منذ حوالي ساعة
إن لقيام الليل شأنًا عظيمًا عند الله عز وجل، فأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، ومن مزاياه أنه لا يكفر الذنوب فحسب، وإنما ينهي صاحبه عن الوقوع في الآثام
إن لقيام الليل شأنًا عظيمًا عند الله عز وجل، فأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، ومن مزاياه أنه لا يكفر الذنوب فحسب، وإنما ينهي صاحبه عن الوقوع في الآثام؛ لما رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ««عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة للإثم»» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره).
وكان السلف رحمهم الله تعالى بل وأجدادنا إلى عهد قريب لا يفرطون في قيام الليل، أما في هذا العصر فقد انقلب ليل كثير من الناس إلى نهار وسهر، وفوتوا عليهم لذة مناجاة الله تعالى بالليل، ووصل تفريطهم إلى ترك صلاة الفجر.
فعندما زار طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى رجلاً في السحر فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحدًا ينام في السحر (حلية الأولياء) فلو زارنا طاووس بن كيسان اليوم فماذا عساه أن يقول عنا يا ترى؟
إن من رحمة الله عز وجل بعباده أنه وهبهم أعمالاً يسيرة يعدل ثوابها قيام الليل، فمن فاته قيام الليل، أو عجز عنه فلا يفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل، إذ لم يفهم سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ذلك، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دل صحابته الكرام على بعض الأعمال السهلة لمن لم يستطع مجاهدة نفسه على قيام الليل، رغبة منه صلى الله عليه وسلم في حثنا على فعل الخير لتكثير حسناتنا، حيث روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««من هاله الليل أن يكابده، أو بخل بالمال أن ينفقه، أو جبن عن العدو أن يقاتله، فليكثر من سبحان الله وبحمده، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل»» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره).
والأحاديث التي سأوردها إنما هي فضائل أعمال أهداها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم لزيادة حسناتنا وتثقيل ميزاننا، فحري بنا العمل بها والتي من أهمها:
(1) أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة»» (مسلم وأبو داود واللفظ له).
لذلك ينبغي الحرص على أداء الفرائض في المساجد جماعة وأن لا نفوتها البتة لعظم أجرها، خصوصًا العشاء والفجر فهما أثقل الصلوات على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبوًا، ومن ثوابهما أن لكل واحد منهما ثواب قيام نصف ليلة.
(2) أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر:
عن أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعًا مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ««أربع ركعات قبل الظهر يعدلن بصلاة السحر»» (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).
ومن مزايا هذا الركعات الأربع أنها تفتح لها أبواب السماء لما رواه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: ««أربع قبل الظهر تفتح لهن أبواب السماء»» (رواه أبو داود، والترمذي في الشمائل، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره).
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على أداء هذه الركعات، وإذا فاتته لأي ظرف طارئ قضاها بعد الفريضة ولا يتركها، حيث روت عائشة رضي الله عنهما أنها قالت: « كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر، صلاهن بعدها، وفي رواية للبيهقي أنها قالت: كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر» (رواه الترمذي واللفظ له، والبيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي).
ولذلك من فاته صلاة الأربع ركعات أو لم يتمكن من أدائها لظروف عمله؛ مثل بعض المعلمين فلا حرج من قضائها بعد انتهاء عمله ورجوعه إلى منزله.
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى: والحديث يدل على مشروعية المحافظة علي السنن التي قبل الفرائض وعلى امتداد وقتها إلى آخر وقت الفريضة، وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج بفعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء، وكانت مقدمة على فعل سنة الظهر، وقد ثبت في حديث الباب أنها تفعل بعد ركعتي الظهر، ذكر معنى ذلك العراقي قال: وهو الصحيح عند الشافعية. اهـ (جامع الترمذي لأبي عيسى الترمذي).
(3) أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «صمنا مع رسول لله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئًا من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث لليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شَطْرُ الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفَّلْتَنَا قيامَ هذه الليلة، قال: فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ حُسب له قيام ليلة» » (صححه الألباني في صحيح الجامع).
وهذا أمر ينبه عليه كثير من أئمة المساجد في رمضان، فتراهم يحثون المصلين على أداء صلاة التراويح كاملة مع الإمام، ولكن البعض يتقاعس عن هذه الشعيرة التي أصبحت تميز شهر رمضان عن بقية الشهور، وقد قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ««من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» » (البخاري ومسلم).
وكذلك الحال مع ليلة القدر؛ فقيامها يفضل على قيام ألف شهر لقوله عز وجل {” لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ “} فالعجب كل العجب ممن يفرط في هذه الليلة العظيمة.
(4) قراءة مائة آية في الليل:
فعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: ««من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة»» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
وقراءة مائة آية آمر سهل لن يقتطع من وقتك أكثر من عشر دقائق، ويمكن أن تدرك هذا الفضل إن كان وقتك ضيقًا بقراءة أول أربع صفحات من سورة الصافات مثلاً، أو قراءة سورة القلم والحاقة.
وإذا فاتك قراءتها بالليل فاقضها ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، ولا تكسل عنها لتدرك ثوابها بإذن الله تعالى؛ لما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل» » (مسلم).
قال المباركفوري رحمه الله تعالى معلقاً على حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل، وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو لعذر من الأعذار، وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل، وقد ثبت من حديث عائشة عند مسلم والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة أ هـ (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري).
ولعل هذا الحديث يستحثك على أن يكون لك ورد يومي من القرآن خصوصا بالليل.
ألا تعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على قراءة عشر آيات على الأقل بالليل كي لا نكتب من الغافلين؟
فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: « «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتِبَ من القانتين، ومن قام بألف آية كُتِبَ من المقنطرين»» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن صحيح).
فهل نحرص على قراءة كتاب الله عز وجل؟ ينبغي أن لا يكون ختمنا له مقتصرًا على شهر رمضان فحسب، وإنما يكون ذلك طوال العام.
ولعل الحرص على قراءة مائة آية يوميًا للحصول على ثواب قيام ليلة انطلاقة مباركة لحثنا على ملازمة كتاب الله عز وجل.
(5) قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل:
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ««من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»» (والبخاري واللفظ له ومسلم).
قال النووي رحمه الله تعالى: قيل: معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل من الجميع.اهـ (صحيح مسلم بشرح النووي).
وأيد ابن حجر رحمه لله تعالى الرأي قائلا: وعلى هذا فأقول: يجوز أن يراد جميع ما تقدم والله أعلم، والوجه الأول ورد صريحًا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رَفَعَهُ: ««من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة»» (فتح الباري).
إن قراءة هاتين الآيتين أمر سهل جدًا ومعظم الناس يحفظونهما ولله الحمد، فحري بالمسلم المحافظة على قراءتها كل ليلة، ولا ينبغي الاقتصار على ذلك لسهولته وترك بقية الأعمال الأخرى التي ثوابها كقيام الليل؛ لأن المؤمن هدفه جمع أكبر قدر ممكن من الحسنات، كما أنه لا يدري أي العمل سيقبل منه.
قال عبد الله بن عمير رحمه الله تعالى: لا تقنعن لنفسك باليسير من الأمر في طاعة الله عز وجل كعمل المهين الدنيء، ولكن اجتهد فعل الحريص الحفي ا هـ (حلية الأولياء).
من كتاب :
- ” كيف تثقل ميزانك ” لمحمد بن إبراهيم النعيم
Source link