قال الحافظ: الرباط ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم
د . فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” «رباط يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها، والرَّوحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة، خيرٌ من الدنيا وما عليها» “.
قوله: (رباط يوم في سبيل الله).
قال البخاري: باب فضل رباط يوم في سبيل الله، وقول الله تعالى: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾} [آل عمران: 200] إلى آخر الآية وساق الحديث[1].
قال الحافظ: الرباط ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم قال: واستدلال المصنف بالآية اختيار لأشهر التفاسير، فعن الحسن البصري وقتادة: اصبِروا على طاعة الله وصابروا الانتظار الوعد، ورابطوا العدو، واتقوا الله فيما بينكم، وعن زيد بن أسلم: اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا الخيل؛ قال ابن قتيبة: أصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم وهؤلاء خيلهم استعدادًا للقتال، قال الله تعالى: {﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾} [الأنفال: 60]، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهما، وتفسيره برباط الخيل يرجع إلى الأول، وفي الموطأ عن أبي هريرة مرفوعًا: وانتظار الصلاة فذلكم الرباط، وهو في السنن عن أبي سعيد قال: وحمل الآية على الأول أظهر، قال: ويحتمل أن يكون المراد كلًّا من الأمرين، أو ما هو أعم من ذلك.
قوله: (خيرٌ من الدنيا وما عليها)، وفي حديث سهل بن سعد وما فيها.
قال الحافظ: والتعبير بقوله وما عليها أبلغ وحديث سلمان عند أحمد والنسائي وابن حبان: رباط يوم أو ليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، ولأحمد والترمذي وابن ماجه عن عثمان: رباط يوم في سبيل الله خيرٌ من ألف يوم فيما سواه من المنازل[2].
قوله: (وموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها)، وفي حديث أنس: ولَقابُ قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد، يعني سوطه – خيرٌ من الدنيا وما فيها، والقاب: القدر، وكذلك القيد.
قال الحافظ: إن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد، وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أمرٌ أعظم من جميع ما في الدنيا، فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات، والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا، فنبَّه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا.
قوله: (والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة، خيرٌ من الدنيا وما عليها).
قال الحافظ: والغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو، وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه، والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها؛ انتهى، وروى ابن المبارك من مرسل الحسن قال: «بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جيشًا فيهم عبد الله بن رواحة، فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده، لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غفوتهم» [3]
[1] صحيح البخاري: (4/ 43).
[2] فتح الباري: (6/ 85، 86).
[3] فتح الباري: (6/ 14).
Source link