خيوط الفجر – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

أصحاب العزائم والإرادة القوية لم تَمنعهم الفُرُشُ الوثيرة والغُرف الدافئة من الخروج في هذا الوقت الباكر البارد؛ ليَسبغوا الوضوءَ على المكارهِ

فيه سرٌّ من أسرار الحياة، نسيمه الذي يعطي النفس انشراحًا والروح سرورًا، فيه البشارة بالنور التام لأُولئك المشائين في الظُّلَم يهتدون بنورِ ربهم، فمن هُدي لا يضل أبدًا.

 

أصحاب العزائم والإرادة القوية لم تَمنعهم الفُرُشُ الوثيرة والغُرف الدافئة من الخروج في هذا الوقت الباكر البارد؛ ليَسبغوا الوضوءَ على المكارهِ، ويشهدُوا قرآنَ الفجرِ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]،كما تشهدُه الملائكةُ، فيه انسجام مع هذا الكونِ الفسيحِ في تسبيحِه البديعِ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، هنا تسمو بروحك في عالم السمو العلوي، وتنفض عنها غبار التراب الدوني لكن.

لولا المشقةُ ساد الناس كلهم *** الجودُ يُفقر والإقدام قتَّالُ

 

{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، قليل هم الذين ينالون هذا الفضل والشرف العظيم، فالنوم له سلطانه والنفس لها سطوتها، فهي تتبعُ الهوى وتركنُ للراحةِ والدعةِ، وتستثقلُ ما لا نصيبَ لها فيه، فمن اتَّكلَ عليها خذلتَهُ وأوردتَهُ المهالَك، تُحببُ إليه السهرُ وتُغرقُه في المباحاتِ، وتُمنِيه حتى يقعَ في حبائلِها، فيصبحَ يستثقلُ النهوضَ بالواجباتِ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].

إقامةُ صلاة الفجر مع المسلمين شهادةُ وبراءةُ من النفاقِ، فهي ثاني أثقل صلاةٍ على المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، أما المؤمنُ صادقُ الإيمانِ، فيأتي إليها ولو حبوًا، فكان السلف يهادى الرجلُ بين الرجلين حتى يقامَ في الصفِ لعلمِه بفضلِ الصلاةِ والصف الأولِ، لم يتركْ للنفسِ مجالًا للتسويفِ والخمولِ حتى مع وجودِ العذرِ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]،وصدقَ القائلُ:

وإذا كانت النفوس كبارًا *** تَعِبتْ في مرادها الأجسام

 

خيوطُ الفجرِ فيها البركةُ، بُوركَ لأمتي في بكورِها: بركةٌ في المالِ، بركةٌ في الصحةِ، بركةٌ في العلمِ، بركةٌ في العملِ، بركةٌ في كل شيءٍ، وآسفًا على المحرومِ الذي فقدَ خيوطَ الفجرِ.

___________________________________________________

الكاتب: أحمد بن علوان السهيمـي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *