منذ حوالي ساعة
علينا جميعًا نحن أهل الإسلام، أن نُقدِّمَ رسول الله ونفضِّله على كل أحد، والثناء عليه، وسلوك الأدب معه ومع سنته، وأن نُكثر من الصلاة والسلام عليه…
خطبة الحاجة
أيها المسلمون، إذا كان الواحد منا يشرُف بواحدة أو اثنتين من خِصال الكمال والجلال، فما ظنُّك بعظيمِ قَدْرِ محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
مَنِ اجتمعت فيه كل هذه الخصال؛ من فضيلة النبوة والرسالة، والخُلَّة والمحبة، والاصطفاء والإسراء، والقرب والشفاعة، والوسيلة والفضيلة، والمقام المحمود، والبُراق والمعراج، والبعث إلى الأسود والأحمر، والصلاة بالأنبياء، والشهادة بين الأنبياء والأمم، وسيادة ولد آدم، ولواء الحمد، ورحمة للعالمين، وإعطاء الرضا والسؤل والكوثر، وإتمام النعمة، والعفو عما تقدم وما تأخر، وشرح الصدر، ووضع الإصر، ورفع الذكر، وعزة النصر، والتأييد بالملائكة، وإيتاء الكتاب والحكمة، والسبع المثاني، والقرآن العظيم، وصلاة الله تعالى والملائكة عليه، والقسم باسمه، وإجابة دعوته، وتكليم الجمادات والعجماوات، ونبع الماء من بين أصابعه، وانشقاق القمر، والنصر بالرعب، وظل الغمام، وتسبيح الحصى، والعصمة من الناس، والتمكين والعزة والغلبة، إلى غير ذلك مما لا يُحصيه إلا الله تعالى، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
قال القاضي عياض رحمه الله في بيان هذه الآية الكريمة: “فكفى بهذا حظًّا وتنبيهًا، ودلالة وحُجَّةً، على إلزام محبته صلى الله عليه وسلم، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمنٍ إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة؛ اقرؤوا إن شئتم» : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]))؛ [ (البخاري) ].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه»؛ [ (رواه مسلم) ].
• وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده، والناس أجمعين»؛ [ (متفق عليه) ].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده»؛ [ (رواه البخاري) ].
وقال عبدالله بن هشام: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله آخِذٌ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفاروق، فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لَأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك» ، فقال عمر الفاروق: فإنه الآن، والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر»؛ [ (رواه البخاري) ]؛ قال ابن حجر: “أي: الآن عرَفت، فنطقت بما يجب”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما…»؛ [ (متفق عليه) ].
أيها المسلمون، رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكرم الخلق عند ربه، وهو ذو الخُلُق العظيم، والهَدْيِ القويم، وهو من وصفه الله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وهو واسطة النعمة العظمى؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن التفرق والاختلاف والعصبية إلى الأُلفة والمحبة والاجتماع: ((وكونوا عباد الله إخوانًا)).
أيها المسلمون، إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضٌ وفضل؛ والفرض هي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به من ربه، وتلقِّي ذلك بالتسليم والمحبة والرضا، وعدم طلب الهدى من غير طريقه وسُنَّته صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك حسن الاتباع له صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن ربه تبارك وتعالى، وتصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته فيما أمر من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه من المنهيَّات، ونصرة دينه، ونشر دعوته وسنته، والحرص على التخلُّق بأخلاقه، ومحبة آل بيته وأصحابه وزوجاته، وتعليم الأمة سُنَّتَه.
أيها الناس، والمحبة الأخرى له صلى الله عليه وسلم هي “المحبة التي تقتضي حسن التأسِّي به، وتحقيق الاقتداء بسنته، وأخلاقه، وآدابه، والحرص على العمل بما كان يعمله من نوافل الطاعات، والأعمال الصالحات، وغير ذلك من آدابه الكاملة، وأخلاقه الطاهرة”.
أيها المسلمون، وقد سُئِل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال رضي الله عنه: “كان واللهِ أحبَّ إلينا من أموالنا، وأولادنا، وآبائنا، وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ”.
وقيل لزيد بن الدثنة، وكان أسيرًا عند قريش، وخرجوا به ليقتلوه خارج الحرم: أُنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن عندنا، نضرب عنقه، وأنت في أهلك وبين أولادك؟ فصاح بهم، وقال كلمته المدوِّية التي سجلها التاريخ، وسطَّرتها الكتب، وطار بها الرُّكبان، وتناقلتها الأجيال جيلًا بعد جيل، إلى هذه اللحظة، قال زيد ابن الدثنة رضي الله عنه: “والله ما أحب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه تُصيبه شوكة تؤذيه”، يا ألله! ما هذا الحب الذي سكن قلوب أولئك الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار؟ حب وفداء، وصدق واقتداء.
قال الصِّدِّيق يوم الهجرة وهما في الغار متخفيان من أعين قريش، وقد رأى المشركين وهم يبحثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اقتربوا من الغار، فخاف أبو بكر الصديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لرآنا، فقال الصادق للصديق: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» ؟)).
حبٌّ لا نظير له ولا مثيل، وسُجِّلت تلك العبارة وتلك المحبة وخُلِّدت في القرآن الكريم، فهي تُتلى في المصاحف، وفي المساجد، وفي المحاريب، وفي الخطب والمواعظ، وفي وسائل الإعلام، وتدرس للأجيال جيلًا بعد جيل: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
أيها المسلمون، علينا جميعًا نحن أهل الإسلام، أن نُقدِّمَ رسول الله ونفضِّله على كل أحد، والثناء عليه، وسلوك الأدب معه ومع سنته، وأن نُكثر من الصلاة والسلام عليه، والشوق لرؤيته، ونشر دينه وسنته، والحرص على هَدْيِهِ وطريقته، ونشر فضائله، وذكر وتَعداد خصائصه ومعجزاته، ودلائل نبوته ورسالته، وتعريف الناس بهديِهِ وأخلاقه وسُنته، ونشر ذلك في أوساط المجتمعات، وأن ندرس للأجيال الحاضرة سيرته وجهاده وغزواته، ونشر فضائل آل بيته وزوجاته، ونشر مآثر أصحابه وما كانوا عليه من الحب الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته التأدُّبُ عند ذكره صلى الله عليه وسلم – عباد الله – فرأس الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كمالُ التسليم له، والسمع والطاعة، والانقياد لأوامره، واجتناب نواهيه، وتلقِّي خبره وسنته بالقبول والتصديق والتسليم: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، قلت ما سمعتم…
يا طالبًا شرف اللحاق بزمرتــه ** ومؤمِّلًا أنس الجوار بصحبته
ستنال ما أمَّلت إن لاقيتـــــــه ** متمسكًا بعد الكتاب بسنتــــه
أكْثِرْ عليه من الصلاة وزِدْ بهـا ** أملًا لنَيل جواره وشفاعتـــــه
أما بعد: أيها المسلمون؛ قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
أيها الناس، إن شأن المصطفى عند الله تعالى عظيم، وإن قدره عند الله رفيع، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين.
ولقد زكَّاه ربه في كل شيء؛ زكى عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2]، وزكى لسانه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]، وزكى شرعه فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، وزكى قلبه فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، وزكى بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17]، وزكى أصحابه فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، وزكى أخلاقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وزكى دعوته فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، وقد زيَّنه ربه تبارك وتعالى، بالحِلم، والعلم، والرحمة، والتواضع، والإنابة، والزهد، والكرم والحياء، والمروءة، والشجاعة، والرجولة، والعفة، والعفو، والسخاء، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين.
• قال ابن عباس رضي الله عنهما: “رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للبَرِّ والفاجر، فمن آمن به، فقد رُحِم في الدنيا والآخرة، ومن كفر به، فقد رُحِم في الدنيا، وأُجِّل له العذاب في الآخرة؛ لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ فقال الصادق: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».
شعارنا – نحن أهلَ الإسلام – مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعنا وأطعنا: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56]، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].
أيها المسلمون، لماذا نقتدي برسول الله؟ لأن حياته هي حياة أكمل الناس، ونقتدي به طاعةً لله تعالى؛ لأن الله أمر بطاعة رسوله، نقتدي برسول الله؛ لأن الله عصمه، فقد قال رسول الله لأحد أصحابه وقد سأله عن كتابة ما يُحدِّث به رسول الله فقال: ((اكتب، والله لا يخرج من هذا – وأشار إلى لسانه – إلا حقًّا)).
أيها الناس، إذا أرادت هذه الأمة في هذا العصر النصرَ والتأييد، والتمكين والعزة والكرامة، وأن تنتصر على الأعداء من يهود ونصارى ومنافقين، فعليها التمسك بحبل الله المتين، وشرعه القويم، وأن تتمثل في حياتها هَدْيَ سيد المرسلين، وأن تكون خُطاها على الصراط المستقيم، وأن تحكِّم شريعة رب العالمين، وأن تصبُغ حياتها كلها بصِبغةِ الدين؛ كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الأمة أن تتهيأ بكل مكوناتها؛ رجالًا ونساء، وشبابًا وصغارًا وكبارًا، وحكَّامًا ومحكومين، لتحمل هذه الأمانة أمانةَ الدين، والحفاظ على عقيدة الولاء والبَراء؛ الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكفر والكافرين وسائر المنافقين، وأن تُعِدَّ هذه الأمة شبابها وأطفالها لتحمل مسؤولية نشر الدين؛ كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تترسم هذه الأجيال في خُطاها ما كان عليه الجيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ أهل القرون المفضَّلة، الذين أثنى الله عليهم، ومدحهم، ورضِيَ عنهم، ورضُوا عنه، وبيَّن فضلهم وجهادهم، وبذلهم الصادق المصدوق في سنته المطهرة.
أيها المسلمون، ها هي أرض فلسطين، وبيت المقدس، والمسجد الأقصى، وغزة، تئن من جراحاتها، وتشكو من آلامها، وتصرخ من ظلم عدوها، وتصرخ من خِذلان بني قومها، وممن خانوا الدين والأمة، فهل من مغيث لها بعد الله تعالى؟
اللهم أغِثْهم، اللهم أغِثْهم يا رب العالمين.
ألَا وصلوا…
_____________________________________________
الكاتب: راجح محمد حسين الحنق
Source link