ليلة هي من أقسى ليالي الدنيا

تلك الليلة هي ليلةُ فِقدان يعقوب لابنه يوسفَ عليهما الصلاة والسلام، فبينما كان بيت يعقوب في الليلة السابقة ممتلئًا بالفرح والسرور، تبدَّل الحال في الليلة التي بعدها؛ حين جاء إلى يعقوب عشرة من أولاده يحملون خبرَ موتِ يوسفَ عليه السلام، وأنَّ الذئب قد أكَلَهُ.

تلك الليلة هي ليلةُ فِقدان يعقوب لابنه يوسفَ عليهما الصلاة والسلام.

 

فبينما كان بيت يعقوب في الليلة السابقة ممتلئًا بالفرح والسرور، بوجود القمر المنير؛ طفلِه يوسفَ عليه السلام، تبدَّل الحال في الليلة التي بعدها؛ حين جاء إلى يعقوب عشرة من أولاده يحملون خبرَ موتِ يوسفَ عليه السلام، وأنَّ الذئب قد أكَلَهُ.

 

الذي يدهش المتأمل في هذه القصة هي قساوة قلوب إخوة يوسف عليه السلام، فكيف طابت نفوسهم بالنوم في تلك الليلة، وأخوهم الأصغر في البئر في الصحراء، في ليل مظلم، داخل بئر مظلم؟! ألم يَلِنْ قلبُ واحد منهم فيتراجع ويخبر أباه بالحقيقة؟ الأب مكلوم محزون، والابن في الظلمة والوَحْشَة والخوف، والأم تبكي على فقدان أجمل طفل ولدته أمٌّ في هذه الحياة، والأخ الأصغر بنيامين فَقَدَ مَن كان يلعب معه في البيت؛ مشاهدُ جديرة بأن تجعلهم يتراجعون أو يتراجع بعضهم أو واحد منهم، لكن الأمر كان على خلاف ذلك؛ إصرار وإسرار واستكبار.

 

أي قلوب كانت لديهم؟ وأي تمالؤ وتكاتُمٍ كان فيهم؟! أن يجتمع عشرة دون مخالفة واحد منهم، مع أنهم أولاد نبي وفي بيت نبوة وصلاح، يا له من موقف يعجِز اللسان ويعجِز القلم عن وصفه على حقيقته.

 

الأمر والله عظيم، وأعظم ما فيه هناء إخوة يوسف عليه السلام في ليلتهم تلك، وأعظم من ذلك ذهابهم في اليوم التالي وربما لأيام كثيرة للوقوف قريبًا من البئر، حتى لو مرَّت قافلةُ مسافرين يبيعون أخاهم يوسف لتلك القافلة.

 

فمرَّت قافلة مسافرين فأخرجوا يوسفَ من البئر، وربما كان أصحاب القافلة ستأخذهم رحمة بهذا الطفل الصغير الجميل؛ فيبحثون قريبًا من البئر عن أهله، أو يسألونه عن مكانه وأهله فيدلهم.

 

لكن الذي وقع أن إخوة يوسف أتَوا للقافلة مباشرة بعدما أخرجوه من البئر، وقالوا: إن هذا عبدٌ لنا، وباعوه لهم بثمن بخس بدراهمَ معدودة؛ لأن المقصود التخلص منه ولو بثمن بخس، وقالوا لمن اشتراه: أوثِقُوه حتى لا يشرد منكم.

 

فذهبت القافلة أمام أعينهم، وهي تحمل أخاهم يوسفَ الذي ليس له جُرْمٌ ولا إثم ولا ذنب، حينها شعروا بأن الحياة ستطيب لهم، ولم يشعروا أنهم سيذهبون في يوم من الأيام إليه في قافلة كبيرة لطلب الطعام منه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15]، فأوقفهم الله أمامه موقفَ ذُلٍّ وسؤال، لكن استمروا في غيِّهم وبغيهم، ولم تَلِنْ قلوبهم على مدى عشرات السنين، فيندموا فيسعوا في الأرض يبحثون عنه، حتى ألجأهم الله إلى ما يملأ بطونهم عند يوسف عليه السلام.

 

فيا لها من قلوب قاسية كانت تحملها صدور إخوة يوسف، كيف طابت أنفسهم بهذا الفعل الشنيع؟! كيف رجعوا بدراهم معدودة كانت عوضًا عن أخٍ قدره أعظم من كل كنوز الدنيا؟! أي عقول كانت لدى هؤلاء القُساة الجُفاة؟!

 

الجواب عن هذا: إنه الحسد الذي يجعل صاحبه يخرج عن طور الدين، وعن طور الإنسانية، وحتى عن طور الحيوانية.

 

فاتقوا الحسد؛ فإنه يفعل في الناس ما لا يُعقَل وما لا يُطاق.

 

والله المستعان.

__________________________________________________
الكاتب: فهد عبدالله محمد السعيدي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *