسماعيل، اتخذت مِنطقًا لتُعفِّي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دَوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكةَ يومئذٍ أحدٌ، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جِرابًا فيه تمر، وسِقاءً فيه ماء، ثم قفَّى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثَّنِيَّة حيث لا يرَونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: رب {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: 37] حتى بلغ: {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفِد ما في السقاء عطِشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوَّى – أو قال: يتلبَّط – فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر: هل ترى أحدًا؟ فلم تَرَ أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت: هل ترى أحدًا؟ فلم تَرَ أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذلك سعيُ الناس بينهما، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: صَهٍ – تريد نفسها – ثم تسمَّعت، فسمعت أيضًا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غِوَاث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقَبِهِ – أو قال: بجناحه – حتى ظهر الماء، فجعلت تحوِّضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سِقائها وهو يفور بعدما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزمَ لكانت زمزمُ عينًا معينًا»، قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الْمَلَكُ: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله))؛  (البخاري، حديث: 3364).

 

(3) زوجة نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم:

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “لم يبقَ لأيوب عليه السلام من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه، غير أن زوجته حفِظت وده؛ لإيمانها بالله ورسوله، فكانت تخدم الناس بالأجرة، وتُطْعمه وتخدمه نحوًا من ثماني عشرة سنة”؛ [ (تفسير ابن كثير، ج: 7، ص: 74) ].

 

(4) أم نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].

 

قال الله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10].

 

(5) آسية زوجة فرعون.

 

(6) مريم بنت عمران.

قال الله سبحانه وتعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 11، 12].

 

قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 42، 43].

 

(7) زوجة عمران:

قال الله سبحانه وتعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 35، 36].

 

(8) خديجة بنت خويلد:

روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتَتْكَ، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت – قصر – في الجنة من قصب – اللؤلؤ المجوف – لا صخب – الصوت المرتفع – فيه ولا نَصَب؛ أي: تعب))؛ (البخاري، حديث: 3820، مسلم حديث: 2432).

 

روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «حسبك من نساء العالمين: مريم بنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون»؛ (حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 3053).

 

قال الإمام النووي رحمه الله: “لفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه، والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل، وخصال البر والتقوى”؛ (صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 8، ص: 216).

 

(9) زوجات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

(10) بنات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

قال الله سبحانه وتعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 32 – 34].

 

ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص، والتوفيق، والثبات على الحق، وحسن الخاتمة، فإن دعوة المسلم الكريم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة؛ وأختم بقول الله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

 

وآخــر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وعلى آلـه، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.

__________________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *