من رحم المحنة تُولد البشريات

عن عبدالله قال: لمَّا التقيْنا يوم بدر قام رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فصلَّى، فما رأيت ناشدًا ينشد حقًّا له أشدَّ من مناشدة محمَّد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ربَّه – عزَّ وجل-  وهو يقول: «اللهُمَّ إنِّي أنشدك وعدَك وعهْدَك، اللهُمَّ إنِّي أسألُك ما وعدتَني، اللَّهُمَّ إن تهلك هذه العصابة، لا تُعْبد في الأرض» ثم التفت إليْنا وكأنَّ شقَّة وجهِه القمر، فقال: «هذه مصارع القوم العشيَّة» [2].

وفي رواية: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:

«سيروا وأبشروا؛ فإنَّ الله – عزَّ وجلَّ – قد وعدني إحدى الطَّائفتين، والله، لكأنِّي أنظر الآن مصارع القوم» [3].

الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُبشر الصَّحابة في الخندق:

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيّ أنّهُ قالَ: ضَرَبْتُ في ناحِيَةٍ مِن الخَنْدَقِ، فغَلُظَتْ عَليَّ صَخْرَةٌ وَرَسُولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قَرِيبٌ مِنّي، فلَمَّا رآني أضْرِبُ ورَأَى شِدّةَ المَكَانِ عَليَّ، نَزَلَ، فأَخَذَ المِعْوَلَ مِنْ يَدِي، فضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ المِعْوَلِ بُرْقَةٌ، قالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى.
قالَ: قُلْت: بأبي أنْتَ وأمّي يا رَسُولَ اللهِ، ما هَذَا الّذِي رَأَيْت لَمَعَ تَحْتَ المِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ؟

قالَ: «أوَقَدْ رَأَيْتَ ذَلِكَ يَا سَلْمانُ» ؟ قَال: قُلْت: نَعَمْ.

قَالَ: «أمّا الأُولى، فإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا اليَمَنَ، وأمَّا الثّانِيَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِها الشَّامَ والمَغْرِبَ، وأمَّا الثَّالِثَةُ، فإنَّ اللهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا المَشْرِقَ» [4].

الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُبشِّر سراقة في الهجرة:

عن الحسن: أنَّ عمر بن الخطَّاب – رضي الله عنه – أُتِي بفروة كسرى فوُضعت بين يديْه، وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال: فألقى إليه سوارَيْ كسرى بن هرمز، فجعلَهُما في يديْه فبلغا منكبيْه، فلمَّا رآهُما في يدَيْ سراقة قال: “الحمد لله، سواري كسرى بن هرمز في يدِ سُراقة بن مالك بن جعشم، أعرابي من بني مدلج”، وذكر الحديث.

قال الشَّافعي – رحمه الله -: “وإنَّما ألبسهما سراقة؛ لأنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال لسراقة ونظر إلى ذراعيْه:

«كأني بك قد لبِست سوارَيْ كسرى».

قال الشافعي: وقال عمر – رضي الله عنه –  حين أعطاه سواري كسرى: “البَسْهما”، ففعل فقال: “قل: الله أكبر”، قال: الله أكبر، قال: “قل: الحمدُ لله الذي سلبَهُما كسرى بن هرمز وألبسَهُما سراقة بن جعشم أعرابيًّا من بني مدلج”[5].

أهداف اليهود في غزَّة من منظور قرآني ونبوي:

هدفهم استِئْصال الفئة المؤمنة؛ والله يقول: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}[6].
قال ابن كثير – رحمه الله – أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطُوا عليهم استيلاء استِئْصال بالكلية، وإن حصل لَهُم ظفر في بعض الأحيان على بعْض النَّاس، فإنَّ العاقبة للمتَّقين في الدنيا والآخرة[7].
فبنصِّ كتاب الله لا يتحقَّق لهم هدفُهم من استِئْصال الفئة المؤمنة في غزَّة.

هدفُهم انفِضاض أهل غزَّة عن الفئة المؤمنة المجاهدة:

والله يقول: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}[8].

قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: “قال: لا تُطْعِموا محمَّدًا وأصحابه حتَّى تصيبَهم مجاعة، فيتركوا نبيَّهم”[9].

وهي قوْلةٌ يتجلَّى فيها خبث الطَّبع، وهي خطَّة التَّجويع التي يبدو أنَّ خصوم الحقِّ والإيمان يتواصَوْن بِها على اختِلاف الزَّمان والمكان، في حرْب العقيدة ومناهضة الأديان؛ ذلك أنَّهم لخسَّة مشاعرهم يحسَبون لقمة العيش هي كل شيء في الحياة – كما هي في حسِّهم – فيُحاربون بِها المؤمنين.

وهي خطَّة غيْرِهم ممَّن يُحاربون الدَّعوة إلى الله، وحركةَ البعث الإسلامي في بلاد الإسلام، بالحِصار والتَّجويع ومحاولة سدِّ أسباب العمل والارتزاق.

وهكذا يتوافى على هذه الوسيلة الخسيسة كلُّ خصوم الإيمان، من قديم الزَّمان، إلى هذا الزَّمان،  ناسين الحقيقة البسيطة التي يذكِّرهم القرآن بِها قبل ختام هذه الآية:

{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7]، ومن خزائن الله في السَّماوات والأرض يرتزِق هؤلاء الذين يُحاولون أن يتحكَّموا في أرزاق المؤمنين، فليسوا هم الذين يَخْلُقون رِزْق أنفسهم، فما أغباهم وأقلَّ فقهَهُم وهم يحاولون قطْع الرزق عن الآخرين!

وهكذا يُثَبِّت الله المؤمنين، ويقوِّي قلوبَهم على مواجهة هذه الخطَّة اللئيمة والوسيلة الخسيسة، التي يلجأُ أعداء الله إليْها في حربهم، فالتَّجويع خطة لا يفكر فيها إلا أخسُّ الأخسَّاء وألأم اللؤماء[10].

وبفضل الله فَشِل الحصار لأهل غزَّة.

تخذيل الطابور الخامس بتشْويه صورة المجاهدين:

يجتهد الطابور الخامس في تشْويه صورة المجاهدين، بشُبُهاتٍ منْها: أنَّهم هم السَّبب فيما يحدُث لأهل غزَّة، وأنَّهم يجعلون الأطفال والنِّساء دروعًا بشريَّة، وأنَّهم جعلوا الحرب دينيَّة، كل ذلك لتثبيط وتخْذيل المجاهدين، وصرْف أهل غزَّة عنهم؛ لكن الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – وعد بأنَّ التَّخذيل لا يضرُّ الطائفة المؤمنة القائمة بأمر الله؛ عن مُعاوِيةَ قال: سمِعْتُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلَّم – يقول: «لا يَزَالُ من أُمَّتي أُمَّةٌ قائِمةٌ بأمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُمْ ولا مَن خَالَفَهُم، حتى يَأتِيَهُم أمْرُ اللهِ وَهُمْ على ذَلِك» [11].

وفي رواية مسلم:

«لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهُمْ أوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأتِي أمْرُ اللهِ، وهُمْ ظاهِرُونَ على النَّاسِ» [12].

الطائفة هم المجتهدون في الأحْكام الشرعيَّة والعقائد الدينيَّة، أو المرابطون في الثُّغور والمجاهدون لإعلاء الدين[13].

أيُّها المؤمنون المجاهِدون:

أبشروا وأمِّلوا ما يَسُرُّكم، فالله معكم بالتَّأييد والنصرة والحماية والحفظ، ولن يتِرَكم أعمالكم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]   في ظلال القرآن: 3 /277.

[2]   السنن الكبرى للنسائي: 5/187.

[3]   دلائل النبوة رقم (874). 

[4]   سيرة ابن هشام: 2/219.

[5]   دلائل النبوة،رقم(2591).

[8]   سورة المنافقون، آية (7). 

[9]   تفسير الطبري: 23/401.

[10]   في ظلال القرآن: 7/ 218.

[13]   فيض القدير: 6/514.

________________________________________________________
الكاتب: 
د. توفيق علي زبادي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

أصل الأعمال قائم على النية الخالصة

منذ حوالي ساعة أصل الأعمال قائم على النية الخالصة التي لا يختلط بها شيء من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *