كيف يكسب الزعماء الشعبويون الجماهير ولماذا تثق بهم الجماهير وتمنحهم أصواتها في الانتخابات؟؟
كيف يكسب الزعماء الشعبويون الجماهير ولماذا تثق بهم الجماهير وتمنحهم أصواتها في الانتخابات؟؟
قد يكون الاخفاق الذي مني به تيار دونالد ترامب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي الأخيرعلامة مفصلية في تاريخ التيار الترامبي ومؤشرا بارزا على تراجعه لكنه من المبكر القول بأن ظاهرة الزعماء الشعبويين قد انتهت كظاهرة سياسية بارزة سواء في الولايات المتحدة أو في أي دولة أخرى، ونفس الشيء يقال عن جاير بولسونارو بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية البرازيلية الأخيرة بفارق 1% فقط من الأصوات، وهو ما ينطبق على فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية إثر اخفاقاته العسكرية الأخيرة في أوكرانيا، فكل هؤلاء زعماء مثلوا نمطا شعبويا واضحا في دول كبرى وحققوا جماهيرية كاسحة بدرجة أو بأخرى، ونفس الشيء يقال بدرجة ما عن صعود اليمين المتطرف في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وهنا يتكرر السؤال نفسه:
كيف يكسب الزعماء الشعبويون الجماهير ولماذا تثق بهم الجماهير وتمنحهم أصواتها في الانتخابات؟؟
الشعبوية مصطلح سياسي شهد تطورات تاريخية متعددة اختلفت من فترة زمنية الى أخرى كما اختلفت من بقعة جغرافية إلى أخرى لكنها في مجملها تتمحور حول الاعتماد على الشعب من حيث عفويته واندفاعه لتأييد القيادة الشعبوية التي تستقطبه وتوجهه في اتجاه تحقيق الأهداف و الشعارات التي ترفعها هذه القيادة، وأيا كانت التفاصيل الأكاديمية السياسية والتاريخية لهذه الظاهرة فإن الذي يهمنا منها هنا هو جوانبها العملية الفنية التكتيكية أو الأسلوبية التي تتمكن عبرها من استهواء الجماهير وتوظيفها في إطار الشعارات التي ترفعها مهما كانت هذه الشعارات موضوعية أو خيالية وسواء كانت صادقة أم خادعة.
وبداية لابد أن نلاحظ أن الزعماء الشعبويين مثلهم مثل أي زعيم سياسي طبيعي يسعى للترويج لنفسه ولأهدافه وشعاراته بين الجماهير، فلا يمكن القول أنهم انجح من القادة السياسيين الطبيعيين وإنما هم مثلهم مثل غيرهم من القادة فمنهم من ينجح في كسب الجماهير وتولي الحكم ومنهم من يفشل ولكن يشتهر منهم الناجحون الذين كسبوا الجماهير وتولوا الحكم بينما ننسى هؤلاء الذين فشلوا.
ومن هنا فإجابتنا على سؤال “كيف يكسب الزعماء الشعبويون الجماهير ولماذا تثق بهم الجماهير وتمنحهم أصواتها في الانتخابات؟؟” إنما تتركز على الزعماء الشعبويين الناجحين، وكلهم نجحوا في كسب ثقة الجماهير وتولي الحكم لكن أغلبهم رسبوا في امتحان الحكم عندما تولوا المنصب فبعضهم جر الكوارث على شعبه ودولته كما في حالة موسيليني وهتلر، والبعض الآخر أخفقوا إخفاقا ذريعا كمثل شافيز ومادورو في فنزويلا أو بولسينارو في البرازيل.
وعادة ما يكسب القائد الشعبوي الجماهير عبر ثلاثة أمور:
الأول-طبيعته الذاتية: حيث يتمتع القائد الشعبوي عادة بكاريزما.
الثاني-طبيعة الخطاب السياسي: حيث يستخدم القائد الشعبوي خطابا سياسيا يدغدغ مشاعر الجماهير مدعيا تبني مصالح “الشعب” ضد مصالح القوي الأخرى المهيمنة على الواقع السياسي والاقتصادي سواء كانت هذه القوى حقيقية أم متوهمة و سواء كانت هيمنتها هذه حقيقية أو متوهمة لكن من المهم أيضا أن يعادي فريقا ما ويجعله في مواجهة الشعب ومصالح الشعب ثم يقذف في سلة “العدو” هذا كل من يعوق طريقه نحو التفرد بالسلطة، و على سبيل المثال لا الحصر قد يضعون ضمن هذا “الفريق/العدو” البنوك أو الشركات الكبيرة أو الشركات متعددة الجنسيات أوصندوق النقد الدولي أوالمهاجرين أو رجال الأعمال أو “فريق سياسي داخلي ما” أو قوة دولية أو اقليمية ما.
الثالث-طبيعة الجماهير التي يتوجه إليها ويسعى لكسبها: ليرتكز عليها في حركته السياسية للوصول لكرسي الحكم ومن ثم الاستمرار فيه إن استطاع، وعادة ما تكون هذه الشريحة الجماهيرية هي من الفئات الفقيرة أو الضعيفة أو المهمشة بشرط أن تكون عديمة الخبرة سياسيا لأنها لو كانت ذات خبرة سياسية كافية فإنها ستكشف حيل وألاعيب القائد الشعبوي ولن تجاريه في أهوائه الاستبدادية، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن كثيرا من نخب الحزب الجمهوري الأمريكي لم تؤيد ترامب في سعيه لعرقلة تسليم السلطة لبايدن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 بما في ذلك نائب الرئيس ترامب نفسه مايك بنس الذي لعب دورا مهما في إحباط سعي ترامب لإفشال عملية تسليم الرئاسة.
ومن هنا فإن الشريحة الاجتماعية التي يستهدفها ويرتكز عليها القادة الشعبيون ليست المضارين فقط من النظام القائم أو الأقل استفادة من موارده السياسية والاقتصادية فقط وإنما لابد ان يجمعوا الى جانب هذه السمة “سمة قلة الخبرة السياسية” التي تجعلهم تربة خصبة للاقتناع بصدق ما يطلقه القائد الشعبوي من شعارات براقة.
وعلى كل حال فمن الفوارق بين الزعيم الشعبوي والزعيم الشعبي الحقيقي في مجال الشعارات والأهداف التي يعلنها كل منهما أن الشعبوي يصل للسلطة ثم لا ينجز ما وعد به من أهداف وما رفعه من شعارات بينما الزعيم الشعبي الحقيقي عندما يصل للسلطة فإنه ينجز ما وعد به ويترك بصمة حسنة مهمة في الواقع والتاريخ، لأن أى زعيم كي يحصل على ثقة الجماهير لابد ان يمتطي أساليب شعبية فإن أنجز في السلطة سميناه زعيما شعبيا أما إن فشل ولم ينفذ شعاراته التى رفعها كي يصل للحكم فهنا يتبين لنا أنه شعبوي وليس شعبيا.
ولذلك نجد أن الفئات التي لم يسبق لها الانخراط في العمل السياسي ولم تشارك من قبل مشاركة نشطة في منظمات متمرسة سياسيا سواء حزبية أو نقابية أو طلابية وكذلك المهاجرين من الريف للمدن الصناعية أو العمال والموظفين والفلاحين الذين يسحقهم السعي لكسب أقواتهم ونحو ذلك من الفئات التي لا وقت ولا جهد لديها للتمرس بالعمل السياسي وفهم دهاليز السياسة وألاعيبها كل هؤلاء يصيرون بسهولة صيدا سهلا للزعيم الشعبوي وحركته السياسية.
وأحيانا لا يصل الزعيم الشعبوي للسلطة بالانتخابات ولا بانقلاب عسكري وإنما بتواطؤ النخبة السياسية النافذة التي قد تكون ليبرالية لكنها لديها خوف من “عدو ما” حقيقي أو متوهم كما حدث من تواطؤ النخبة الليبرالية في ايطاليا مع موسوليني وافساح المجال له لتولي الحكم خوفا من المد البلشفي حينئذ.
وإذا تأملنا حالة ترامب لأنها الأشهر الآن فسنجد أنه رفع شعارا اعتبرته الجماهير الفقيرة أنه شعار صادق وهو أن النظام الاقتصادي الأمريكي لا يستفيد منه غير الأغنياء والأقوياء لأنهم هم من صمموه لمصلحتهم، كما إنه اكتسب جاذبية لدي القوميين البيض بسبب تعصبه ودفاعه عنهم، ومن جهة اخرى أجرى تخفيضات ضريبية لصالح الأثرياء مما أكسبه تأييد الكثير من الأغنياء.
ولذلك كله نجد أنه في استطلاعات الرأي التي أجريت قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأخيرة 2022، كان ترامب هو الاختيار الأول للجمهوريين ليكون مرشحهم الرئاسي لعام 2024.
لكن بعد النكسة التي مني بها الجمهوريون في هذه الانتخابات أخذ الموقف في التغير، لماذا؟
لأن مصيدة أي قائد شعبوي هو تولي الحكم فكل ذي عينين يتكشف له فشله في انجاز ما وعد، وهذا ما حدث مع ترامب من فشله في ترجيح كفة المرشحين الجمهوريين ويضاف لذلك فشله فى بعض جوانب الحكم أثناء حكمه رغم أنه رمى بذلك على كاهل فيروس كورونا.
وأمر عدم الانجاز نجده هو نفسه ما خصم وما زال يخصم من رصيد كل من فلاديمير بوتين وجاير بولسينارو.
كما أن هناك أمر في منتهي الخطورة بالنسبة لأي زعيم شعبوي وهو أنه لا تنهدم أسطورته بعد فترة زمنية من سقوطه لدى شريحة “ما” من الجماهير حتى لو كان فاشلا أو جر دولته الى كارثة سياسية او اقتصادية أو كلتاهما معا، ولذلك فسنظل نجد ثلة من الجماهير تحب زعماء شعبويين جروا الكوارث على شعوبهم مثل موسيليني أوهتلر أو ستالين أو جمال عبد الناصر أو صدام حسين أو غيرهم لأن النسق الجماهيري للحركات الشعبوية قائم على عدة أسس من ضمنها إنكار الهزيمة فبالتالي كيف ننتظر من حركة كهذه أن تعلن الهزيمة بينما فكرها مبني على إنكار وقوع أي هزيمة لها؟
وأخيرا ما هو مستقبل صعود التيارات السياسية الشعبوية؟
البعض يرى أن الظروف السياسية والاقتصادية الحالية وآفاقها المستقبلية تنبئ بأن هناك أخطارا كبرى جيوسياسية سوف تلقي بظلالها على مستقبلنا القريب والمتوسط إذ من من المتوقع أن يحدث صعود واضح للأحزاب السلطوية الراديكالية لليمين المتطرف أو لليسار المتطرف بسبب الارتفاع الحاد في الدخل لدى الطبقات العليا بجانب انعدام المساواة في توزيع الموارد على مختلف طبقات المجتمع الأخرى، وهو أمر سيشعر هذه الطبقات بأنهم يجري سحقهم بينما تزداد مكاسب النخبة من المال والنفوذ والقدرة، كما سترتفع نسب البطالة لأن الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأتمتة سوف تفضي إلى بطالة دائمة مما سيزيد من تفاقم المشكلات الاقتصادية للقاعدة العريضة من الجماهير، وهذا كله يمهد لصعود تيارات سياسية شعبوية ما لم نجد حلولا تحقق عدالة توزيع الثروة بين طبقات المجتمع جميعها.
Source link