إن كنا نشتكي ضعفاً فضعفنا من عند أنفسنا، وإن كنا نتألم لهواننا على الناس فهواننا هذا من صنع أيدينا والله ورسوله منه بريئان..
أيها الإخوة الكرام: ورد عند البخاري من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام « مَرَّ علَى نَفَرٍ مِن أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ،( أي يتنافسون ويتسابقون في رمي السهام) فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: « ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ قالَ سلمة بن الأكوع: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ فلم يرموا ، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ؟ قالوا: كيفَ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ يا رسول الله؟ فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْمُوا فأنَا معكُمْ كُلِّكُمْ» .
أيها الإخوة الكرام: في هذا العالم الذي يحكمه الأقوياء، ولا يَرى فيه الأقوياءُ ولا يَسمعون ولا يَكترثونَ إلا بأنفسهم نود أن نقول:
إن كنا نشتكي ضعفاً فضعفنا من عند أنفسنا، وإن كنا نتألم لهواننا على الناس فهواننا هذا من صنع أيدينا والله ورسوله منه بريئان..
ورد بصحيح الجامع من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « « يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ» »
القرآن الكريم يتكلم عن المسلمين الأشداء فيقول: ﴿ { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ } ﴾
القرآن الكريم يتكلم عن المسلمين الأعزة فيقول: ﴿ { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ﴾
القرآن الكريم يتكلم عن ثبات المسلمين فيقول: ﴿ { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ} ﴾
نحن في زمان لا يُرى فيه، ولا يُسمع فيه، ولا يُتكلم فيه إلا بلغة القوة، زمان تُقطع فيه ألسنة الضعفاء، وتؤكل فيه حقوق الفقراء، ولا يستطيع في هذا الزمان صاحب حق أن يتحصل على حقه إلا أن يكون قوياً..
من هنا جاءت دعوة الإسلام تأمر المسلم أمراً وتُلزمه إلزاماً وتفرض عليه فرضاً أن يأخذ بكل أسباب القوة..
قوة إيمان بالله تعالى ، قوة يقين في وعد الله عز وجل، وقوة على الأرض تردع العدو ..
قال الله عز وجل في سورة الأنفال : {﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾}
ورد في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقرأ الآية {﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾} ثم يقول: «« أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ »»
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلّم (القوة) في هذه الآية ب(الرمي) لأن (الرمي) أَشَدّ نِكَايَة فِي الْعَدُوِّ وَأَسْرع في هزيمتهم ولذلك ورد في حديث عقبة بن عامر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم
“ «إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّة، صَانِعُهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِي بِهِ وَمُنَبِّلَهُ فَارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا» ”
أيها الإخوة الكرام: وردت كلمة ( قوة) في الآية بدون (ألف) وبدون (لام) ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ لأن اللفظ إذا جاء مُنكراً دل على العموم والشمول والعظمة..
وكأن الحكيم سبحانه وتعالى يقول للمسلمين أعدوا لعدوكم من القوة ما استطعتم وكل ما استطعتم وأوسع ما استطعتم، وأعظم ما استطعتم… {﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾}
أُتى كلمة ( قوة ) منكرة بلا (ألف ولام) لتشمل القوة الجسدية والقوة السياسية والقوة الصناعية والقوة الإعلامية والقوة العسكرية..
أيها الإخوة الكرام : شرع الجهاد في سبيل الله تعالى بعد ثلاث عشرة سنة من بعثة النبي عليه الصلاة والسلام…
لم يشرع من أجل العدوان على الناس ولا من أجل إكراه الناس وحملهم غصباً على الإسلام، وإنما شرع الجهاد من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل، شُرِعَ لردع المعتدي، ولحماية الدماء والأموال والأعراض قال تعالى: {﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾}
وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى جهاد العدو بكل قوة ممكنة فقال عليه الصلاة “ «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» “
وقال عليه الصلاة والسلام يَومَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ: « اهْجُ المُشْرِكِينَ؛ فإنَّ جِبْرِيلَ معكَ» .
قال الله تعالى {﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾}
الغرض من إعداد العدة هو إرهاب العدو، وإرهاب العدو لا يُقصد به ترويع الآمنين، لا يقصد بإرهاب العدو التعدي على المسالمين، لا يقصد بإرهاب العدو غصب حق المستضعفين ..
وإنما يقصد بإرهاب العدو ( زجر المحاربين، وردع المجرمين، لأنهم إذا سمعوا عن قوتنا ورأوها رأي العين لم يفكروا في غزونا أو في إخراجنا من ديارنا)
لكن تبقي كل قوة على وجه الأرض بلا قيمة بلا ثمرة بلا أثر متى كانت هذه القوة مشتتة متناثرة متفرقة، لابد من التكامل والتعاون، فعين واحدة لا ترى جيداً، وأذن واحدة لا تسمع جيداً، ويد واحدة لا تصفق..
نسأل الله العظيم أن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح فساد نفوسنا.. آمين.
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن ضرورة أن يأخذ المسلمون بجميع أسباب القوة لأننا في زمان لا يعيش فيه إنسان بأمان على دينه ونفسه وأرضه وعرضه إلا أن يكون قوياً..
بقي لنا أن نقول : إن من أسباب القوة الدعاء، نسأل الله العظيم أن ينصر المسلمين المستضعفين في كل زمان ومكان .. آمين.
الدعاء سلاح المؤمن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام..
لكن الدعاء سلاح لا يعمل منفرداً، فلن نصبح أقوياء بالدعاء فقط، لن تأخذ حقك من عدوك بالدعاء منفرداً، بل لابد مع الدعاء من حراك سياسي واقتصادي وعسكري ….
لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدعو ربه ليلاً ونهاراً أن ينصر الإسلام والمسلمين وعلى الرغم من ذلك أخذ رسول الله بكل أسباب النصر ( أعد العدة، ودرب الناس، وحرضهم على القتال في سبيل الله، ورص الصفوف، ووزع المهام، وخطط ورتب لكل صغيرة وكبيرة) وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عدوه في سبيل الله 28 غزوة…
لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدعو ربه ليلاً ونهاراً أن ينصر الإسلام والمسلمين وعلى الرغم من ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم 68 سرية تجاهد العدو في سبيل الله عز وجل….
لو كان الدعاء على العدو بدون الأخذ بأسباب القوة يكفي لاكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولما أعد عدة، ولما درب أحداً، ولما حرضهم على القتال في أحداً ، ولما رص صفوفاً، ولما وزع مهاماً، ولما خطط ولما رتب لشيء ) ولما غزا رسول الله غزوة في سبيل الله ولا بعث رسول الله بعثاً يجاهد عدواً …
ما نود أن نقول: هو أن الدعاء على العدو والاحتساب إلى الله تعالى بقولنا ( حسبنا الله ونعم الوكيل) لابد منه فلا تقطعوه..
لكن دعوات المسلمين لابد وأن تستأنس بعمل، فالدعاء يفتقر إلى حركة، وانتصارنا على عدونا يحتاج إلى نفقة وإلى حذر وإلى تحالف وإلى تعاون وإلى تكاتف وإلى أن يكون الناس يداً واحدة على قلب رجل واحد..
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾}
نسأل الله العظيم أن يقر أعيننا بنصرة الإسلام والمسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
Source link