إن من الذنوب العظيمة التي تخرج فاعلها من دائرة الإسلام وتوجب له الخلود في نار جهنم الاستهزاء بالله أو رسوله أو كتابه أو المؤمنين، وحيث أن الموضوع واسع المجال لمن أراد أن يتكلم فيه…
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن من الذنوب العظيمة التي تخرج فاعلها من دائرة الإسلام وتوجب له الخلود في نار جهنم الاستهزاء بالله أو رسوله أو كتابه أو المؤمنين، وحيث أن الموضوع واسع المجال لمن أراد أن يتكلم فيه، رأيت إيجاز القول في العناصر التالية:
1- تعريف الاستهزاء وذكر أمثله لذلك.
2- حكم الاستهزاء وبيان الأدلة على كفر المستهزئين وأقوال أهل العلم في ذلك.
3- حكم توبة المستهزئ وهل تقبل أم لا؟
4- صور من الاستهزاء في وقتنا المعاصر.
أما تعريفه:
فإن الاستهزاء لغة: مصدر من قولهم: استهزأ يستهزئ، وهو مأخوذ من مادة (هـ-ز- أ) التي تدل على السخرية، أو على السخرية واللعب[1]. اهـ.
قال بعض أهل العلم: ينقسم الاستهزاء إلى قسمين:
1- الاستهزاء الصريح:
كالذي نزلت الآية فيه، وهو قولهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، أو نحو ذلك من أقوال المستهزئين، وقول بعضهم: دينكم هذا دين خامس، وقول الآخر: دينكم أخرق، وقول الآخر إذا رأى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: جاءكم أهل الدِّيك، من باب السخرية بهم، وما أشبه ذلك مما لا يحصى، إلا بكلفة مما هو أعظم من قول الذين نزلت فيهم الآية[2].
قال الشيخ صالح الفوزان – رحمه الله -: ومثل هذا ما يقوله بعضهم: إن الإسلام لا يصلح للقرن العشرين، وإنما يصلح للقرون الوسطى، وإنه تأخر ورجعية، وأن فيه قسوة ووحشية في عقوبات الحدود والتعازير، وأنه ظلم المرأة حقوقها حيث أباح الطلاق وتعدد الزوجات؟ وقولهم: الحكم بالقوانين الوضعية أحسن للناس من الحكم بالإسلام، ويقولون في الذي يدعو إلى التوحيد وينكر عبادة القبور والأضرحة: هذا متطرف، أو يريد أن يفرق جماعة المسلمين، أو هذا وهابي أو مذهب خامس، وما أشبه هذه الأقوال التي كلها سب للدين وأهله واستهزاء بالعقيدة الصحيحة[3]. اهـ.
2- الاستهزاء غير الصريح:
وهو البحر الذي لا ساحل له مثل الغمز بالعين، وإخراج اللسان، ومد الشفة، والغمز باليد عند تلاوة كتاب الله، أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[4].
أما حكم الاستهزاء:
فإنه كفر، وهو من نواقض الإسلام العشرة كما ذكر ذلك أهل العلم، وهو من أعظم صفات المنافقين والأدلة على ذلك كثيرة.
قال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التوبة: 74].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 29 – 32].
وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65].
وسبب نزول هذه الآية: عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة: دخل حديث بعضهم في بعض، أن رجلًا كان مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في غزوة تبوك، فقال: «ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء» وهو يعني بقوله هذا: النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه القراء – رضي الله عنهم – فذهب عوف إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله: إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به الطريق، قال ابن عمر: فكأني انظر إليه متعلقًا بنسعة ناقة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65]، ما يتلفت إليه وما يزيد عليه[5].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه[6].
قال الإمام النووي – رحمه الله -: ولو قال وهو يتعاطى قدح الخمر، أو يقدم على الزنا: بسم الله استخفافًا بالله تعالى كفر[7].
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – في كتابه التوحيد: باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول، وفيه مسائل:
الأولى وهي العظيمة: أن من هزل بهذا كافر[8].
وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: أجمع العلماء على كفر من فعل شيئًا من ذلك، فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر، لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعًا[9]. اهـ.
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله تعالى -: الذي يبغض اللحية ويقول وساخة، هل هو مرتد؟
فأجاب: إن كان يعلم أنه ثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهذا استهزاء بما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فحري أن يحكم عليه بذلك[10].
وإن من الردة عن دين الله: ما يتلفظ به بعض أبناء المسلمين من كلمات كفرية، يخرجون بها من دين الإسلام وهم لا يشعرون؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها[11] يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» [12].
أما عن توبة المستهزئ:
فقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في كتابه: القول المفيد في شرح كتاب التوحيد:
وقد اختلف العلماء فيمن سب الله أو رسوله أو كتابه : هل تقبل توبته أم لا؟ على قولين:
الأول: أنها لا تقبل توبته، بل يقتل كافرًا، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، وهو المشهور عند الحنابلة.
الثانية: أنها تقبل إذا علمنا صدقه، وأقر على نفسه بالخطأ، ووصف الله تعالى بما يستحق من صفات التعظيم[13].
ومن صور الاستهزاء التي نرى ونسمع وللأسف في هذه الأيام:
هذا المقالات السيئة والرسوم الساخرة التي تكتب في الجرائد والمجلات والكتب، ويزعمون أنها للتسلية وفيها الكفر والردة عن الدين.
أحدهم رسم ديكًا تتبعه أربع دجاجات يقصد السخرية من تعدد الزوجات، وآخر كتب مقالًا تهجم فيه على الحجاب، وزعم أنه تخلف ورجعية، وآخر سول له الشيطان سوء عمله فجعل القرآن شعرًا يتغنى به على أنغام الموسيقى، نسأل الله السلامة والعافية.
وينبغي أن يعلم أنه يجب الإنكار على هؤلاء المستهزئين وتنبيههم على عظيم جرمهم وخطورته، فإن لم يستجيبوا فلا يجوز الجلوس معهم في مجلس واحد، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].
سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – عن الصحف والمجلات والكتب التي تنشر المقالات الإلحادية والصور الخليعة وتشيد بالكفار والفجار وأهل الفن، وهل يجوز شرائها أو بيعها أو الترويج لها؟
فأجاب: الصحف التي هذا شأنها يجب أن تقاطع وأن لا تشترى ويجب على الدولة إذا كانت إسلامية أن تمنعها لأن هذه تضر المجتمع وتضر المسلمين فالواجب على المسلم أن لا يشتريها وأن لا يروجها وأن يدعو إلى تركها، وعلى المسؤولين الذين يستطيعون منعها أن يمنعوها[14]. اهـ.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] ابن فارس في المقاييس (6/ 52)، مفردات الراغب (ص540). [2] مجموعة التوحيد (ص409). [3] كتاب التوحيد (ص47). [4] مجموعة التوحيد (ص409). [5] تفسير ابن جرير (5/ 4036) برقم (16970)، وقال الشيخ مقبل الوادعي – رحمه الله – في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول ص126: الحديث رجاله رجال الصحيح إلا هشام ابن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد كما في الميزان، وله شاهد بسند حسن عند ابن أبي حاتم (4/ 64) من حديث كعب بن مالك. [6] الفتاوى (7/ 273). [7] روضة الطالبين (10/ 67). [8] ص 58. [9] تيسير العزيز الحميد (ص617). [10] فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (11/ 195). [11] أي ما يتفكر هل هي خير أو شر؟ [12] صحيح البخاري برقم (6477)، وصحيح مسلم برقم (2988). [13] (2/ 268) بتصرف. [14] الموسوعة البازية في المسائل النسائية (2/ 1274).
_______________________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي
Source link