الشرك الأصغر – علي بن عبد العزيز الشبل

منذ حوالي ساعة

وَالشِّرْك الأصغر غالبه في الألفاظ، مِمَّا يلقيه الإنسان من الشِّرْك، من التسوية بين الله وبين المخلوق، في جلب النعم، أو في اندفاع النقم، أو في الحلف والتعظيم، وهو لا يريد ذلك بقصده وقلبه ونيته؛ فكل هٰذَا من الشِّرْك الأصغر الَّذِي يوصل إِلَىٰ الشِّرْك الأكبر.

أَيُّهَا المؤمنون! حذَّر الله عباده من ذنبٍ عظيم، وجرمٍ خطير، وتوعَّد عليه بأشدِّ أنواع العقوبات، بل توعَّد عليه أنه ذنبٌ لا يغفره: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، أمر الله جَلَّ وَعَلَا بِالتَّوحِيْدِ، فهو أعظم أوامره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، وأعظم نواهيه، وأعظم ما نهى عنه هو الشِّرْك به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، فَقَالَ في آية الحقوق العشرة من سورة النساء: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].

 

وإنَّ من الشِّرْك يا عباد الله شركٌ يُسمى بـ”الشِّرْك الأصغر”، فما هو الشِّرْك الأصغر؟ هو كل ذنبٍ سمته الشَّرِيْعَة شركًا، ولم يبلغ حد الشِّرْك الأكبر، بل كان وسيلةً من وسائله، وَهٰذَا الشِّرْك الأصغر يا عباد الله توعَّد الله عَزَّ وَجَلَّ أنه لا يغفره، كما أنه يُحبط العمل الَّذِي صاحبه، كما أن صاحبه عَلَىٰ خطرٍ عظيم أن يوصله هٰذَا الشِّرْك الأصغر إِلَىٰ الشِّرْك الأكبر المُخرِج من الملة.

 

فَهٰذَا الشِّرْك الأصغر يا عباد الله ما ورد من الذنوب تسميته شركًا، ولم يبلغ حد الشِّرْك الأكبر، كالحلف بغير الله بلسانه دون قصده وقلبه وجنانه، بتعظيم المحلوف به تعظيم عبادة، فإنْ عظَّم المحلوف به تعظيم عبادة سوى الله عَزَّ وَجَلَّ؛ انتقل الشِّرْك الأصغر إِلَىٰ الشِّرْك الأكبر، كمن يحلف بأبيه، أو يحلف بعزه وشرفه، أو يحلف بِالنَّبِيِّ أو بحياته، أو يحلف بفخره وغير ذلك، وَهٰذَا كله من الشِّرْك الأصغر.

 

ثبت في الصحيحين [1] من حديث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كنَّا مع النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، وكنَّا نحلف بآبائنا، فأرسل فينا مناديًا ينادي: “إنَّ الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا؛ فليحلف بالله أو ليصمت”.

 

وفي صحيح مسلم[2] عن النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «من حلف بغير الله؛ فقد كفر أو شرك».

 

إذا حلف بِالنَّبِيِّ أو بحياة النَّبِيّ، أو حلف بالولي الَّذِي يعظمه، أو حلف بأبيه وعزِّه، فَقَالَ: “ورأس أبي، وعزّ أبي وشرفي”؛ فَهٰذَا من الشِّرْك الأصغر؛ لأنه حلف بغير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ.

 

وجنس الشِّرْك الأصغر يا عباد الله أعظم من جنس عموم الكبائر مِمَّا سوى الشِّرْك، قَالَ عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “لأن أحلف بالله كاذبًا أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا”.

 

الحلف بغير الله كاذبًا هي اليمين الغموس، الَّتِي توعد صاحبها أنه يُغمس في نار جهنَّم عذابًا وجزاءً لهذا الحلف بالله كاذبًا؛ لأنه لم يقم في قلبه تعظيم الله جَلَّ وَعَلَا حق التعظيم، حَتَّىٰ استهان أن يحلف به كاذبًا.

 

أما الحلف بغير الله ولو كان صادقًا في حلفه بارًّا بذلك، فهو أشنع وأعظم من حلفه بالله كاذبًا؛ لأنَّ الحلف بغير الله من جنس الشِّرْك الأصغر، وَالشِّرْك الأصغر أقبح من عموم الكبائر، مِمَّا سوى الشِّرْك بالله عَزَّ وَجَلَّ.

 

ومن الشِّرْك الأصغر يا عباد الله: إضافة النعم إِلَىٰ الله وَإِلَىٰ غيره بالواو الدَّالَّة عَلَىٰ المساواة، فيقول القائل: “هٰذَا من فضل الله وفضلك!”، ويقول: “هٰذَا من معروف الله ومعروفك!”، و”أنا داخل عَلَىٰ الله وعليك”، و”هٰذَا من الله ومنك”، و”أنا بالله وبك”، ومنه قوله: “ما شاء الله وشئت”، ففي حديث قُتيلة عند أبي داود[3] بإسنادٍ صحيح، أن يهوديًّا أتى النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يا مُحَمَّد إنكم تشركون، فَقَالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْ، وما ذلك» ؟»، قَالَ: تقولون: والكعبة، وتقولون: ما شاء الله وشاء مُحَمَّد، فقبل النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هٰذِه المؤاخذة، وَهٰذِه الملاحظة، ولو كان قائلها من أخبث عباد الله وهم اليهود، فأمر صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه ألَّا يقولوا: والكعبة، بل يقولوا: «ورب الكعبة»، فنهاهم عن الحلف بالكعبة، مع أنها أشرف البنيات عَلَىٰ هٰذِه البسيطة، وَقَالَ: «قولوا: ورب الكعبة»، ونهاهم أن يقولوا: ما شاء الله وشاء مُحَمَّد؛ قَالَ: «بل قولوا: ما شاء الله وحده»؛ لأنَّ هٰذَا كله من جنس الشِّرْك الأصغر.

 

وَالشِّرْك الأصغر يا عباد الله غالبه في الألفاظ، مِمَّا يلقيه الإنسان من الشِّرْك، من التسوية بين الله وبين المخلوق، في جلب النعم، أو في اندفاع النقم، أو في الحلف والتعظيم، وهو لا يريد ذلك بقصده وقلبه ونيته؛ فكل هٰذَا من الشِّرْك الأصغر الَّذِي يوصل إِلَىٰ الشِّرْك الأكبر.

 

وَالشِّرْك الأكبر يا عباد الله أعظم ذنبٍ عُصي الله عَزَّ وَجَلَّ به، وهو المُخرِج من الملة، المُحبط للعمل؛ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

 

 

عباد الله! فإنَّ من صور الشِّرْك الأصغر: إضافة النعم إِلَىٰ غير الله، فيقول النَّاس، كمن يسافر في طائرةٍ أو في سفينة: “لولا أن كابتن الطائرة حاذق لهلكنا” أو “رُبَّان السفينة حاذق لغرقنا”؛ فيضيف نعمة النجاء من الغرق والهلك إِلَىٰ هٰذَا القائد، وَهٰذَا ممن أضاف النعم إِلَىٰ غير الله جَلَّ وَعَلَا، وَهٰذَا ممن أضاف النعم إِلَىٰ غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، وَهٰذَا من الشِّرْك الأصغر.

 

ومن الشِّرْك الأصغر: ما قاله ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يقول القائل: لولا كُليبة فلان لسرقنا اللصوص، أو يقول: لولا البط في الدار لسرقنا اللصوص، فأضاف نعمة الأمن من السَّرِقَة إِلَىٰ البط أو إِلَىٰ الكلبة الفلانية؛ فَهٰذَا من الشِّرْك الأصغر يا عباد الله.

 

ومن الشِّرْك الأصغر أَيْضًا: يسير الرياء، يقوم يصلي صلاته، أو يعتمر أو يتصدق، أو يذكر الله ليمدحه النَّاس وثنوا عليه، فإن كان هٰذَا الشِّرْك طارئًا عَلَىٰ العبادة، طارئًا عليها، واستمر معها؛ فهو شركٌ أصغر؛ حبطت به هٰذِه العبادة من صلاةٍ أو صدقةٍ أو ذِكرٍ أو غير ذلك، وإن كان أصل الشِّرْك أصل الرياء في قلبه، لا يصلي إِلَّا رياءً، ولا يحج إِلَّا رياءً، ولا يتصدق إِلَّا رياءً؛ فَهٰذَا هو رياء المنافقين، وهو الشِّرْك الأكبر المخرج من الملة؛ لأنه النِّفَاق الاعتقادي.

 

فحذاري يا عباد الله من الشِّرْك كله، أصغره وأكبره، دقيقه وجليله.

ثُمَّ اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

ثُمَّ اعلموا أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ أمرنا بأمرٍ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وَقَالَ نبيكم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذا كان يوم الجمعة وليلتها؛ فأكثروا من الصَّلَاة عليَّ، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ».[4]

والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 


[1] أخرجه البخاري (6108)، ومسلم (1646) بنحوه.

[2] لم أقف عليه في مسلم، وإنما أخرجه الترمذي (1535) بهذا اللفظ، وأخرجه أحمد (6072) بلفظ: (وأشرك) بدل: (أو أشرك).

[3] لم أقف عليه عند أبي داود، وقد أخرجه أحمد (27093)، والنسائي (3773) بنحوه.

[4] أخرجه أحمد (16162)، وأبو داود (1531)، وابن ماجه (1636)، والنسائي (1374) بنحوه.

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

معنى: العلم بالله تعالى ورسوله

منذ حوالي ساعة فالعلم بالله تعالى هو العلم بتوحيده وما يجب على العبد أن يعتقده …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *