منذ حوالي ساعة
إن على المسلم أن يضبط ألفاظه وعباراته بضابط الشرع، والمنهج الحق. وفي هذه المقال سنتناول بعض العبارات الدارجة
على المؤمن أن يعلم أنه مكشوف أمام الله، يعلم سره ونجواه، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]، فلا يحجبه عن الله ستر، لا خافتة ولا خافية؛ فالله سبحانه وتعالى أقرب إليه من حبل الوريد الذي يجري في دمه، من أجل أن يعيش في حذر دائم، وخشية، ويقظة، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، فما من لفظ يلفظه، وما من فعل يفعله؛ إلا وملكان يسجلانه، فلنتق الله في ألفاظنا وأفعالنا.
عباد الله: إن أعظم الجوارح اختراقا للحرمات هو اللسان، قال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]، وفي هذا أمر واضح بوجوب أن يوظف المسلم لسانه بالخير ناطقًا وساكتًا.
فالمسلم لا يتكلم إلا فيما يرجو به الربح والزيادة في دينه، فالقلوب كالقدور تغلي بما فيها والألسنة مغارفها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثرَ ما يُدخل الناسَ النارَ، الأجوفان: الفمُ والفرجُ» (رواه أحمد بسند حسن).
وإنك لتعجب أن الإنسان يحمي نفسه من الأكل الحرام، والظلم، والوقوع في الفواحش العملية، ويصعب عليه أن يتحفظ من فلتات لسانه.
وفي الحديث الذي رواه البخاري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم».
قال صلى الله عليه وسلم ” «قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟! فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك» “. ثم قال أبو هريرة، رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده لقد تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته)، وصدق من قال: (رب كلمة قالت لصاحبها: دعني).
واحذر لسانك أيها الإنسان… لا يلدغنك إنه ثعبان
فالإنسان يتلفظ بالألفاظ، وينسى في الغد ما قاله بالأمس، ولكن الله يحصي عليه.
قال تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
فإذا كان الناس قد نسوه؛ فإن الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة يعلمه، فلا تخفى عليه خافية؛ تلك حقيقة ثابتة عميقة التأثير على أهل الإيمان، تجعل قلوبهم وجلة.
فَلَنُدَقِّقُ فِي الْأَلْفَاظِ، وَلَنَفْحَصُ الْعِبَارَاتِ، فَقَدِ اِسْتَهَانَ بِهَا عَدَدٌ مِنَ الْخَلْقِ، فَتَرَاهُمْ يُطْلِقُونَ الْعِبَارَاتِ دُونَ رَابِطٍ لَهَا، وَدُونَ تَثَبُّتٍ مِنْهَا.
فعلى المسلم أن يحذر -كل الحذر – من الألفاظ غير الشرعية، التي يكون في بعضها سوء أدبٍ مع الله، عز وجل، وفي بعضها خلل في الاعتقاد، أو الفهم.
إن على المسلم أن يضبط ألفاظه وعباراته بضابط الشرع، والمنهج الحق. وفي هذه المقال سنتناول بعض العبارات الدارجة، ومن ذلك:
أولًا: قول بعضهم حينما يراجع جهة من الجهات؛ فيسأله رفاقه: من واسطتك عند هذه الجهة؟ فيجيب: واسطتي الله. تعالى الله عن قوله علوا كبيرا، فشأن الله أعظم؛ فإن الله لا يستشفع به عند خلقه، وكان من المفترض واللائق أن يقول: ذهبت متوكلا على الله، وفي الحديث الحسن: قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم (فَاسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِالله عَلَيْكَ، وَبِكَ عَلَى الله، فَقَالَ النَّبِيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله» !» فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللهُ، إِنَّ شأنه أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، أنه لا يُسْتَشْفَعُ بِالله عَلَى أَحَدٍ» فكيف يقول واسطتي الله، فهل الله سبحانه وتعالى، فهل رب العزة والجلال شفع له عند ذلك المسؤول، تعالى الله عن ذلك علو كبيرًا، إن هذا معنى كلام القائل: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، ولو درجت الألسن على هذه العبارة، فينبغي الحذر، والتحذير منها، فإذا كان اتخاذ الشفعاء عند الله شرك، فكيف من جعل مقام الشفعاء، أعظم من مقام الله.
ثانيًا: قول البعض إذا رأى رجل يشبه رجل، سبحان الله الخالق الناطق، فإنه وصف الله بصفة النُطق، وأسماء الله وصفاته توقيفيه، والله سبحانه وتعالى: له صفة الكلام، ولا يوصف بالناطق، فيجب ألا يعدل عن النص.
ثالثًا: قول البعض اللهم إنني أحمدك حمدًا، حتى يبلغ الحمد مداه، وهذا كلام لا يصح ولا يليق؛ فإن العبد مهما مدح الله وأثنى عليه، لا يمكن أن يكون لمدح الله، منتهى.
رابعًا: ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كما أثْنَيْتَ علَى نَفْسِكَ» (رواه مسلم). فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، مهما أثنى على الله، فإنه لا يبلغ بالثناء مداه، كما أثنى الله على نفسه.
خامسًا: ويؤيد ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث الشفاعة: «ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحامِدِهِ وحُسْنِ الثناءِ عليْهِ شيئًا لم يفتحْهُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي» (رواه البخاري ومسلم). فكيف يقول العبد: أحمد حمدًا حتى يبلغ منتهاه؟
سادسًا: قول بعضهم حينما توكل إليه مهمة، أو يسعى في مهمة، فيسأل: كيف عملك؟ فيجيب: أديت ما علي، والباقي على الله. سبحان الله! كأنه يقول: لم يحدث مني نقص، ولم يبدر مني تقصير في الجزء الموكل لي، وبقي ما على الله. أجعلت نفسك لله ندا؟! بل وأثنى على نفسه، ووصفها بالكمال، وأما القصور – إن حدث – فليس منه، فممن؟؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ فالمسلم في كل أموره وأعماله يتوكل على الله، ولا يتكل على نفسه، وكان من دعائه، صلى الله عليه وسلم: «فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين» والمنهج الشرعي أن يقول هذا الرجل: فعلت الأسباب، وتوكلت على الله، وفي الحديث، قال رجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال، صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكل». أي عليك فعل الأسباب متوكلا على الواحد القهار. فهذا هو المنهج الشرعي في مثل تلك العبارات.
سابعًا: وقول بعض من الناس، في بعض المناسبات: وليمتنا القادمة في بيت فلان. فينبري أحد الحضور، ويقول متسرعا: عند فلان؟ (يجيب الله مطر)، وهذه العبارة فيها سوء أدب مع الله، فهي لا تخرج عن احتمالين، وكلاهما أسوء من الآخر: فالاحتمال الأول: إنه ضرب مثلا لاستحالة أن يدعوهم فلان، باستحالة أن ينزل الله المطر في هذا الوقت؛ وهذا خلل عظيم في الاعتقاد.
ثامنًا: الاحتمال الثاني: إن هذا الرجل بخيل لا يمكن أن يكرمنا، كما أن (والله لا أستسيغ أن أقولها، ولكن أقول: تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)؛ فالله كريم جواد لطيف، بيده الخير كله، وقد يقول قائل: أليس من المحتمل أن يكون قصده بأن موعد هذا اللقاء عند نزول الأمطار؟ فيقال: سياق الألفاظ لا يشي بذلك؛ لأنه قالها على سبيل الاستنكار، ولو كانت هذه نيته؛ فلا حرج فيها، مع أنها تبقى موهمة.
تاسعًا: ومن الألفاظ الدارجة عند البعض أيضا، أن يقول المظلوم للظالم: ظلمتني، الله يظلمك. وهذا باطل محال، ولا تجوز نسبة الظلم لله؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}، وإن كان ولابد قائلا؛ فليقل: اللهم ينصرني عليك.
عاشرًا: ومن الأدعية المنهي عنها، قول بعضهم إذا دعا على خصمه، أو عدوه من أهل الإسلام: اللهم، اسلبه الإيمان. قال الإمام النووي، رحمه الله: إنه عصى بذلك، قلت: ولعل السر في ذلك لأنه دعا بأن يكون هذا الإنسان عاصيا لله، وهذا لا يجوز؛ فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم». وأي إثم أعظم من أن يدعو مسلم على أخيه المسلم، بأن يرتد عن دين الله؟! فبدلا من أن يدعو للفجار بالهداية؛ فإذا به يدعو بارتداد أهل الإسلام.
الحادي عشر: ومن الألفاظ التي يرددها بعض المتعصبين لفرقهم الرياضية؛ وهي من الخطورة بمكان؛ إذا رأى من يوافقه الميول: “وافقت الفطرة”، نعوذ بالله من غضبه وسخطه؛ فالفطرة هي التوحيد، بل – وربي – إن الانتماء والتشجيع إن لم يخالف الفطرة؛ فقطعا ليس من الفطرة، فكيف يجعله الفطرة الصحيحة؟
الثاني عشر: وكذلك قول بعضهم إذا رأى من يترك تشجيع ناد منافس، وينتقل إلى ناديه: “الحمد لله على الهداية ” أو: ” الحمد لله الذي هداك للحق” أو ما شابه ذلك من الألفاظ، وهذا كلام في منتهى الضلال؛ فالهداية تكون للإسلام؛ وليست لتشجيع ناد رياضي؛ ألا فلنتق الله في ألفاظنا، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
الثالث عشر: ومن الألفاظ التي يقولها بعض الجهال إذا رأى رجلا يشجع ناديًا غير ناديه: (إنك لا تهدي من أحببت)، فإن لم يكن هذا القول من الضلال؛ فما هو الضلال؟ فالهداية لا تكون إلا للإسلام والخير، لا بتشجيع ناد وترك ناد. إن هذه الألفاظ قد لا يلقي لها أصحابها بالا، ويخشى عليهم منها. وقد يقول قائل: إن هذه الألفاظ قد تكون مقاصد قائليها حسنة، فيقال: حسن القصد، لا يصحح قبح القول؛ ولذا حذر النبي، صلى الله عليه وسلم، من أن يشق أحدنا على نفسه في الصلاة؛ فيدعو على نفسه، مع أنه يريد الدعاء لها؛ فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري» (رواه النسائي، وصححه الألباني).
الرابع عشر: ومن الألفاظ الدارجة، والتي ليس فيها سوء أدب مع الله؛ ولكنها فيها خطأ شائع، انتشر بين الناس؛ ومن ذلك:
الخامس عشر: حينما يأتي الإنسان ليعزي آخر، فيبادر المعزى، بالرد على المعزي، بقوله: لا أراك الله مكروها! وهذه اللفظة وإن كان مقصد قائلها حسن، إلا أن في ظاهرها دعاء على المعزي؛ فكأنه يقول: جعلك الله أول أهلك وفاة، لأنه ما من مخلوق إلا وسيرى ما يكرهه، فلا شك أنه سيمرض، أو يمرض أحد من أهله وأخلائه، أو يرى ما يكرهه في طريقه، أو يسمع ما يكرهه، أو يموت أحد من أهله وأخلائه، وهذا مكروه عنده، فكأنه يقول: جعلك الله تموت قبل أن تدرك وفاة، أو مرض غيرك، أو مرضك، أو ترى أو تسمع ما تكره؛ فهو أراد الخير، ولكنه لم يحسن العبارة. والأليق بالمعزى أن يقول للمعزي: جزاك الله خيرا، أو شكر الله مسعاك، أو أثابك الله، أو غيرها من عبارات الدعاء والشكر.
• ويذكر أن رجلا زار الإمام الشافعي في مرضه، فقال له: قوى الله ضعفك، فقال: لو قوى ضعفي لهلكت، فقال: ما أردت إلا الخير، فماذا أقول؟ قال: قل: أبرأك الله من مرضك. فعلى المسلم أن ينتقي الألفاظ كما ينتقي أطايب التمر.
السادس عشر: وقريب من هذا القول، قول بعض الناس: “اللهم لا تحوجني لأحد من خلقك “، وهذا دعاء غير مشروع؛ لأنه ما من مخلوق إلا ويحتاج لغيره، ولما سمع الإمام أحمد، رحمه الله، رجلا يقول: اللهم لا تحوجني لأحد من خلقك! قال: هذا رجل تمنى الموت، فالأصوب أن يقول: اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك.
السابع عشر: ومن الألفاظ الدارجة، قول بعضهم:(الله يعاملنا بعدله)، والأليق أن يقول: (اللهم عاملنا بفضلك وعفوك ورحمتك)، قال شيخنا ابن عثيمين -رحمنا الله وإياه-: (فمن المعلوم، لو أن الله عامل الناس بعدله، لأهلكهم جميعًا، لقوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [ فاطر: 45].
الثامن عشر: ومن ذلك قول البعض لأبنه، أو أحد من أهله وأصحابه، اجعل ثقتك بنفسك عظيمة، وهذه قد تفتح بابً للغرور، والاعجاب بالنفس، بل؛ وقد تصل إلى الاستغناء عن الله، وقد أجمع العلماء على أنه لا يستغنى عن الله، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهمَّ رحمتَك أرجو فلا تكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ وأصلِحْ لي شأني كلَّه». (رواه أحمد بسند صحيح).
_____________________________________________________
الكاتب: الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي
Source link