(التقوى – أداء الصلاة – الاستغفار – الإنفاق – التوكل – بذل الأسباب)
موضوع الرزق من أهم المواضيع التي تُهِمُّ الإنسان، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أسبابًا عديدة لجلب الرزق والبركة في الحياة؛ نذكر منها:
السبب الأول من أسباب الرزق التي ذكرها القرآن: هو التقوى؛ يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، إن تقوى الله تعني الخوف منه، وترك ما نهى عنه، والالتزام بما أمر به، فهي مفتاح للحصول على الرزق، فمن يَتَّقِ الله ويَخَفْهُ ويتجنَّبْ معاصيه، يَفْتَحِ الله له أبوابًا للخروج من الضيق والمشاكل، ويرزقْهُ من طُرُقٍ لم يكن يتوقعها، أو يحسب لها حسابًا.
والسبب الثاني: هو أداء الصلاة؛ إنها من أهم أركان الإسلام، ولا بد لكل مسلم أن يقوم بها؛ يقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، الصلاة هي الوسيلة التي تربط الإنسان بربِّه، وتجعله في حالة من الصفاء الروحي، والاطمئنان القلبي، وهي من أسباب جلب الرزق في الدنيا والآخرة، فعندما يحافظ المسلم على أداء الصلاة في أوقاتها، فإن ذلك يجلب له البركة في رزقه، ويزيد من طمأنينته وسعادته؛ لذا على المسلم أن يكون حريصًا على أداء الصلاة في أوقاتها المحددة، وأن يعِيَ أهمية هذا الركن العظيم من أركان الإسلام في حياته اليومية؛ لِما له من تأثير إيجابي على كافة جوانب حياته.
السبب الثالث: هو الاستغفار، وهو وسيلة عظيمة لجلب الرزق، وزيادة البركة، كما أكده القرآن الكريم؛ فقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره، عن ابن صبيح قصةً تُظهر أهمية الاستغفار؛ حيث قال: “شكا رجلٌ إلى الحسن الجدوبةَ، فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقرَ، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادعُ الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفافَ بستانه، فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيئًا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 – 12]”، بهذا يتضح أن الاستغفار ليس فقط وسيلة لمغفرة الذنوب، بل هو أيضًا سببٌ لجلب الرزق، وتحقيق النعم المختلفة في الحياة.
السبب الرابع لجلب الرزق: هو الإنفاق، الإنفاق في سبيل الله من أهم الأسباب التي تجلب الرزق والبركة للإنسان، فالإنفاق يعتبر وسيلة لتوسيع الرزق وزيادته بفضل الله؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: ((قال الله عز وجل: أَنْفِقْ أُنْفِق عليك))؛ (رواه البخاري)، وهذا يعني أن الله تعالى يأمر بالإنفاق، ووعد بأن ينفق على الشخص الذي ينفق في سبيله؛ الله تعالى يؤكد هذا الأمر في القرآن الكريم بقوله: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، هذه الآية توضح أن الله هو المتصرف في الرزق، يوسعه لمن يشاء، ويُضيِّقه لمن يشاء، وأن أيَّ مال ينفقه الإنسان في سبيل الله، فإن الله يعيده إليه، ويُعوِّضه عنه، والله هو أفضل من يرزق.
السبب الخامس: هو التوكل على الله عز وجل؛ يعني أن يعتمد الإنسان على الله بشكل كامل، ويثق به في جميع أمور حياته، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، هذا التوكل لا يعني أن يجلس الإنسان دون عمل أو سعيٍ، بل يعني أن يقوم بما عليه من واجباتٍ، ويبذل ما في وُسْعِهِ، ثم يترك النتائج بيد الله، ويَثِق بأن الله سيعطيه ما هو خير له؛ أوضح لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أهمية التوكل في حديثه الشريف: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّلِهِ، لَرَزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا، وتَرُوح بِطانًا»؛ (رواه ابن حبان)، في هذا الحديث يُشبِّه النبي صلى الله عليه وسلم التوكل الصحيح بالتوكل الذي تقوم به الطيور؛ حيث تخرج في الصباح بحثًا عن طعامها وهي جائعة، وتعود في المساء وقد امتلأت بطونها، الطيور لا تعرف من أين سيأتي رزقها، لكنها تثق بأن الله سيوفر لها ما تحتاجه؛ قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3]، هذه الآية تؤكد أن من يعتمد على الله ويثق به، فإن الله سيكون كافيًا له، وسيحقق له كل ما يحتاجه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر على كل شيء، ويعلم ما هو خير لعباده.
وأخيرًا، السبب السادس: هو بذل الأسباب للحصول على الرزق الذي كتبه الله للإنسان في الدنيا، الإسلام لا يحب التواكل من المسلمين، يجب على الإنسان أن يبذل الأسباب المشروعة في السعي وراء الرزق، وأن يعتمد على الله في تحقيق النتائج؛ يقول الله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25]، بذل الأسباب يعني أن يقوم الإنسان بالعمل والاجتهاد، والسعي لتحقيق الأهداف والرزق، مع الثقة التامة بأن الله هو الرزاق، هذا يتضمن التعليم، والتدريب، والبحث عن الفرص، والعمل بجدٍّ واجتهاد، والاعتماد على الله في نفس الوقت لتحقيق النتائج المرجوة؛ لذا الإسلام يدعو المسلمين إلى الجمع بين بذل الأسباب والتوكل على الله؛ لأن الله هو الذي يُيَسِّر الأمور، ويبارك في الجهود المبذولة.
_____________________________________________________
الكاتب: د. ألف شكور
Source link