هل الصراط قبل الحوض والميزان

ترتيب المواقف فإن كان ممن لا حساب عليهم، فالحوض ثم الصراط ثم الجنة، أما من دونهم من المسلمين، فالحوض ثم الميزان ثم الصراط، فإما إلى جنة وإما مكدوس في نار جهنم، أما الكفار فلا صراط يمرون عليه، ولا حوض يشربون منه، إنما هو سوء حساب فميزان ثم النار.

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله أجمعين؛ أما بعد: فعن أنس رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل إن شاء الله»، قلت: فأين أطلبك؟ قال: «أول ما تطلبني على الصراط»، قلت: فإن لم ألْقَكَ على الصراط؟ قال: «فاطلبني عند الميزان»، قلت: فإن لم ألْقَكَ عند الميزان؟ قال: «فاطلبني عند الحوض؛ فإني لا أُخطئ هذه الثلاث المواطن»[1].

 

فبقوله صلى الله عليه وسلم: «أول ما تطلبني على الصراط»: أراد له الأكمل والأفضل، وأعلى مراتب الشفاعة بدخول الجنة بغير حساب ولا عذاب، وأن يكون مع السابقين الأولين؛ فقد صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت الله عز وجل الشفاعة لأمتي، فقال لي: لك سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، فقلت: يا رب زِدْني، فقال: فإن لك هكذا، فحثا بين يديه، وعن يمينه، وعن شماله»[2].

 

ومن لا يُحاسَب، دخل الجنة بغير عتاب ولا ميزان ولا عذاب[3]؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال: «المهاجرون، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخَزَنَةُ: أوقد حُوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نُحاسَب؟ وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى مِتْنا على ذلك، قال: فيُفتح لهم، فيقيلون فيها أربعين عامًا قبل أن يدخلها الناس»[4].

 

لكنهم يشربون من الحوض قبل ذلك؛ فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن حوضي ما بين عدن إلى أَيْلَةَ، أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، أكاويبه كعدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، وأول من يَرِدُه عليَّ فقراء المهاجرين، الدُّنس ثيابًا، والشُّعث رؤوسًا، الذين لا ينكحون المنعَّمات، ولا يُفتح لهم السُّدَد[5]، والناس من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان بعدهم منازلُ».

 

وبقوله صلى الله عليه وسلم: «فاطلبني عند الميزان»: أي: إن أبطأ بك عملك، ولم تكن من السابقين الذين لا حساب عليهم ولا عذاب، فاطلبني عند الميزان لأشفع لك، والشفاعة في هذا الموقف فيها خير كبير، لكنها دون الأولى.

 

وبقوله صلى الله عليه وسلم: «فاطلبني عند الحوض»: والشفاعة في هذا الموقف فيها خير كبير كذلك، لكنها دون الأولى والثانية.

 

فالحديث يذكر مراتب الشفاعة، ولا يذكر ترتيب المواقف يوم القيامة.

 

أما ترتيب المواقف فإن كان ممن لا حساب عليهم، فالحوض ثم الصراط ثم الجنة، أما من دونهم من المسلمين، فالحوض ثم الميزان ثم الصراط، فإما إلى جنة وإما مكدوس في نار جهنم، أما الكفار فلا صراط يمرون عليه، ولا حوض يشربون منه، إنما هو سوء حساب فميزان[6] ثم النار.


[1] صحيح الترمذي: 2433.

[2] الصحيحة: 1879.

[3] ولعلهم كذلك هم الذين قال فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم: (إني لَقائم أنتظر أمتي تعبر على الصراط، إذ جاءني عيسى فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون – أو قال: يجتمعون إليك – ويدعون الله، أن يفرق بين جمع الأمم، إلى حيث يشاء الله، لغمِّ ما هم فيه فالخَلْقُ مُلجَمون في العَرَقِ، فأما المؤمن، فهو عليه كالزَّكْمَةِ، وأما الكافر فيتغشَّاه الموت قال: قال عيسى: انتظر حتى أرجع إليك، قال: فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى قام تحت العرش، فلقِيَ ما لم يلقَ مَلَكٌ مصطفًى، ولا نبي مرسل، فأوحى الله إلى جبريل: أن اذهب إلى محمد فقل له: ارفع رأسك، سَلْ تُعْطَ، واشفع تُشفَّع، قال: فشفعتُ في أمتي، أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا، قال: فما زِلْتُ أتردد على ربي، فلا أقوم مقامًا إلا شفعت، حتى أعطاني الله من ذلك، أن قال: يا محمدُ، أدْخِل من أمتك من خَلْقِ الله، مَن شهِد أنه لا إله إلا الله يومًا واحدًا مخلصًا، ومات على ذلك))؛ [مسند أحمد (12824)، قال شعيب الأرنؤوط: رجاله رجال الصحيح، صحيح الترغيب والترهيب: (3639)].

[4] الصحيحة: 853.

[5] صحيح ابن ماجه: 4303.

[6] عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه لَيأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يَزِنُ عند الله جناح بعوضة؛ وقال: اقرؤوا: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]))؛ [صحيح البخاري: (4729)].


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

القرآن كتابي (قصة للأشبال) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة سأحكي لكم اليوم المشهدَ العظيم، الذي فيه نزل خيرُ كتاب على خير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *