فهذه جملة من الأحاديث الحسان، جمَعت فيها عن نبينا العدنان – صلى الله عليه وآله وسلم – جملة مما صحَّ من فضائل شهر شعبان.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فهذه جملة من الأحاديث الحسان، جمَعت فيها عن نبينا العدنان – صلى الله عليه وآله وسلم – جملة مما صحَّ من فضائل شهر شعبان، وأسميتها: البيان لِما صَحَّ من فضائل شهر شعبان، أسال الله الكريم المنان أن ينفعنا بها وسائر المسلمين.
يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره:
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يومًا ثم صام))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (2325)، وابن حبان رقم: (869)، والحاكم 1/423)، والبيهقي (4/206)، وأحمد (6/149)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافَقه الذهبي، وتعقبهم الألباني – رحم الله الجميع – في إرواء الغليل (4/7) وقال: “قلت: وفيه نظر، فإن ابن صالح وابن أبي قيس لم يحتج بهما البخاري، فهو على شرط مسلم وحده”، وصحَّحه في تحقيق المشكاة رقم (1980)، وقال في صحيح أبي داود رقم: (2014): “قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن الجارود، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم، والذهبي”، وقال شيخنا مقبل الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/372): “هذا حديث حسن على شرط مسلم”].
صيام شهر شعبان:
أكثر صيامه – صلى الله عليه وآله وسلم – بعد رمضان في شعبان:
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان))؛ [أخرجه البخاري رقم: (1868)، ومسلم رقم: (1156)].
كان يصوم شعبان كله:
عن عائشة – رضي الله عنها – حدثته قالت: ((لم يكن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله …))؛ [أخرجه البخاري رقم: (1869)، ومسلم رقم: (782)].
عن أبي سلمة قال: سألت عائشة – رضي الله عنها – عن صيام رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فقالت: ((كان يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائمًا من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلًا))؛ [أخرجه مسلم رقم: (1156)].
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((ما كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يصوم من أشهر السنة أكثر من صيامه من شعبان، كان يصومه كله))؛ [أخرجه ابن خزيمة رقم: (2078)، وأحمد (6/ 84،128،189،233،249)، وهو في الصحيحين لكن دون قوله: ((كان يصومه كله))].
أصمت من سرر شعبان؟!
عن عمران بن حصين – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قال له – أو لآخر -: أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين))؛ [أخرجه مسلم رقم: (1161)، وفي لفظ: (1162)]: ((قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا؟ يعني شعبان، قال: لا، قال: فقال له: إذا أفطرت رمضان فصُمْ يومًا أو يومين؛ (شعبة الذي شك فيه)، قال: وأظنُّه قال يومين)).
أحبُّ الشهور إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يصومه:
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((كان أحبَّ الشهور إلى رسول الله أن يصومه: شعبانُ، ثم يَصِلُهُ برمضان))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (2431)، وابن خزيمة رقم: (2077)، وأحمد (6/188)، قال الألباني في الضعيفة (11/151): “بإسناد صحيح”، وقال في صحيح أبي داود (2101-الأم): “قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، والذهبي”].
وعن أنس بن سيرين قال: “أتينا أنس بن مالك – رضي الله عنه – في يوم خميس، فدعا بمائدته، فدعاهم إلى الغداء، فتغدى بعض القوم، وأمسك بعض، ثم أتوه يوم الاثنين، ففعل مثلها، فدعا بمائدته، ثم دعاهم إلى الغداء، فأكل بعض القوم، وأمسك بعض، فقال لهم أنس بن مالك: ((لعلكم اثنانيون، لعلكم خميسيون! كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يصوم فلا يفطر، حتى نقول: ما في نفس رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان))؛ [أخرجه أحمد (21/94 – 95/الرسالة)، وحسَّنه – رحمه الله – الألباني لشواهده في صحيح الترغيب رقم: (1023)].
صيام شعبان ورمضان:
عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: ((ما رأيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))؛ [أخرجه الترمذي رقم: (736)، والنسائي (4/140)، وحسَّنه الترمذي، وهو في تحقيق المشكاة رقم (1976)، وصحَّحه الألباني – رحمه الله – في صحيح الترغيب رقم (1025)، وتخريج مشكلة الفقر رقم (67)، وقال شيخنا أبو عبد الرحمن مقبل الوادعي – رحمه الله – في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/386): “صحيح على شرط الشيخين”، وصححه العدوي في تحقيق المنتخب لابن حميد رقم: (1536)].
إذا انتصف شعبان فلا تصوموا:
عن عبد العزيز بن محمد قال: قَدِمَ عَبَّادُ بن كثيرٍ المدينةَ، فمال إلى مجلس العلاء، فأخذ بيده فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))، فقال العلاء: “اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بذلك”؛ [أخرجه أبو داود رقم: (2025) وغيره، وأعله بعض أهل العلم – رحم الله الجميع – وصححه الألباني في صحيح الجامع وتحقيق المشكاة رقم: (1974)، وقال – رحمه الله – في صحيح أبي داود رقم: (2025- الأم): “قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الترمذي وابن حبان، واحتج به ابن حزم، وقوَّاه ابن القيم“].
ذاك شهر يغفل الناس عنه:
عن أسامة بن زيد – رضي الله عنها – قال: ((كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يصوم الأيام يسرد حتى يقال: لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم إلا في يومين من الجمعة إن كانا في صيامه وإلا صامَهما، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صُمتهما؟! قال: أي يومين؟ قال: قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس، قال: ذانك يومان تُعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم، قال: قلت: ولم أرَك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟! قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم))؛ أخرجه النسائي (1/322 )، وأحمد (5/201)، وحسَّنه المنذري في مختصر السنن (3/320 )، ووَهِمَ من عزاه لأبي داود كما نبَّه الألباني رحمه الله في تمام المنة (ص 412)، وصححه ابن خزيمة والحافظ كما في فتح الباري (4/215)، وقواه الألباني في إرواء الغليل تحت الحديث رقم (948)، وانظر: السلسلة الصحيحة (1/ رقم: 1898)].
ليلة النصف من شعبان:
قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((يطلع الله – عز وجل – إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن))؛ [صححه الألباني وقال: “روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضًا، وهم: معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد الله بن عمرو، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وأبي بكر الصديق، وعوف ابن مالك، وعائشة”، وصحَّحه الألباني – رحمه الله – من حديث معاذ – رضي الله عنه – في صحيح الترغيب رقم: (1026)، وانظر لطرق الحديث السلسلة الصحيحة (1/ رقم: 1144)، وحسن البيان (ص 14) لمشهور].
وعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((إن الله ليطَّلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن))؛ [أخرجه ابن ماجة رقم: (1390-ت الأرناؤوط)، ضعفه الألباني – رحمه الله – في تحقيق المشكاة رقم: (1306)، فكأنه لسنده ثم قوَّاه – رحمه الله – لشواهده في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ رقم: 1563)].
عن أبي ثعلبة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويُمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه”؛ أخرجه الطبراني والبيهقي وغيرهم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، وصححه بشواهده في صحيح الترغيب رقم: (2771)، وانظر: الصحيحة (3/136)، وحسن البيان (ص: 19)، وانظر: في بدعية صلاة ليلة النصف من شعبان: الباعث (ص: 124) لأبي شامة، والحوادث والبدع (ص: 121)، والمنار المنيف (ص: 98)، وحسن البيان (ص:4) لمشهور].
عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((يطلع الله – عز وجل – إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده، إلا لاثنين: مشاحن، وقاتل نفس))؛ [أخرجه أحمد(2/176)، وقال مشهور في حسن البيان(ص: 26): “وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد…، فالحديث حسنٌ كما في السلسلة الصحيحة رقم: (1144)”].
قضاء رمضان في شعبان:
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان))، قال يحيى: “الشغل من النبي، أو بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم”؛ [أخرجه البخاري رقم: (1849)].
وعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: ((كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أو برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم))؛ [أخرجه مسلم رقم: (1146) وفي رواية له:]: ((وذلك لمكان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم)).
وعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: ((إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فما تقدِر على أن تقضيه مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – حتى يأتي شعبان))؛ [أخرجه مسلم رقم: (1146)].
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((ما كنت أقضي ما يكون علي من رمضان إلا في شعبان، حتى توفي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم))؛ [أخرجه الترمذي(1/150)، وابن خزيمة رقم: (2049 ـ 1051)، والطيالسي رقم: (1509)، وأحمد (6 /124،131،179)، وانظر: إرواء الغليل (4 /98)].
هذا آخر ما تسنَّى لي ذكرُه في هذا الباب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربِّ العالمين.
_____________________________________________
الكاتب: بكر البعداني
Source link